النفقة هي عنوان آخر لمأساة تعيشها المرأة المطلقة بالجزائر أمام أروقة المحاكم، معاناة ترسمها نساء مطلقات يلهثن مرارا وتكرارا للحصول على حق مشروع وهو النفقة التي تهدد أكثر من 3000 زوج مطلق بالسجن في حال التهرب وجعلتهم تحت رحمة أحكام تشتد بحجم ديون النفقة في وقت قد لا يدرك المجتمع شيئا من كفاح المرأة المطلقة في سبيل الحصول على النفقة التي تتراوح بين 3000 و5000 دينار جزائري للطفل شهريا. وفي هذا الملف حاولنا تسليط الضوء على معاناة مطلقات في رحلة البحث عن حصانة قانونية لتحصيل حقوق أطفالهن تدخلهن في دوامة أمام الجهات القضائية، وبين متمسك بها ومنتقم، وبين متخلٍ عنها مقابل التسريح. وبين أزواج تجيد التلاعب بالقانون يبقى ملف النفقة مفتوحا دون متابعات بالسجن تباينت الآراء واختلفت في وقت اتفق فيه القانونيون على أن إنشاء صندوق للأسرة هو الحل الوحيد لضمان تأمين منحة النفقة للمرأة المطلقة وضمان حقوقها. حكايات النساء المطلقات مع النفقة متباينة حسب حالات الطلاق وظروفه تقول (ن.ر) شابة في 25 من عمرها تزوجت منذ 5 سنوات وطلقت منذ عامين، إنها تمكنت بعد رحلة شقاء طويلة أمام المحاكم من الحصول على حكم الطلاق الذي يقضي بحق النفقة لطفليها غير أنها لم تتمكن من الحصول عليه إلا بعد مدة طويلة من صدور الحكم بالنظر لمشاكل التي واجهتها في بداية الأمر مع تهرب طليقها من دفع مستحقات بلغت 16 مليون سنتيم التي سددها بعد تلقيه البلاغ عن طريق المحضر القضائي، ليتهرب بعدها ويمتنع عن تسديدها بانتظام كما يوجبه القانون، ومنذ ذلك الحين لم تتلق أي مبالغ مالية لحد الساعة الأمر الذي جعلها ترفض في آخر مرة منحه حق الزيارة طالما أنه لا يدفع حق النفقة خاصة أن طفلها الصغير يعاني من مرض السل ويحتاج إلى مصاريف علاج لا يأبه لها الوالد. تضيف أن المطلقة تتخبط في دوامة ومرارة قد تنطلق من العائلة في كثير من الأحيان التي ترفض فكرة الطلاق وحتى وجود الأبناء وبالتالي فإنها لا تتحرك حتى لمساعدتها في الحصول على حقها الذي يحتاج إلى كثير من الجهد وتنحصر فيه المطلقات بين أسوار المحاكم بحثا عن حقها الشرعي الذي يظل مرتبطا بالرجل. وأضافت أن هناك أعدادا كبيرة من الأزواج الذين يماطلون في تنفيذ الأحكام بعد الطلاق، مما يقع العبء على المرأة التي تتحمل مسؤولية نفقة الأبناء بصعوبة كبيرة تجبرها في كثير من الأحيان على تحدي أهلها والتمرد على بعض الأعراف على غرار البحث عن أي عمل شريف تضمن من خلاله لقمة عيش لأبنائها نظرا لتعطل حقوقهم بل حتى التسول، الذي أكدت إحدى المطلقات التي التقيناها بمحكمة الحراش أنها لجأت إليه بعد أن رفضت عائلتها تحمل مصاريف أبنائها وطالبوها بالتخلي عن حقها في الحضانة. كما أن إجراءات تطليقها طالت لأنها لم تجد حتى أتعاب المحامي رغم أنه جرى فك الرابطة الزوجية منذ 3 سنوات وأكدت أنها خرجت لتتسول من أجل تأمين حاجيات أطفالها الثلاثة الذين ومنذ طلاقها لم يتحصلوا على أي مبلغ من طليقها الذي يرفض ذلك. وتستمر معاناتها طالما أن العدالة لم تفصل في ملفها بعد بالنظر لتغيب الزوج كل مرة وتهربه من المثول أمام المحكمة معتبرة أن هذه الالتزامات الخاصة بالزوج تعتبر عاجلة التنفيذ ولا تقبل المماطلة، غير أن الواقع يؤكد عكس ذلك حيث أصبح آلاف الأطفال والنساء «المعلقات» ضحية سوء إدارة قسم التبليغ في المحاكم الشرعية وتحول التنفيذ القضائي إلى مقبرة للقضايا. أزواج يدفعون ضريبة الطلاق ومهددون بالسجن في أي لحظة يجد الزوج في كثير من الأحيان نفسه مهددا بالسجن من طرف الزوجة الأولى بسبب مخلفات النفقة. وبين مد وجزر يحتدم الصراع بين الزوجين بعد الطلاق ليدخلا معركة تصفية الحسابات ويحاول في غالب الأحيان كل منهما أن ينتقم من الآخر بعد فك الرابطة بحكم أنه يحمله النتائج، فتشتد حمى الزوجات أمام المحاكم للمطالبة بالنفقة، فيما يحسب الزوج المطلق لهذا العبء ألف حساب إذ أنه يكون عائقا بينه وبين المضي في حياة جديدة بحكم المصاريف التي من المفترض أن يدفعها شهريا لطليقته للتكفل بأولاده، وإن كان أغلب المطلقين لا يحسبون حسابا للنفقة قبل فك الرابطة الزوجية، وهو ما يجعلهم في مواجهة عراقيل كبيرة ويجبرون في كثير من الأحيان على اختيارين أحلاهما مر: الحبس وأعباء النفقة أو العودة إلى زوجاتهن وهي من أكثر القضايا التي أكدها رجال القانون من خلال تجربتهم في الميدان ومن خلال. هذا الاستطلاع وقفنا على حالات كثيرة كانت فيها مخلفات النفقة سببا في دخول الأزواج الحبس، وهي التجربة التي عاشها سعيد الذي أكد لنا بمحكمة الحراش أنه دخل السجن ثلاث مرات بسبب النفقة التي ترتب على تهربه من دفعها دين فاق 15 مليون سنتيم وتمكن من الخروج فور تسديده لها جزئيا، كما قص علينا تجربة أخرى عاشها هو الآخر مع أحد معارفه الذي أكد أنه دخل السجن ليلة زفافه، حيث تعمدت طليقته متابعته واقتياده إلى السجن بسبب تهربه من دفعه النفقة خاصة بعد أن علمت أنه عاود بناء حياة جديدة وهو ما أثار غيضها وجعلها تنتقم منه بزجه في السجن ليلة زفافه. وقد أكد سعيد أن مستحقات النفقة جعلت عددا من الأزواج مهددين بالسجن في أية لحظة وهو ما جعله ينصح بعدم التلاعب بالنفقة لأنها مثل الثوابت التي يعاقب عليها القانون، فلا خيار للزوج أمام النفقة سوى التسديد أو السجن. وآخرون يعودون إلى طليقاتهم بعد سنوات لعجزهم عن تسديد النفقة كانت لنا وقفة مع وجه آخر لما يحدث في أروقة المحاكم بسبب النفقة حيث شهدت الكثير من حالات الطلاق رجوعا بعد سنوات طويلة من الطلاق تفاقمت فيها مستحقات النفقة وبلغت الملايين وهو الهاجس الذي يؤرق الأزواج الذين قد يجدون فيما بعد الطلاق مرحلة أصعب بكثير وأعقد من الزواج في حد ذاته. وطالما أن الأحكام بالسجن تهدد الكثير منهم خاصة بعد صدور 3 أحكام نهايئة بحق النفقة وإصرار الزوجة على متابعة طليقها فإن الأزواج وتملصا من الدفع وهروبا من عقوبة السجن يلجأون إلى العودة إلى زوجاتهن مقابل التنازل عن حقوق النفقة وهو ما حدث مع إحدى السيدات التي نظرت في قضيتها محكمة سيدي امحمد مؤخرا التي تسببت في دخول زوجها السجن بعد تهربه من دفع النفقة مدة 7 سنوات جعلته مدانا ب57 مليون سنتيم، وعند مثوله للمحاكمة طالب دفاعه بتأجيل القضية لتثبت الوقائع بعد ذلك عودة المطلقين إلى بعضهما البعض بعد انفصال دام 7 سنوات، وهي الحادثة التي أكدها أحد المحامين بمحكمة الحراش الذي عادت فيه إحدى المطلقات إلى زوجها بعد مضي 5 سنوات على طلاقها وكان على عاتق طليقها مبلغ 25 مليون سنتيم دين النفقة. وفي أول جلسة محاكمة التقت فيها الزوجة المطلقة طليقها تم الاتفاق على إمكانية العودة للحياة الزوجية بطلب من الزوج الذي وجد نفسه في مأزق النفقة وتمكن من إقناعها وفعلا تم الأمر حسب المحامي الذي تكفل بالقضية وهذا بعد سقوط الأحكام القاضية بالنفقة. كما صرح مصطفى 50 سنة سائق طاكسي بأنه اقترح على طليقته العودة للحياة الزوجية عقب مطالبتها له بالنفقة وبعد 8 سنوات دخلت زوجته معه في مشاكل عائلية بعد أن كثرت حوله شكوك فطلقها في حالة غضب وذهبت هي لتعيش مع أهلها وأخذت معها أولادها الثلاثة، ولم عجز عن دفع النفقة مرة واحدة لكونه تزوج من امرأة أخرى بطالة وأنجبت له 3 أولاد هي الأخرى، ولما هددته زوجته الأولى بالسجن اقترح عليها العودة إلى البيت أو استئجار سكن آخر، لكنها اشترطت تطليق الزوجة الثانية فتم لها ذلك، وهي تعيش معه اليوم في مسكن لائق بينما الزوجة الثانية تعيش مع أهلها وتنتظر منه النفقة ولو بغير انتظام. وللكراء أزمة أخرى.. ومطلقات يعتبرنه قانونا نظريا فحسب الكراء للمطلقات... إنه مشكل عويص حقا، بسبب فئة من الرجال الذين يتحايلون على القانون، منهم من يمتثل لحكم المحكمة القاضي بتوفير مسكن يؤوي الطليقة وأطفاله، ويقوم فعلا بتأجير مسكن لهم لفترة محددة بعام على سبيل المثال، لكن بعد إنقضاء المدة تجد المرأة نفسها مهددة بالطرد من المنزل من قبل المؤجر إن لم تجدد العقد والدفع، وبالتالي هي مطالبة بالبحث عن بيت يؤويها رفقة أطفالها، وأحيانا لا يعثر على أثر للطليق الذي قد يغادر إلى وجهة غير معلومة، وإلى حين العثور عليه ومثوله أمام المحكمة من جديد، قد تمر أشهر أو سنة قد تقضيها المرأة المطلقة رفقة أطفالها في التنقل من بيت أهلها وأقاربها أو أي بيت يحتمل أن يفتح لها إذا ما دقت بابه، وما أكثر الأبواب التي لا تفتح. وأكد العديد من المطلقات اللائي التقتهن «البلاد» أن توفير المسكن ظل قانونا نظريا لم يتجسد على أرض الواقع حيث ذكرت الشابة (ن.ر) أن المحكمة قضت بضرورة توفير مسكن لها ولطفليها اللذين لا تتعدى الكبرى فيهما 3 سنوات غير أن زوجها احتال عليها بمحاولة إسكانها في منزل تعود ملكيته لوالده وهو الأمر الذي رفضته بعد استشارة محاميها، غير أنها لحد الساعة لم تتمكن من تنفيذ الحكم القاضي بضرورة توفير المسكن خاصة أن الأمر يتطلب مصاريف أخرى ووقتا لكنها عازمة على الكفاح من أجل الحصول على مسكن رغم يقينها أن المسيرة شاقة وطويلة بحكم العراقيل التي تواجهها خاصة أمام المحاكم في تنفيذ القرارات، مع العلم أنها لم تتلق حق النفقة منذ أربعة أشهر. وذكرت إحدى السيدات التي استفادت من مسكن لكنها عبرت عن استيائها من الحالة التي تعيشها وجعلتها تقيم مع طليقها بنفس المسكن الكائن بحي الشراعبة وذلك بعد أن تم الفصل من خلال محضر قضائي بين شقتها وشقة طليقها من خلال جدار فاصل، وقالت إنها لا تشعر بأنه خرج من حياتها واعتبرت أن القانون لم ينصفها وجعلتها مضطرة لرؤية طليقها رغم أن ذلك يؤذي مشاعرها بحكم ما عانته من حقرة على يديه تسبب لها في انهيار عصبي. رجال القانون يؤكدون على ثغرات قانونية في النفقة ويقترحون صندوقا خاصا من جهة أخرة يرى رجال القانون على ضوء التعديلات الجديدة التي أدخلت على قانون الأسرة، أن هناك ثغرات قانونية صعبت من حصول المرأة المطلقة على حقوق النفقة بصفة منظمة وقانونية وهو ما سمح للعديد من الرجال التلاعب بهذه الثغرات على حساب حقوقها هي وأطفالها، فيما ساهم حسبهم استحداث منصب قاضٍ مختص في قضايا الأسرة كواحدة من نتائج مراجعة المنظومة التشريعية في حل الكثير من المشاكل العالقة التي تعرفها قضايا الطلاق. فعدد كبير من أهل الاختصاص وعلى رأسهم رجال القانون كانوا قد تحدثوا عن تعثر تطبيق التعديلات على أرض الواقع، كما أن عدد من القضاة المعنيين عبروا في أكثر من مناسبة على الصعوبات التي تصادفهم في تطبيق التعديلات المدخلة منذ سنتين على قانون الأسرة الجزائري. وبعد أن كان الطلاق يستغرق وقتا طويلا قد يكلف المرأة في بعض الحالات أموالا قد تستدينها للإنفاق على أطفالها إلى حين صدور حكم لصالحها في مسائل الطلاق، وما يتبعها من أمور الحضانة والنفقة وبيت يحضن المطلقة وإبنائها، فإنه هذه التععديلات من شأنها أن يختزل عمر معاناة المطلقات. ورغم هذا فقد أجمع المحامون الذين كانت لهم استشارة في الموضوع أن قضية نفقة المرأة تبقى من أهم المشاكل التي تواجه المطلقة بعد صدور حكم الطلاق. حيث إن التطبيق الفعلي للتعديلات ليس بالأمر السهل على ما يبدو، بل إن الأمر أصعب من مجرد النطق بالحكم في المحكمة، وأجمعوا على أن الحل هو وضع صندوق خاص بالنفقة بعد الطلاق، يلعب دور الوسيط بين الطرفين المنفصلين، بشكل يصبح المطلق مجبرا على الدفع للصندوق الذي يمثل الحكومة ولا يتعامل تماما مع طليقته التي تصبح غير مجبرة على انتظاره ليدفع لها النفقة، وبالتالي تخرج من سيطرته ولا تعود تحت رحمته، هنا لن يفكر المطلق في التملص من دفع النفقة لأن التعامل مع صندوق يمثل الحكومة ليس مثل التعامل مع امرأة مغلوب على أمرها تحمل لقب مطلقة. كما أكد رجال القانون أن النفقة التي أقرها قانون الأسرة للمطلقة وأطفالها بالجزائر لا تتناسب تماما مع المعطيات الاقتصادية بالبلاد فهي مبلغ ضئيل يضاف إليه مبلغ كراء المنزل ويقدر تقريبا ب4000 دينار جزائري، لكن مع ما تشهده الأسعار بالبلاد من ارتفاع يوما بعد يوم. كما أن القانون يلزم المطلق بدفع النفقة دون مراعاة مصاريف أخرى كثيرة قد تجبر المرأة على دفعها. واعتبروا أن القانون رغم كل التعديلات المدخلة لا يخدم المرأة كثيرا، وأضافوا في حديثهم أنه بالنظر لارتفاع حالات الطلاق المسجلة في الجزائر والتي تسير في الخط الأحمر فإن آلاف الأزواج مهددون بالحبس بسب النفقة، ورغم عدم وجود إحصائات دقيقة حول هذا لأنه في كثير من الأحيان يخرج المطلق من الحبس فور تسديده النفقة إلا أن ما يفوق 10 آلاف زوج وجدوا أنفسهم مهددين بالسجن والواقع أن المتهربين من دفعها يفوق بكثير.