يعد التسلط من الصفات التي تنعكس على الحياة الزوجية، بل وتؤدي إلى تفكك أسر بأكملها في حال كان أحد الزوجين أو كلاهما عنيدا لا يملك لغة الحوار، وتنعدم لديه روح المشاركة كمبدأ أساسي تقوم عليه العلاقة الزوجية أو يفضل دوما أخذ القرارات بناء على إرادته الشخصية وغيرها من الأمور التي نجدها عند الزوج أو الزوجة المتسلطة ما يحول حياة الطرف الآخر إلى جحيم. إن أسلوب التسلّط في المعاملة بين الزوجين له آثار ظهرت بصورة جلية في حياة العديد من العائلات ولو كان ذلك في أبسط الأمور، «صونيا» هي إحدى الزوجات التي تشتكي من تسلّط زوجها وهي السمة التي أكدت أنها لم تكتشفها إلا بعد معاشرتها له، تقول عن هذا: «لقد انبهرت بالصفات الحميدة التي يتميز بها زوجي، إلا أنني اكتشفت بعد مدة أنه فرد متسلط بأفكاره وتصوراته ولا يقبل الحوار إلا إذا كانت النتائج تصب فيما يريده هو»، هذا وتشتكي بعض النساء أنهن من يتنازلن في كل مرة عن حقهن ويعملن دوما على تقديم الفرصة من أجل التصالح مع الزوج، تقول «نعيمة»: «ما كانت الحياة بيني وبين زوجي لتستمر لولا أنني لا أتنازل عن حقي في العديد من المرات، أما هو فلا يعرف كلمة الاعتذار». كثير من الأزواج من وقعوا ضحية لنساء من نوع خاص مستبدات ومتعصبات بآرائهن ولا يتقن ثقافة الحوار والمناقشة، واحترام رأي الطرف الآخر، وهو نفس ما أكدته «أم إكرام» أخصائية نفسانية وهي تعدد سمات الرجل أو المرأة المتسلطة، تؤكد قائلة: «عادة ما يريد الزوج أو الزوجة المتسلطة من خلال ردود الأفعال أن يثبت أنه فرد قليلا ما يخطأ ويجد من نفسه أنه دوما يسير على الطريق الصحيح، ومن علامات التسلط أن يحاول أحد الزوجين فرض أنواع السيطرة على الطرف الآخر وإن كان ذلك في أبسط الأمور»، وهو ما يثبته الواقع، ف»عيسى» مثلا شاب حديث الزواج، يعانى من سيطرة زوجته ويقول أنها تتدخل في حياته في أدق التفاصيل وفي أمور مهمة وأخرى تافهة، ما جعل استمرار العلاقة بينهما تكاد تكون مستحيلة، يقول عن هذا: «زوجتي لا تكف عن السؤال عن وجهتي ومكان تواجدي طيلة النهار، فهاتفي لا يكف عن الرنين وهي تفرض عليّ دوما أن أثبت صحة كلامي، بل وعلي أن أقدم لها تقريرا يوميا عن كل من التقيت ومع من تحدثت، كما تتدخل حتى في طريقة لباسي وتمنع عني أصدقائي باستثناء من ترتاح هي لهم. ما جعلني أكره التواجد معها في البيت». وفي تفسير هذه الحالة، تقول أخصائية علم النفس أن انعدام الثقة هي من أهم ما يتميز به الإنسان المتسلط، ما يفسر الشكوك التي تراود الأزواج ممن يتصفون بهذه السمة، فمن أهم سلوكات الأزواج المتسلطين أنه يتدخل في أدق تفاصيل حياة شريكه، بل ويريد اتخاذ القرارات بدلا منه. ولمسنا من خلال شكاوى العديد من النساء أن هناك نوعا من الأزواج يتميزون بذهنيات صعبة للغاية، فلازال بعض الرجال يعتبرون أن المرأة لا تملك قرار نفسها، ودورها لا يزيد عن القيام بمتطلبات البيت وتلبية رغبات الزوج، وما دون ذلك لا يجب عليها التدخل في أي شيء، ولا يمكن أن يؤخذ برأيها الذي كثيرا ما يتم إسقاطه عندما يهم الزوج المتسلط باتخاذ قرار وإن تعلق بالحياة المشتركة لهما، والأمر لا يختلف إذا كانت الزوجة متسلطة. التنشئة الاجتماعية للفرد قد تكسبه الطابع التسلطي هذا وتعتبر الأخصائية النفسانية التسلط أحد الطباع التي يكتسبها الفرد من خلال عملية التنشئة في محيطه الأسري والاجتماعي، وعن تسلط الذكور، تقول أنه يكاد يكون ردة فعل طبيعية بالنظر إلى كون مجتمعنا هو مجتمع ذكوري حسب العادات والتقاليد التي لاتزال منتشرة، تضيف في تحليها لنفسية الزوج المتسلط: «إذا أخذنا التحليل النفسي للأزواج المتسلطين، فنجد أن ذلك الرجل اكتسب السلوكات المتسلطة، لأنه كان يرى أباه متسلطا في حق أمه وبالتالي فإنه ينتهج نفس المنهاج وبالتالي يقلد دور أبيه وأخيه وليزيد الأمر سوءا في حال نشأ في جماعات اجتماعية يسودها طابع التسلط وبالتالي يكتسب كل صفات عدم احترام رأي الغير ولو كانت زوجته»، عادة ما تنتقل صفة التسلط إلى سلوكيات الأبناء الذين يتربون على اكتساب نفس السلوكات التي يرونها عند آبائهم، وما يهدد الأولياء بفقدان التحكم في سلوكات أطفالهم. يكون تسلط أحد الزوجين في الكثير من المرات سببا في اندلاع الخلافات بينهما وعادة ما يحتدم الأمر إلى حد الوصول إلى الطلاق، حيث يعيش كلا الطرفين في ضغط كبير وما يتبع ذلك من مشاكل نفسية تجعل كل منهما يحاول التخلص من الآخر، وعادة ما ينعكس على معاملة أحد الوالدين لأطفاله، حيث يبدو متسلطا وقاسيا معهم. أكدت «أم إكرام» أن على الأزواج أن يفتحوا باب الحوار فيما بينهم، ليبقى النقاش والمشاورة واحترام رأي الطرفين هو السبيل الوحيد لتجاوز المشاكل وحلها في حال وقوعها، كما أن مسألة اختيار الزوج والزوجة الصالحة من خلال صفاته وأخلاقه يبقى خطوة أولية في تجنب العيش مع زوج أو زوجة متعصبة الرأي،وعن كيفية التعامل مع الطرف المتسلط تنصح الأخصائية النفسانية بضرورة مراعاة التعامل معه حسب ما يقتضيه الموقف، إذ يجب أن يحاول كل طرف معرفة ما يرغب فيه الآخر وتجنب كل ما يمكن أن يعكر مزاجه ولا يعمل على إثارة عصبيته، بل ويسعى للتعرف على اهتماماته ليشاركه فيها، كما يجب على كل واحد أن يتنازل قليلا من أجل أن يعطي للطرف المتسلط فرصة كافية للتغيير ما يساعد الأسرة على الحياة الهادئة التي تتعزز انطلاقا من طريقة التعامل المثلى بين الزوجين، وإذا كان هناك خلاف بين الزوجين، فمن الأفضل أن يكون بعيدا عن أعين الأطفال، وعلى الأوزواج أن يدركوا في علاقتهم مع بعضهم أنها ستنعكس حتما على حياة أبنائهم، وأن كل ما يصدر من أحدهم تجاه الطرف الآخر هو تحت المجهر، كونهما القدوة التي يمكن أن تؤسس لجيل صالح أو طالح.