يقبل الكثير من الناس على اقتناء الأدوية من الصيدليات بدون وجود وصفة تثبت حاجتهم لذلك الدواء بمصادقة طبيب مختص، متجاهلين أخطار ذلك والتي قد تؤدي إلى الوفاة بسبب عدم مناسبة الدواء للعرض أحيانا، وتفاعل الأدوية أحيانا أخرى. يقبل بعض المرضى على الصيدليات لشراء الأدوية بمجرد شعورهم بالآلام وبدون تشخيص علتهم، لأنهم وبكل بساطة يحفظون المقولة التي تؤكد أن الفرد طبيب نفسه، وتتعدد التبريرات التي يقدمونها، حيث أنهم يرفضون التوجه للطبيب سواء لأنهم سبق وأن فعلوا ذلك، ولكن الدواء لم يأت معهم بأي فائدة علاجية، وأحيانا يرفضون العودة للطبيب، لأنهم يرون أنه سيمنح لهم نفس الدواء ما جعلهم يفضلون شراءه كلما شعروا بنفس الأعراض ليوفروا على الأقل ثمن الطبيب. هذا وبرر بعض الأفراد ممن ثبت استخدامهم السيء للدواء وبصورة عشوائية، متجاهلين الأخطار التي قد تنجم عن ذلك، وفي هذا الصدد يقول "رضا" أحد من يقبلون على الدواء دون وصفة من الطبيب: "أنا أشتكي من بداية قرحة في المعدة، وسبق وأن لجأت للطبيب الذي وصف لي نوعا محددا من الدواء، ولا يعقل في كل مرة أن أعود إليه كلما اشتكيت من آلام في نفس الموضع وأدفع فاتورة كشف آخر". وهو نفس رأي "زكية" التي تؤكد أن باستطاعتها أن تداوي نفسها بنفسها، لأنها حفظت قائمة الأدوية التي تصلح في علاج الحساسية التي تعاني منها. وهكذا يظهر جليا أن استخدام الأدوية دون اللجوء للطبيب هو نتيجة حتمية للتعود على دواء معين وهو حال "بوعلام" الذي يقول أنه كثير التعرض للإصابة بأعراض الإنفلونزا حتى في فصل الصيف، وخاصة السعال الحاد، ولكنه وبحكم التعود صار يقتني المشروب الخاص بالسعال دون أن يكشف عند الطبيب، يفسّر هذا: "لا يعقل أن أكشف في كل مرة وأتكبد فاتورة العلاج مادمت أعرف أن الطبيب لن يصف لي دواء آخر غير الذي أشتريه"، وحول نفس الموضوع تقول العجوز "فاطمة": "إن سني لا يسمح لي بقضاء طوال النهار انتظر دوري في المستشفيات العمومية من أجل الفحص، كما أن حالتي المادية لا تسمح لي بالكشف في العيادات الخاصة في كل مرة، ما جعلني أواظب على نوع واحد من الدواء الخاص بارتفاع الضغط الدموي لسنوات دون أن يحدث لي أي مكروه".لقد جرت العادة عند بعض الأفراد أنهم يأخذون بالنصائح التي يتلقونها من المقربين منهم بخصوص فعالية دواء ما، ومدى نجاعته في علاج عرض معين دون آخر لدرجة أنك تظن أن المتحدث هو طبيب مختص أو صيدلي ممتهن إلى أن يؤكد أن معلوماته جاءت بناء على تجربته لهذا الدواء الذي صار مثله مثل أي مادة غذائية أو منتوج إشهاري يدفع لتجربته. مواطنون يرجعون الظاهرة لعدم كفاءة بعض الأطباء هذا وأرجع بعض المواطنين ظاهرة شراء الأدوية بدون وصفة طبية إلى عدم كفاءة بعض الأطباء الذين يكبدون المريض فاتورة الفحص وفاتورة كمية معتبرة من الأدوية التي قد لا تجدي نفعا في بعض الحالات ما جعل بعضهم يقتنون الأدوية التي يرونها مناسبة بناء على تجربة سابقة لهم أو لغيرهم، كان هذا أحد أساليب تناول الأدوية عند البعض منهم "فتيحة" التي تعاني من القولون العصبي والتي تؤكد أن جل الأدوية التي منحت لها من قبل مختلف الأطباء لم تجدي نفعا معها ما جعلها تمتنع عن زيارة الطبيب لمدة تزيد عن عامين لتتولى هي عملية تحديد الدواء المناسب الذي تشتريه من الصيدلية دون وصفة وبكل سهولة رغم أن تأثيره يبقى محدودا، إلا أنها ترى أن ذلك أفضل من المبالغ التي تدفعها في كل مرة تعود فيها للطبيب لنفس الأعراض على حد تعبيرها. الحوامل والأطفال أكثر المتضررين من الاستعمال العشوائي للأدوية تعتبر الحوامل من أكثر الفئات تضررا في حال أخذت أدوية دون استشارة طبية مسبقة، حيث تكون الأم والجنين عرضة للخطر بسبب تناول أدوية دون وصفات تثبت جدوى استعمالها، والخطأ الذي تقع فيه الكثير من الحوامل هو الاستمرار في تناول أدوية معينة رغم أنهن في فترة حمل، وعن مثل هذه الحالات يقول الدكتور "بلعربي" أن كل من الطبيب وأخصائي أمراض النساء هما الطرفان الوحيدان من يستطيعان تحديد إن كان الدواء صالحا للاستعمال من طرف الحامل مهما كان بسيطا في نظر هذه الاخيرة حتى لا ينعكس سلبا على صحتها أو صحة جنينها، كما يؤكد المتحدث أن الكثير من حالات التشوه عند الأجنة كانت بسبب تعاطي الأمهات لبعض الأدوية دون تشخيص أو استشارة طبية مسبقة. وبالموازاة مع هذا نلاحظ إهمال بعض الأولياء لدرجة أن بعضهم يقدم لأولاده أدوية معينة رغم أنها لم توصف لهم ما قد يكون بداية لمشاكل صحية، ففي الكثير من الحالات تعرض بعض الأمهات أطفالهن لخطر بإعطائهم أدوية دون تشخيص مسبق على اعتبار أن تلك الأدوية إذا لم تنفعهم فلن تضرهم، متجاهلات بذلك أن دواء واحدا غير مناسب قد يكون سببا في الوفاة أو في حدوث مضاعفات خطيرة وهو ما حدث مع "نادية" التي أعطت لابنها الصغير نفس دواء أبيه مادام يعاني الإسهال، تضيف: "ولكن الطفل صار يتقيأ وارتفعت الحمى لديه بدرجة كبيرة ما جعلني أنقله على جناح السرعة إلى المستشفى، أين وبخني الطبيب بشدة لكوني كدت أقتل ابني بالدواء الذي منحته له". أطباء يحذرون وآخرون يحمّلون الصيدليات المسؤولية الأطباء من جهتهم يؤكدون حزمهم في عملية تحديد الدواء للمريض ويحذرون بشدة من اقتناء الدواء من الصيدليات دون الخضوع للتشخيص المسبق للحالة والالتزام بالدواء الذي يمكن أن يتغير بتغير تطور أو نقص الحالة المرضية، وحسب ما جاء على لسان الدكتور "بلعربي" طبيب عام فإنه على المريض أن يتقيد دوما بمواعيد الدواء، الكمية المتناولة والمدة التي يجب خلالها تناول ذلك الدواء، لأن الكثير من المرضى يأخذون الدواء لفترة قصيرة ويوقفونه بمجرد أن يشعروا أنهم تماثلوا للشفاء ما يؤدي إلى ظهور نفس المرض وبالحدة الأولى، أما عن الاستعمال العشوائي للأدوية فيؤكد أن له مضاعفات صحية خطيرة لا تلبث أن تظهر. وفي تفسيره لتنامي شراء الأدوية دون تشخيص مسبق، فيرجعها المتحدث إلى قلة وعي المرضى، وكذا تدني المستوى المعيشي للبعض منهم، الشيء الذي يجعلهم يمتنعون عن زيارة الطبيب في كل مرة يشعرون فيها بأعراض المرض ما يجعلهم يقصدون الصيدليات مباشرة من أجل شراء الدواء الذي سبق لهم وأن أخذوه. ومن جهة أخرى، يرى الدكتور "بلعربي" أن الصيدلي يتحمل جزءا من مسؤولية الاستهلاك العشوائي للأدوية مادام لا يمتنع عن بيع الدواء، رغم أن طالبه ليس لديه وصفة بذلك الدواء، وفي هذا الصدد يكشف الصيدلي "محمد شرفوح" أن هناك العديد من الأدوية التي لا يمكن أن تمنح للمريض دون وجود وصفة طبية لكون تلك الأدوية تتميز بخطورة كبيرة في حال إقبال الفرد عليها بصورة عشوائية، ويضيف أن الدواء هو علاج لحالة محددة لا يمكن تعميمها على كل الحالات وإن ظهرت متشابهة، كما أن الدواء قد لا يكون نفسه من حالة إلى أخرى عند نفس المريض ما قد يعرضه إلى مضاعفات خطيرة.يقول الصيدلي في هذا الجانب: "إن استعمال الفرد للدواء بناء على تجربة سابقة لا يمكن ضمان نتائجه، لأن الأمراض تتداخل في أغلبها من حيث الأعراض ما يعرض المريض للخطأ في اختيار دوائه". المضادات الحيوية وأدوية الإنفلونزا من أكثر الأدوية إقبالا دون وصفة وعن أكثر الأدوية إقبالا من طرف المرضى بدون وصفة طبية، يقول الصيدلي أنها تتجلى في أدوية الإنفلونزا، مسكنات الآلام والمضادات الحيوية، وعن هذه الأخيرة يقول: "إن اقتناء المضادات الحيوية يتطلب تشخيصا مسبقا يحدد نوع المضاد والكمية المناسبة، أما الإقبال العشوائي فهو قد يؤدي إلى خلق نوع من المقاومة لذلك المضاد الحيوي وبالتالي يتواصل المرض أو حتى يتطور"، وعن الأدوية الأخرى، يقول المتحدث أنه توجد العديد من الأدوية التي تباع دون وصفات طبية ومن أهمها أمراض الزكام وارتفاع درجة الحرارة ومسكنات الآلام والتي يمكن أن يجلبها الفرد من أي جهة غير الصيدليات شرط أن لا تكون مدة صلاحيتها قد انتهت، وفي تعليقه عن ظاهرة شراء الأدوية دون وصفة يوضح الصيدلي قائلا: "إن الأفراد الذين يقبلون على الدواء بدون وصفة طبية مسبقة مهددون بأخذ علاج قد يضرهم أكثر مما يفيدهم، فالمريض قد يكون مصابا بأكثر من مرض دون أن يدرك ذلك ما يعني أن استخدام بعض الأدوية قد تتفاعل مع بعضها وتشكل مضاعفات خطيرة، في حين قد يؤدي دواء محدد إلى الإصابة بمرض آخر لم يكن متوقعا من قبل".