بات الهاتف النقال خطرا جديدا يتربص بالأطفال من الناحية الأخلاقية والسلوكية لاسيما عندما نجد أطفالا لا يرضون إلا "بالآيفون" ليضع الأولياء في حيرة من أمرهم، هل يمتنعون عن اقتناء هاتف للطفل ما قد يجعله ينتقم بطريقته، أم يوفرونه له وهم على تمام الإدراك أن ذلك لن يصب في مصلحته؟ هو سؤال يطرحه الكثير من الأولياء وهم يرون براءة أبنائهم تسرق تدريجيا من مختلف الوسائل التكنولوجية، حاولنا من خلال هذا الموضوع التقرب أكثر من الأولياء لرصد مدى موافقة البعض على امتلاك الإبن لهاتف نقال في سن مبكر والتصرف السليم الذي يمكن أن يجنب أطفالهم تلك المخاطر. عبّر الكثير من الأولياء خلال حديثهم مع "السلام اليوم" أنهم لم يجدوا من حل أمام طلبات أبنائهم المتكررة لامتلاك هاتف نقال سوى الخضوع لها رغم أنهم يدركون أن ما يمكن أن يحمله يفوق سنهم ويهددهم بمخاطر لا يدركون حجمها، "بهية" في حديثها حول الموضوع، أكدت أنها لم تجد من حل سوى الرضوخ لطلبات ابنها صاحب السبع سنوات، فبعد سنة من دخوله المدرسة صار يطلب هاتفا نقالا ما دفعها إلى أن تشتريه له، ابن "بهية" رضي بالهاتف الذي جلب له، ولكن الأمر ليس كذلك مع "يزيد" صاحب العشر سنوات، فالهاتف النقال بالنسبة له ليس وسيلة للاتصال بقدر ما هو أداة لتحميل وسماع المقاطع الموسيقية والألعاب، تقول أم يزيد: "في البداية ترددت في أن اشتري له هاتفا نقالا، إلا أنني وجدت نفسي مجبرة بعد ما وعدته به، ولكن الهاتف الذي جلبته لم ينل إعجابه، فهو في نظره "حطبة" كما يقول، أي لا يتوفر على أي وسائط ما جعله يرفض أخذه فاضطررت إلى منحه هاتفي الخاص". "نوال" هي الأخرى تؤكد أن ابنها صاحب ال 12 سنة لا يرضى إلا ب"الآيفون"، هذا ما لا يمكنها توفيره أبدا، رغم أنها ليست ضد فكرة أن يحوز طفلها على هاتف نقال، وهو نفس موقف "راضية" التي لا تجد أي مشكل في أن يمتلك ابنها صاحب التسع سنوات هاتفا نقالا، فذلك يخفف من قلقها عليه عند تواجدها في العمل، حيث تؤكد أن الهاتف النقال هو السبيل الوحيد لتطمئن على ابنها تقول: "والده كان يرفض أن يحصل على هاتف نقال، لأنه صغير السن، ولكن لا حيلة أمامي حتى أبقى على اتصال به"، وانطلاقا من هنا تجدر الإشارة أن اختلاف طريقة التربية بين أم موافقة وأب رافض يجعل الطفل في الكثير من الأحيان يتمسك برأيه ومستبدا به، كما يصعب على الآباء إقناعه بوجهة نظرهم. يلاحظ أن العديد من الأطفال يمتلكون هواتف نقالة من آخر طراز بدون توفر أي رقابة من طرف الأهل، هذا واستنكر الكثير من أولياء الأمور وجود الهواتف النقالة بحوزة أبنائهم منهم "أم نسيم" التي تؤكد أنها ترفض تماما أن يمتلك طفلها هاتفا نقالا وذلك بعد التجربة التي تعرضت لها أختها مع ابنها صاحب التسع سنوات والتي وجدت مقاطع فيديو مخلة بالحياء في هاتفه النقال، أما "مراد" فيقول أنه يدرك تماما ما يعنيه الهاتف بالنسبة للطفل، فهو ليس بوسيلة اتصال، لأن الطفل في العادة يريد امتلاك الهاتف من أجل أن يتبادل رفقة أصدقائه مقاطع فيديو، موسيقى وصور، وهنا الخطر الذي يمكن أن يتربص بطفل صغير حسب ذات المتحدث، وفي نفس الموضوع يلاحظ تشدد الكثير من الأولياء في مسألة امتلاك الطفل لهاتف نقال، إذ يرون أنه أمر غير مسموح مهما حدث، لأن ذلك من شأنه أن يفتح عيني الطفل على أمور لازال صغيرا جدا على اكتشافها. وبين رافض ومؤيد، يوجد من الأولياء من لا يمانعون أن يمتلك أطفالهم هاتفا نقالا، ولكن يحرصون بالموازاة على فرض رقابة صارمة على ذلك الهاتف الذي يحرصون على أن يكون بسيطا ولا يستعمل إلا للاتصال ومنهم "نورة" التي تقول: "بالنسبة لي لا أحرم طفلي من هاتف نقال شرط أن لا يحمل أي تقنية تشكل خطرا على سلوكه، فالرقابة تبقى مسألة ضرورية، خاصة أننا لا يمكن أن نمنع أبناءنا من التكنولوجيا، وهم يعيشون في عصرها". لا يمكن منع الطفل عن التكنولوجيا ولكن يجب الحد من أخطارها توضح "حميدة عشي" أستاذة علم الاجتماع بجامعة الجزائر أن الهاتف النقال تنعكس آثاره على الصغار كما الكبار، حيث صار يندرج ضمن الوسائل التي يدمن عليها الأفراد بصورة غير إرادية، والطفل كأحد أفراد المجتمع من الطبيعي أن يتأثر بذلك الإدمان ويقبل عليه كنمط تقليدي للكبار من جهة، والانبهار بإمكانياته والرغبة في تجربتها من جهة أخرى، وفي نفس السياق تؤكد المتحدثة أنه لا يمكن عزل الطفل نهائيا عن تلك التكنولوجيات، ولكن يمكن للأهل التدخل في فرض رقابة على محتويات تلك الهواتف وطريقة استعمالها رغم أننا نجد أطفالا يجيدون استعمال أحدث طراز من الهاتف النقال أحسن من أوليائهم. تقول الأخصائية الاجتماعية: "نحن لا ننكر أن للهاتف النقال أخطارا سلوكية وتربوية للطفل، إضافة إلى جملة من الأخطار الصحية التي تثبتها مختلف الدراسات، ولكن لا يمكننا أن نحجب عنه تلك التكنولوجيا على الطفل، خاصة وأننا نلاحظ أن الأطفال يجيدون استعمالها، ولكن لابد أن نعمل على إيجاد السبل الكفيلة لترقية فكره في الاستخدام السوّي والصحيح لها". رغم أن الطفل ليس بحاجة ماسة إلى الهاتف النقال، ولكنه يحب امتلاكه ،وهي الحقيقية التي يجب على الأولياء الاقتناع بها والعمل على الحد من أخطارها من خلال الرقابة الصارمة، إذ تقول أخصائية علم الاجتماع أنه لابد من مصاحبة الطفل من أجل التمكن من معرفة ما يخفيه في هاتفه النقال كما يمكن أن نستغل الهاتف النقال كأداة مادية نعلم الطفل من خلالها كيف يتصرف في ماله من خلال مبلغ الرصيد.