تحرص بعض الزوجات على ضمان حقوقهن من أزواجهن بعد انتهاء علاقتهن الزوجية، إلاّ أن كثيرات يضطررن للتخلي عن حقهن في النفقة والمسكن في سبيل الحصول على حريتهن وإنهاء العلاقة الزوجية بأقل الخسائر، لتبقى كثير من المطلقات تواجهن مصيرا مجهولا رغم أن العدالة تكفل لهن حقوقهن في حال وجود متابعات قضائية ضد الزوج. تضطر بعض الزوجات للتخلي عن جميع حقوقهن مقابل الحصول على حريتهن، بعد أن واجهن مشاكل جمة من قبل أزواج لا يمتلكون أي ضمير تجاه أقرب الناس إليهم ولا يضعون أي اعتبار للرباط المقدس، فتحولت الحياة الزوجية للكثيرين إلى جحيم لا يوصف مما اضطر بنساء لتحمّل مسؤولية أطفالهن بمفردهن والتنازل عن حقوقهن المادية، لا لشيء سوى للحصول على حريتهن، وهذا ما مرت به بعض المطلقات ممن لم يتمكن من الحصول على الطلاق إلا بعد التخلي عن حقهن في السكن أو حضانة الأطفال بعد أن خيروا بين الأمرين، هو واقع تعيشه بعض النساء داخل مجتمعنا، حياة ملؤها المعاناة بعدما وجدن أنفسهن قد فقدن جميع ما يملكن. وهذا ما لمسناه من خلال حكايات روتها مطلقات واجهن ظروفا صعبة بعدأن تخلين عن حقوقهن رغما عنهن. مليكة كانت أولى المتحدثات تقول إنها عانت كثيرا بعد أن تغيّرت معاملة زوجها لها مباشرة بعد الزواج به، وحسب قولها فإن الأدوار قد تبدلت بعدما وأصبحت هي من تتحمّل مصاريف بيتها وتدفع إيجاره، وقد يرفض الزوج الكريم حتى الإنفاق عليها بالرغم من أنه يعمل، وتضيف أنها قررت الطلاق منه إلا أنه رفض الأمر إلا بتحقيق الشرط الذي فرضه عليها، وهو التنازل عن حقها في المنزل الذي تعبت من أجل شرائه، وبعد أن عاشت معه حياة مأساوية اضطرت إلى التنازل عن ملكية بيتها لصالحه مقابل حصولها على الطلاق. سامية هي ضحية أخرى لزوج لا يملك أي رحمة ولم يعترف حتى بالجميل حسب ما أكدته لنا، وتبدأ حكايتها بعدما تزوجت من شخص فرضته عليها عائلتها رغما عنها واعتقدت أنه سيحميها ويسترها، إلا أنها بعد الزواج به اضطرت للعمل بعد أن توقف هو عنه، وقد تحملت مسؤولية الإنفاق على بيتها وأطفالها، وبعد أن عانت كثيرا في حياتها الزوجية طلبت الطلاق ولكنه رفض طلبها وقيد حريتها، طالبا منها توفير مبلغ مالي كبير له ليوافق على طلبها، وحسب قولها فإنها اضطرت إلى بيع جميع مجوهراتها لتحصل على حريتها من زوجها. حالة أخرى لا تختلف كثيرا عن سابقتها إلا أنها قد دفعت الثمن غاليا هذه المرة، بعدما كان شرط طلاقها فقدانها لابنتها الوحيدة، وحسب قول المعنية فإنها اضطرت إلى التخلي عن حضانة فلذة كبدها لزوجها مقابل تطليقها، وتضيف أنها عاشت حياة زوجية لا يستطيع أحد تحمّلها بعد أن اكتشفت أنه ينفق جميع أمواله على السهر في الملاهي الليلية، إضافة إلى أنه يسيئ معاملتها ويضربها، وبعد أن طلبت الطلاق جاء شرطه القاسي في التنازل عن حضانة ابنتها له، ولكنها أكدت والحزن يتملّكها أنها لم تملك أي خيار سوى قبول الشرط. مطلقات يتخذن من البيوت القصديرية ملجأهنّ الوحيد لا تملك كثير من المطلقات بيوتا تأويهن بعد إنهاء علاقتهن الزوجية بسبب تنازلهن عن حقوقهم المادية أو أن أزواجهن قد تعسفوا في توفير حق السكن والنفقة، ليجدن أنفسهن يتحمّلن مسؤولية تفوق طاقتهن، ليبقى هدفهن واحدا وهو حماية أبنائهن من التشرد، وهذا ما نلمسه عند بعض جلسات المحاكمة التي تعرف ارتفاعا متزايدا لقضايا الإهمال العائلي وعدم تسديد النفقة أو أجرة كراء المنزل. هدّد زوجته بالقتل في حال مقاضاتها له "السلام" قامت بزيارة لأحد الأحياء القصديرية ببراقي بعد أو وصلتنا أخبار تفيد أن أغلب قاطنات الحي من شريحة المطلقات، طرقنا أحد الأبواب لتقابلنا شابة في مقتبل العمر تعيش رفقة ثلاثة أطفال داخل هذا البيت الذي يفتقد لأدنى ظروف العيش الكريم. حيث أردنا معرفة سبب تواجدها في هذا الوضع لتبوح لنا عن المشاكل التي واجهتها رفقة زوجها والدموع تغمر عيونها، وهي تتذكر حكايتها المأساوية بعدما عملت لسنوات عديدة لتضمن توفير لقمة عيش أطفالها خاصة وأن زوجها بدون عمل، وما زاد من معاناتها أنها اكتشفت أن زوجها يسرق راتبها لينفقه على صديقته ما جعلها تطلب الطلاق منه، ولكنه قام بطردها وأولادها إلى الشارع دون رحمة مستغلا امتلاك عائلته لهذا البيت. وتضيف أنه قد طلب منها التنازل عن نفقة أبنائها ليقبل تطليقها وبأن لا ترفع قضية نفقة أمام المحكمة وإلا فإنه سيقتلها، وهو ما دفع بها إلى بناء بيت قصديري يأويها وأطفالها خاصة بعدما رفضت زوجة أبيها استقبالها في منزل والدها المتوفي، أما عن حياتها اليومية في ذلك الحي فتقول إنها تعيش حالة رعب وهي تعيش لوحدها دون حماية ومخاوفها من التعرض للإعتداء من مدمني المخدرات الذين يقطنون بالبيوت القصديرية المقابلة لها. انتقلنا إلى بيت آخر أين التقينا بسهام التي وجدناها تحمل بيدها طفلا رضيعا، وقد لمسنا من ملامح وجهها الحزين أنها تكتم بداخلها معاناة شديدة، وحسب قولها فإن ظروفها الصعبة قد اضطرتها لبناء هذا البيت القصديري بعدما تنازلت عن جميع أموالها لزوجها الذي فرض إعطاءه مبلغا كبيرا من المال كشرط لقبوله تطليقها، وتضيف أنه ما زاد من معاناتها أن عائلتها قد رفضت استقبالها، لاعتبارها أن طلاقها بمثابة فضيحة أمام الجيران. عادات وتقاليد ترسّخ معاناة المطلقة في مجتمعنا تتمسك بعض العائلات بعادات اجتماعية سلبية تمنع المرأة المطلقة من العودة إلى بيت أهلها في حال طلاقها من زوجها الذي يحرمها هو الآخر من حقها في البقاء بمنزلها، فتجد نفسها تواجه مصيرا مجهولا بعد تحملها مسؤولية أطفالها بمفردها. هذا ما قد أكدته نبيلة صابونجي المختصة في علم النفس الإجتماعي، حيث تقول "يستغل بعض الأزواج مسألة الطلاق كوسيلة لمساومة بعض الزوجات اللواتي يفضلن الحصول على حريتهن، خاصة بعد مواجهتهن لمشاكل داخل حياتهم الزوجية ولو كان الثمن هو التنازل عن أملاكهن أو تحمل مسؤولية أطفالهن بمفردهن، ما جعل الكثيرات يعشن مشاكل اجتماعية وحتى نفسية نتيجة فقدانهن جميع حقوقهن، من بينها المسكن خاصة مع انتشار ظاهرة غريبة داخل العلاقات الزوجية". ويفرض بعض الأزواج شروطا على زوجاتهم يقيدون بها حريتهنّ إلى أن تستطيع تقديم مقابل مادي له فيكون الثمن حضانة الأطفال، وهذا ما يجعلها تشعر أن حقوقها منتهكة وينتابها شعور بالظلم والاحتقار وفقدان للأمل في الحياة، خاصة أن بعض العائلات تتمسك بعادات وتقاليد اجتماعية سلبية فينظرون إلى المرأة المطلقة وكأنها جلبت لهم الفضيحة ويرفضون حمايتها أو استقبالها ببيوتهم، ما يجعلها لا تجد أحد يقف بجانبها وتشعر وكأنها شخص غير مرغوب فيه داخل المجتمع، ليزيد إحساسها بفقدان الأمل واليأس وتصاب بالقلق والتوتر، خاصة إذا تحملت مسؤولية الإنفاق على أطفالها بمفردها، كما تصاب بضغوطات نفسية واضطرابات في حياتها. ما تقدّم يدفع بعض المطلقات لاتخاذ البيوت القصديرية كملجأ لهن بعد رفض عائلاتهن لهن، ولهذا دعت نبيلة صابونجي إلى ضرورة تغيير نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، وإزالة الأفكار السلبية التي تركتها بعض العادات عند أسر المطلقات.