يثير اتساع ظاهرة الانتحار عند الأطفال في الجزائر، قلقا مضاعفا سيما بعد تسجيل 2191 حادث انتحار خلال العام الأخير، حيث أقدم براعم بريئة وبدون سابق إنذار على وضع حد لحياتهم لتدفن أسباب انتحارهم معهم، ولعل المعطى المقدم لأكبر دليل على تفاقم هذه الظاهرة بعدما كانت حكرا على الشباب أو كبار السن. انتشرت مؤخرا ظاهرة الإنتحار في أوساط أطفال في عمر الزهور لم يستمتعوا بحياتهم، وبالرغم من صغر سنهم إلا أنهم اختاروا وضع حد لحياتهم لإنهاء عذابهم ومعاناتهم في الحياة، فبعضهم كانت سذاجتهم سببا في وفاتهم بعد تقليدهم لشخصيات كرتونية أوأفلام عنيفة، أما البعض الآخر فقد مروا بمآس أفقدتهم الأمل في الحياة فاتخذوا من الإنتحار وسيلة تخلصّهم من المعاناة التي سببتها لهم تلك المشاكل، التي تراكمت عليهم وزرعت اليأس في نفوسهم وحفرت لهم قبورا صغيرة. لقد كان الإنتحار ظاهرة اجتماعية شائعة عند فئات عمرية كبيرة لتنتقل العدوى إلى الأطفال، وهذا ما جعل المختصين يدقون ناقوس الخطر للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي بدأت تطفو على السطح في السنوات الأخيرة وزرعت الخوف عند العائلات، خاصة ممن سبق لهم وأن فقدوا أحد أطفالهم في لمح البصر وشاهدوا صورا مرعبة حفرت بذاكرتهم، بعدما أن وجدوا أطفالهم جثثا هامدة لترفع أرواحهم إلى الجنة تاركين وراءهم فراغا رهيبا، ولكنه خلف أيضا أسئلة كثيرة حول سبب إقدامهم على وضع حد لحياتهم وهم الذين لا يعون من الحياة شيئا. شخصيات تركية وأفلام الأكشن تقود أطفال إلى الموت فقدت عائلات أطفالها بعد أن وضعوا حدا لحياتهم بطرق متعددة من أهمها تقمّصهم لأدوار شخصيات الأفلام وتقليدهم لأفعال أبطالها، وهو ما يدفعنا للوقوف عند هذه الأسباب التي دفعت بتلك الوجوه البريئة التي استخدمت طرقا تراجيدية لإنهاء حياتها. أول من تحدثنا إليه كريمة القاطنة بولاية تيزي وزو، وهي والدة الطفل فادي البالغ من العمر 13 سنة، والذي قرّر إنهاء حياته بالإنتحار داخل غرفته،في البداية رفضت التحدث إلينا ولكنها عادت ووافقت رغم إصرارها على عدم تذكر ذلك المشهد المأساوي الذي شاهدته بعد دخولها إلى غرفة فلذة كبدها، لتجده جثة هامدة على الأرض ومنذ تلك اللحظة لم تستطع محو تلك الصورة من ذاكرتها حسب قولها. وعلّلت الأم الرؤوم انتحار طفلها بكونه ظلّ مدمنا على مشاهدة أفلام الأكشن العنيفة، وقد قام بتقليد أحد أبطال بعدما استعمل سلاح والده الذي تركه في البيت، في الوقت الذي كان الطفل متواجدا فيه لوحده ليضعه في رأسه ويضغط بغرض اللعب وتقليد أحد شخصيات بطل أحد أفلام الأكشن الذي كان مهووسا بمشاهدتها. سليم هو الآخر طفل لا يتجاوز عمره 10 سنوات شاء القدر أن يغادر أسرته بعدما تقمص شخصية أحد المسلسلات التركية، إذ قلّد دور أحد أبطال مسلسل وادي الذئاب ليكون حبه الشديد لذلك المسلسل سببا في وفاته، وهو ما أكده لنا والده الذي أضاف لنا أنه لم يتوقع يوما أن يفارق ابنه الحياة بسبب تقليده لأحد أبطال ذلك المسلسل. وحسب الوالد المفجوع فإنّ ابنه الراحل كان شديد المتابعة لذلك المسلسل ولا تفوته أيّ حلقة منه، وقد صدم بعد أن شاهد فلذة كبده معلقا بين السماء والأرض، بعد أن ربط عنقه بحبل على طريقة أبطال ذلك المسلسل، حاولنا التحدث مع والدة سليم ولكنها رفضت فوقع الصدمة لا يزال قويا عليها ومؤثرا على حالتها النفسيةو بل وتفقد صوابها كلما تذكرت تلك الحادثة المؤلمة. أفلام كرتونية تدفع بالأطفال إلى الإنتحار لا يستطيع أي طفل الإستغناء عن مشاهدة أفلام الكرتون التي تبثها قنوات كثيرة، لكن ما تم ملاحظته في السنوات الأخيرة أنّ بعضها كان سببا في انتحار أطفال يتصرفون بسذاجة ولا يفرقون بين الخطأ والصواب، ويقلدون جميع ما يشاهدونه حتى وإن كان ما يعرض يشكل خطرا على حياتهم، خاصة أن معظم الرسوم المتحركة التي تعرضها بعض القنوات تحتوي على مشاهد عدوانية وخيالية بعيدة عن المعنى الحقيقي لتطلعات تلك الوجوه البريئة. قصة مأساوية لانتحار طفلة وأمها قصدنا إحدى الأسر التي كانت طفلتهم ضحية لشبح الإنتحار، والمؤلم أكثر لما نسمع أن والدة الضحية انتحرت هي الأخرى لتلحق بابنتها، فهي لم تتقبل فقدان وحيدتها، وهو ما أخبرنا به والد دليلة بعدما قرر البوح عن معاناته المكبوتة بداخله وحزنه الشديد على فقدان زوجته وابنته ليتلقى صدمتين دفعة واحدة، حيث أكد لنا أنّ ابنته الوحيدة التي لا يتجاوز سنها ثماني سنوات كانت تتابع بشكل يومي الرسوم المتحركة المفضلة لديها "البوكيمون"، وقد كانت تقلّد جميع تصرفات الشخصيات الموجودة بهذا الكرتون. ويضيف محدثنا أنه لم يتوقع يوما أنها ستقلد أحد المشاهد الخيالية الموجودة بهذا الكرتون، والتي كانت سببا في وفاتها بعدما قامت بإلقاء نفسها من نافذة غرفتها بالطابق العلوي من المنزل. كما أنه فقد زوجته مباشرة بعد حادثة ابنته، بعدما عانت من انهيار عصبي ولم تتقبل فقدانها لطفلتها التي كانت متعلقة بها بشكل كبير، وقد قررت أن تضع نهاية لحياتها بتناول جرعة كبيرة من الأدوية كانت سببا في موتها. أسر تتسبب في انتحار أطفالها بمعاملتها السيئة تستخدم بعض الأسر أساليب خاطئة في تربية أطفالها تكون أغلبها مبنية على القسوة والإهانة، وهو ما قد يدفع بعض الأطفال إلى وضع نهاية لحياتهم بأي طريقة يهتدون إليها، حيث يعتقد الطفل المعاقب أنه غير مرغوب فيه داخل عائلته. وهو ما اعترفت لنا به إحدى الأمهات التي رسمت على وجهها ملامح الحزن منذ فقدانها لطفلتها التي لا يتجاوز 11 سنة، وأكدت لنا أن معاملة والدها السيئة معها كانت سببا في انتحارها، بعدما قام بتهديدها بالعقاب في حال ما إذا رسبت في امتحان التعليم الابتدائي، وهو ما جعلها تتناول كمية كبيرة من الدواء خوفا من إخفاقها في الإمتحان لتفارق الحياة بسبب انخفاض ضغطها الدموي. منيرة هي الأخرى طفلة في عمر الزهور كانت قسوة والدها الشديدة عليها سببا في انتحارها، وقد أكدت لنا والدتها أنها قطعت شرايينها بسكين بسبب معاملة والدها السيئة لها وتمييزها عن بقية إخوتها. وأضافت والدة الضحية أنّ الأب كان يحرمها حتى من حقوقها الطبيعية ويمنعها من الخروج إلى الشارع لتلعب مع صديقاتها وتمادى ليوقفها عن الدراسة، وهو ما جعلها تعيش حالة نفسية سيئة فقررت التخلص من عذابها بالموت. التحرش الجنسي دافع آخر لإقدام الأطفال على الانتحار تكون تصرفات بعض الأشخاص غير الأخلاقية سببا في انتحار بعض الأطفال الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وقعوا فريسة للتحرش الجنسي، وهذا ما أخبرتنا به والدة سلمى وهي طفلة في عمر الزهور لا يتجاوز سنها 12 سنة، وقعت ضحية لتحرش جنسي من قبل أحد جيرانها، وهو ما دفع بها إلى الانتحار خوفا من تأنيب والدها لها وانتشار الفضيحة بين أفراد عائلتها، لذا قررت الإنتحار حرقا بعدما أضرمت النار في جسدها مستغلة غياب والدتها عن البيت.