تعتقد جميع المطلقات اللائي التقيناهن بأن الزواج سنّة الله في خلقه، غير أن الطلاق حل للزواج الفاشل، فكل فتاة تأمل في أن تعيش حياة زوجية هنية يحفها الاستقرار فتسعى إلى تعويض ما فاتها في حياة العزوبية من حب وحنان متمنية تحقيق ولو جزء بسيط من أحلامها الطفولية مع شريك حياتها. التقينا العديد من المطلقات ونحن بصدد إعداد هذا الموضوع، حيث أكدن أنهن لا يجدن أمامهن منفذا غير الطلاق بعد أن باءت كل محاولاتهن الإصلاحية بفشل ذريع فتصبحن مطلقات وحولهن أيتام يتألمون. وقد صرحت لنا كل المطلقات اللائي تحدثنا إليهن في هذا الموضوع بمدينة ورڤلة بأنهن يفكرن بالعودة إلى منزل الطفولة معتقدان بأن أولياءهن سيستقبلنهن بصدر رحب، لكن هيهات أن يعود الشباب يوما، فهن اليوم يحملن لقب مطلقات ومعهن حمل ثقيل اسمه أطفال جائعون. مطلقات دخلن عالم الرذيلة من هنا تبدأ المأساة حسب ما أدلت لنا به السيدة "ب.فريدة" 34 سنة حيث أخبرتنا أنها تعرفت على شاب من منطقة القبائل عامل في حقل البترول بحاسي مسعود في التسعينيات وتزوجت منه، وبعد مدة فاقت الأربع سنوات هجرها وترك لها ولدين يتيمين وهي اليوم مطلقة غيابيا، حيث صرحت لنا أنها دخلت حياة الرذيلة مكرهة لأن لا أحد مد لها يد العون لشق طريقها بالحلال وتخلى عنها الجميع بما فيهم والدتها وإخوتها، كما أخبرتنا أنها تعيش اليوم أحسن منهم جميعا حتى وإن كانت تقتات من حرام كما أنها توظفت في عدة مكاتب عمومية وخاصة وكانت تغادر أو تطرد منها بسبب ابتزازات العمال أو المسوؤلين لها ومساومتهم لها على شرفها. حدث هذا في سنوات طلاقها الأولى حين تعرضت لكل أنواع الضغوط والمساومات حتى أنها كانت تعيّر بطلاقها فكثيرا ما رددت عليها ألفاظ جارحة أصبحت لصيقة بالمطلقة كظلها. وتضيف فريدة أنه لما ضاق بها مجال الحلال ها هو الطالح قد فتح لها ذراعيه واستقبلها بأعرض ابتسامة لديه وعليه دخلت عالم المحظورات من بابه الواسع وتقول إنها وفرت بعض المال ودخلت عالم التجارة وكثيرا ما تنقلت بين تونس وليبيا للمتاجرة بالسلع الجزائرية التونسية والليبية، أما اليوم فهي تفكر في العودة إلى جادة الصواب والتوبة خاصة عندما أصبح ولداها شابين صغيرين، فعلى حد تعبيرها من أجلهما ضعت ومن أجلهما سأعود فالأولاد هم نور هذه الحياة على حد تعبيرها. أما السيدة "جمعة" 38 سنة من وسط مدينة ورڤلة مطلقة وأم لطفلة واحدة والتي أفادتنا بتجربتها الزوجية الفاشلة التقيناها بحفلة عيد ميلاد إحدى صحيباتها حيث أخبرتنا بأنها تطلقت من ابن عمها وتورطت في مجموعة من العلاقات العاطفية إلا أن حذرها كان شديدا جدا وآخرها كانت مع رجل في السبعين الذي وعدها بالزواج و لم يف بذلك لكنها تزوجت مؤخرا من رجل في الخمسين من العمر من ولاية تبسة وهي الآن حامل منه وعلى وشك الولادة. كما صرحت لنا أن الطلاق وصمة عار بقيت منحوتة في جبينها إلى الأبد كما أنها قاست كل أنواع الضغوط من طرف إخوتها ومن طرف كل من كان من حولها، لكن والدتها كانت تواسيها في كل مرة وتخفف عنها ما استطاعت، أما اليوم فهي مستورة على حد قولها. أما السيدة "جمعة.ن" من ولاية الجلفة فقد صرحت لنا أنها تزوجت من رجل كهل على ضرتين وبعد إنجاب ولد وبنت طلقها متعسفا وهي الآن تعمل خارج الخطوط الحمراء، لكنها تمكنت من إقناع أحد معارفها بعد فترة من التورط معه من التوسط لها لإيجاد منصب عمل وهو ما حصل حيث مكّنها هذا الشخص من الحصول على عقد عمل مؤقت بإحدى الإدارات العمومية بورڤلة ... مطلقات يقاومن بشرف ويسبحن ضد التيار وقد عرفتنا السيدة جمعة على السيدة "رحمة.ف" من مدينة الجلفة تقطن بورڤلة أخبرتنا بأنها مطلقة وأم لبنت في الثالثة من عمرها وأنها لم تخبر أحدا بطلاقها وأنها لن تفعل ذلك لأنها لو فعلت لطمع فيها حتى أبناء الجيران على حد قولها! وعن الضغوط التي تعرضت لها، تقول إنها تتعامل بحذر شديد وهي تضطر للكذب على من تعرفه لتغطي مشكلة طلاقها حتى لا تتعرض لمساومات رخيصة وضغوط هي في غنى عنها، كما أخبرتنا بأنها متحصلة على دبلوم في الإعلام من التكوين المهني بورڤلة وهي تأمل في الحصول على منصب أو عقد عمل في أية مؤسسة عمومية أو خاصة لتغطية نفقات ابنتها ولتفادي الوقوع في انزلاقات وأخطاء قد لا تغتفر ولا تحب أن تؤكل فلذة كبدها خبزا على حد قولها. أما السيدة "فطيمة.ز" من مدينة الأغواط فلم يختلف حالها عن سابقتها كثيرا، حيث تطلقت منذ أكثر من سبع سنوات وهي أم لثلاثة أولاد وهي تقول إنها تعرضت لكل أنواع الضغوط والمساومات في الأماكن التي عملت بها وكانت تنسحب منها الواحدة تلو الأخرى لنفس السبب غير أن أحد معارف والدتها مكّنها أخيرا من الحصول على منصب عمل بإحدى الإقامات الجامعية بمدينة ورڤلة وهي الآن تعيش نوعا من الاستقرار المادي رغم أن الطلاق بقي نقطة سوداء في قلبها رغم مرور أكثر من سبع سنوات على طلاقها وقد تعرفنا على السيدة "بن.يمينة " من ولاية باتنة وهي أستاذة إنجليزية بإحدى المتوسطات بوسط مدينة ورڤلة والتي قصت لنا قصتها مع طليقها الذي تحصلت على الطلاق منه بعد جهد جهيد، هذا الأخير الذي قالت إنه تحايل عليها وحصل منها على توكيل ونهب منها كل ممتلكاتها بعد أن أنجبت له طفلة وهي الآن مطلقة وأم لشابة في مقتبل العمر غير أن انفصالها عن زوجها والمشاكل التي كانت تعيشها بسببه أثر سلبيا على الفتاة، حيث أنها ما زالت تعاني من مشكلة التبول غير الإرادي رغم كبر سنها، فهي تبلغ من العمر 17 سنة كما أنها تعاني من حساسية نفسية بل وتكره كل ما يتعلق بوالدها وكل ماله صلة بعائلته فالسيدة "يمينة" تقول إن الطلاق يعد أسوأ ما يمكن للمرأة أن تتعرض له فهي لا تعاني من مشاكل مادية بل تعاني من عدم اتزان ابنتها نفسيا رغم كبر سنها وهذا بسبب زوجها "لا غفر الله له" على حد قولها. كانت هذه عينة بسيطة لا تعد ولا تحصى من مجتمع المطلقات بمدينة ورڤلة اللاتي استطعن التقرب منهن وقررن أن يفتحن قلوبهن لجريدة "النهار" ولا شك أن هناك مطلقات كثيرات لم نسمع عنهن يعشن في سواد بسبب الطلاق، فهل نظر قانون الأسرة الجديد لمثل هؤلاء النسوة اللائي هن أضعف من الضعيف للحصول على شروحات وافية تخص المواد المعدلة ومدى سريان مفعولها؟ للإجابة عن هذه الجوانب اتصلنا بالمحضر القضائي الأستاذ شريف محمد الذي وافنا ببعض الشروحات في نفس السياق. الحضانة، النفقة والإيجارأهم ما جاء به قانون الأسرة 2005 أخبرنا مصدرنا القانوني سابق الذكر، بأن أهم ما جاء به قانون الأسرة المعدل هو قضية الحضانة التي تسند للأم بعد الطلاق وفي حال زواجها تمنح هذه الحضانة مباشرة للطرف الثاني الذي يمثل الأب. أما بخصوص النفقة فقد نصت مواد القانون الجديد للأسرة على ضرورة إنفاق الزوج أو الطليق على أبنائه وعدم تسديده للنفقة قد يعرضه لعقوبات قد تصل إلى حد الحبس في حالات التعسف. كما نص نفس القانون على ضرورة منح الطليق لطليقته الحاضنة للأولاد مبلغا ماليا يقدره بعض المحامين بحوالي 10 آلاف دينار جزائري يدفع لها شهريا كبدل للإيجار أو منزل لحضانة الأولاد. بعض المواد تعرض الزوج المتعسف لعقوبات وقد وقفت بعض المواد الجديدة والمعدلة من قانون الأسرة 2005 إلى صف المطلقات، بحيث تنص بعضها ومنها المادة 53 التي تجيز للزوجة طلب الطلاق في بعض الحالات منها صدور حكم بعدم الإنفاق عليها والغيبة غير المبررة لمدة سنة كاملة بدون عذر ونقفة أو ارتكاب فاحشة ما، كما تنص نفس المادة مكرر التي تجيز للقاضي في حال الحكم بالتطليق للزوجة بأن يطلب لها بالتعويض عن الضرر اللاحق بها جراء تعسف الزوج في منحها الطلاق وحكم لها بالتطليق بدل الطلاق .. ... وأغلب الأحكام الصادرة نفذت لصالح المطلقات كما صرح لنا نفس المصدر باعتباره رئيسا للغرفة الوطنية للمحضرين بأن أغلب الأحكام الصادرة على المستوى الوطني نفذت لصالح المطلقات الجزائريات عموما وخاصة المطلقة الورڤلية على وجه الخصوص والتي لم تنفذ فهي في طريقها للتنفيذ لا محالة.