يعيش معظم الشباب فترة الخطوبة في جو من الرومانسية التي تصور لهم أن الزواج سعادة تامة ويضع كلا الطرفين صورا ذهنية عن الطرف الآخر يكون قد استمدها من نمط معيشة معينة، ولكن سرعان ما يصطدمون في فترة بعد الزواج وإن اختلفت مدتها بجملة من المشاكل ويحسون بأنهما مختلفان في عدة نقاط لم تكن واضحة قبل الزواج، ليبقى الجميع يتساءل: أين ذهب ذلك الحب وكلمات الغزل المتبادلة، وهل الزواج هو مقبرة الحب؟ قصص حب دامت سنوات قبل أن تكلل بالزواج ما كان يظن أصحابها يوما أنهم سيواجهون اختلافات مع الشريك، فقد اختير بكل عناية، وكل واحد فصل زوجا على حسب مزاجه، تقول سميرة 30 سنة: «تقدم لخطبتي الكثيرون، وفي كل واحد وجدت ما لايجعلني أقبل به، فأنا أؤمن أن الزواج الناجح يكون مع الشخص الذي يشاطرني نفس الأفكار والآراء، وكلما زادت الاختلافات بيننا زادت حدة المشاكل التي تكون سببا في فشل ذلك الزواج، تعرفت على شاب ناجح في حياته العملية، ودامت علاقتنا حاولي ثلاث سنوات، عشت خلالها في عالم آخر تملأه كلمات الغزل، تأكدت خلال هذه الفترة أنه صورة طبق الأصل عني في العديد من الأمور رغم بساطتها، لدرجة أننا نحب نفس الأكلات ونكره أخرى، ولكن بعد الزواج مباشرة وبمجرد انتقالي للعيش معه، بدأت أكتشف أمورا سلبية في زوجي لم تخطر على بالي لدرجة أني أشمئز منه أحيانا، وهنا بدأت الخلافات تشق طريقها إلى حياتنا، وبدأ ذلك الحب يتناقص تدريجيا»، والأمر نفسه بالنسبة للجنس الآخر، فأحيانا يختار الرجل المرأة بناء على جملة من المواصفات التي تعجبه ويود أغلبهم أن تكون زوجاتهم بنفس مواصفات أمهاتهم، وفي هذا الصدد تحديدا يقول سمير 37 سنة: «وددت لو كانت من ستشاركني حياتي بمواصفات أمي، حنونة، لينة في تعاملاتها، مطيعة لزوجها، خدومة لبيتها»، إن كانت هذه مقاييس المرأة الناجحة في بناء أسرة عموما حسب سمير فالاختلافات قد تكون واردة بين طبيعة كل من الزوجة والأم وسرعان ما تظهر، يضيف سمير: «لما تقدمت لخطبة إحداهن كنت أرى فيها صورة أمي ولكن وبعد عامين من الزواج لاحظت فرقا شاسعا فهي لا تحرص دوما على الاهتمام بأموري ولا يهمها حتى إن أكلت أم لا بعد أن كانت تسرع بسؤالي عن ذلك كلما دخلت البيت». »زوجي لا يغازلني مثلما كان من قبل« تلاحظ بعض النسوة تراجع مستوى الرومانسية في علاقتها مع زوجها بعد الزواج، تقول حياة 29 سنة: «لما كنا في فترة الخطوبة، كان يمطرني بكلمات الحب والغزل ولا ينام إلا بعد أن يكلمني، ولكن بعد مرور خمس سنوات من الزواج تغير زوجي وأصبح لا يوليني ذلك الاهتمام السابق ما جعلني أفكر أحيانا أن زوجي لم يعد يحبني»، هذا وتفصح بعض النساء عما يختلج في صدورهن لتصطدم ببعض الأعذار، تضيف حياة: «عندما أصارح زوجي بهذه الأمور يقول أننا كبرنا عن هذه الأمور ولسنا مراهقين، رغم أن سنه 35 سنة، وبعض من هم في سنه لم يتزوجوا بعد». كما يعبر العديد من الأزواج عن الإهمال الذي باتوا يعيشونه من طرف زوجاتهن، حيث يقول بعضهم أن المرأة وقبل الزواج تكون ناعمة وحريصة، ولكن بعد الزواج تصبح عنيفة نوعا ما، وفي هذا يحكي مروان: «منذ أن أنجبت زوجتي ولدنا الأول، صرت نكرة في البيت وكأني غير موجود، ألبي طلباتي بنفسي، أما عن مقدار الرومانسية بيننا فقد أصبحت في الحضيض بعد أن كانت هي من تبادر بالتودد إلي». الرومانسية عند المرأة أكبر مما هي عند الرجل إن الرومانسية كما تعرف عند الأخصائيين هي سلوك يعبر به الفرد عما يختلج من مشاعر عاطفية ايجابية، ولكن حقيقة الخلل في كل هذا هو أن بعض الأفراد يفرضون شكلا معينا من الرومانسية وشعارهم في ذلك: «من يحب يجب أن يكون رومانسيا قبل كل شيء»، تقول نوال 25 سنة: «أعتبر الرومانسية هي معيار الحب، وإذا لم يغازل الرجل زوجته، فمعناه أن حبه قل إن لم نقل أنه انعدم». وإذا كانت الرومانسية مقدسة بالنسبة للمرأة، فكيف هي عند الرجل؟ يقول مني ر40 سنة: «بالنسبة لي الرومانسية شيء تافه، فالحياة الزوجية تفرض أن نعيش الواقع ونقف في وجه المشاكل». قد يبدو للبعض أن الرومانسية عند الرجل مرتبطة بمتغير السن بالدرجة الأولى، فكلما كبر، كلما قلت رومانسيته، يقول نور الدين 20 سنة: «لما نكون شبابا نكون مفعمين بالحيوية، والحياة العاطفية بالنسبة إلينا تكون مصدرا للطاقة، فأحيانا الشاب يعمل من أجل أن يتزوج ويعيش الرومانسية الحقيقية، ولكن هل يعقل أن يغازل شيخ طاعن في السن زوجته العجوز، فأبي مثلا لا ينادي أمي باسمها، بل يقول لها أنت اسمعي..، وإذا خرجا فهو يمشي وهي خلفه، في حين لا ترضى نساء هذا الوقت إلا وذراعها مشبوكة في ذراع زوجها»، أما الغريب في الأمر أن تكون الرومانسية مجسدة في الغيرة، إذ تعتقد بعض النساء أن الرجل إذا لم يغر عليها فهو لا يحبها، تقول نسرين: «خطيبي بالكاد يسألني أين أذهب أو مع من؟ حتى صرت أشك في حبه لي، خاصة وأن كل قريناتي يشتكين تسلط خطابهن حتى أن منهم من يمنعها حتى من الخروج مع والديها، لأنه يغار عليها ولا يريد أن يراها أحد». الأغاني والأفلام جعلت الرومانسية مطلوبة جدا وعن أسباب شدة تعلق المرأة بقيمة الرومانسية، تقول أم إكرام، أخصائية نفسية، أن المسلسلات العاطفية والأفلام الرومانسية هي أكثر ما ساهم في فرض نمط معين من الرومانسية، فالمرأة لما تشاهد تلك المسلسلات تكون صورة عن الرجل الذي يجب أن تتزوج به، وأنه يجب أن يكون طيبا وأنيقا وشديد الرومانسية، ولما تختار المرأة أو الرجل بعض السلوكيات التي يجب أن تصدر من الطرف الآخر للتعبير عن الحب وتحاول فرضها وهذا خطأ في اختيار الرومانسية الحقيقية، لأن الرومانسية هي شعور ايجابي يجب أن يعبر عليه كل واحد منا بطريقة صحيحة تتناسب مع كلا الطرفين، فلا يجب أن نفرض عليه كيف يعبر عن رومانسيته، هذا وأشارت محدثتنا إلى أن النقطة التي تحسب على بعض النساء «هو أنهن يردن أن يمشي الرجل في الطريق الذي يرسمنه هن والأمر نفسه بالنسبة للرجل، فقبل الزواج يبحث كلا الطرفان عن أوجه التشابه بينهما، أي يبحثون عن الشيء الذي يجذب كل طرف إلى الآخر، لكن بعد الزواج يظهر جليا أن التشابه لا يمكن أبدا أن يكون مطابقا مائة بالمائة، وهنا يجب أن يعمل كل طرف على أن يكون مكملا للطرف الآخر ويغطي كل واحد عيب الآخر، وهذا هو أساس العلاقة الزوجية». أسباب عدة تقضي على الرومانسية بين الزوجين ومن الأسباب التي تؤدي إلى فقدان الرومانسية بين الزوجين، تقول الأخصائية أنها كثرة المشاغل وتعدد المسؤوليات التي تزيد بعد الزواج، إضافة إلى حالات الخلاف الذي هو مقبرة الحب بين الزوجين، إذ يمكن أن يؤدي إلى كره الطرف الآخر، وليس المشكل في حد ذاته، فحتى عندما يريد الزوجان إضفاء نوع من الرومانسية على حياتهما يصطدمان بها ويتذكران الخلافات التي بينهما، متناسيين أن الزواج يتطلب أن يتنازل كل طرف من أجل العمل على التكيف أكثر مع بعضهما. وتضيف ذات المتحدثة «ومن أسباب الافتقاد للرومانسية هي عدم تقدير الفروقات بين الزوجين، فالإعلام والتربية يرسمان لهما صورة على أنهما يمكن أن يكونا شخصين متطابقين ولا يسمح هذا بوجود الفروقات، ولكن الزواج الناجح هو الذي يسمح بوجود قاسم مشترك بين الزوجين مع إعطاء جانب لكل منهما بالحرية، فالاعتراف باللاتطابق يحل المشاكل وبالتالي تعود الرومانسية». نمط تربية كلا الزوجين وعن التربية تقول أم إكرام أن التربية التي تلقاها كل من الزوج والزوجة تنعكس على حياتهما المشتركة، فالبنت مثلا خلال حياتها في بيت أهلها تتعود على أشياء معينة، وهي تلاحظ كيف يتصرف أبوها وأخوها، وكيف يعاملانها، فإذا وجدت ذلك الحنان الفياض والدلع الزائد من طرف والدها تظن أن زوجها سيكون كذلك معها أو على الأقل يوفر لها كل ما كان يوفره لها والدها ولا تدرك أن زوجها قد لا يتحمل منها ما قد يتحمله أبوها، كما لا يمنحها نفس الاهتمام ونفس العاطفة. وتضيف أن بعض الأزواج لا يعرفون كيف يقرأون ما لا ينطق به الطرف الآخر، ما يؤدي إلى بعض المشاكل، فالزوجة تريد أن تسمع من حين إلى آخر غزل زوجها دون أن تطلب منه ذلك وإنما أن يصدر عنه من تلقاء نفسه. الرجل لا يعبر دوما عن عاطفته «طريقة التفكير أيضا تلعب دورا، فإذا كان أي طرف يشترط في طلب نوع العاطفة بالطريقة التي يريدها فهذا أكبر خطأ. فالرجل بطبيعته غامض نوعا ما ولا يريد الإفصاح عن كل شيء ولا يستطيع التعبير عن عاطفته، ولكن المرأة أعطاها الله القدرة على التعبير عن عاطفتها». معرفة نمط تفكير كل واحد يضفي نوعا من الاستقرار أما عن النصيحة التي قدمتها محدثتنا لكل الأزواج فهي القراءة والاطلاع في طريقة تفكير كل من الرجل والمرأة حيث تقول «لو عرفت المرأة كيف يفكر الرجل ستكون حياتها معه أكثر سعادة ورومانسية، ولو عرف الرجل كيف تفكر المرأة ستكون حياته معها أكثر هدوءا وحبا، فالذكاء العاطفي مطلوب في معرفة عواطفنا وعواطف غيرنا من أجل أن نضمن استمرارية الرومانسية في حياتنا الزوجية في ظل وجود المشاكل، كما على الرجل إضفاء العاطفة في كلامه مع المرأة، لأن المرأة بطبيعتها تحب سماع عبارات الحب«.