يلقّب بوحش الشاشة، نظرا لتألقه في تقمص الأدوار القاسية التي يجيد الانغماس في تفاصيلها وملامحها إلى أقصى الحدود، فيصدّق المشاهد أداءه ويعتقد أنه لا يمثل بل يتصرف على سجيته، غير أنه يُكذّب كل يقين بمجرد أدائه لدور الإنسان الطيب والوالد الحنون.. فيكسب تعاطف من حكم عليه قبل معرفته الحقّة، ويتطور الشعور ليصبح حبا غامرا تغذيه إجادة الأدوار المعبرة عن واقع اجتماعي يعيشه الجزائري والتميز في تقديمها.. إنه العملاق محمد عجايمي، الكل المتكامل، الجامع بين الفنان المتميّز من حيث قدرته على أداء الأدوار القويّة، المتناسبة مع بنيته المورفولوجية، وصوته الجهوري، وحضوره القوي في المسرح والسينما، إضافة إلى تأديته للأغنية البدوية التي تنبئ عن أصوله البسكرية العريقة، وقرضه الشعر، وكتابته للمسرح، فهو عجايمي، صاحب سجل الأعمال الدرامية الناجحة الثرية، الذي احتوى مسلسلات على غرار “البذرة” و”اللاعب” و”عذراء الجبل”.. وكذا الأعمال السينمائية والمسرحية المميزة كأوبيريت “قال الشهيد” و”ملحمة الجزائر؛ والمسرحية الغنائية “حيزية” و”غنائية إفريقيا”. تكلمنا في عدد سابق عن تغيبك عن الساحة الفنية فهل نعتبر ذلك تقاعدا مبكرا؟ مشكلتي أنني لا أرضى بالرديء، وأحرص كل الحرص على الخوض في أعمال ذات قيمة تليق بمبادئي وتكون ذات نوعية أخلاقية تستحق الدخول إلى البيوت الجزائرية، لعل هذا ما تركني بعيدا عن الأضواء لفترة، إلا أنني أبشركم بعمل جديد لازال قيد الدراسة، حيث أننا بصدد التحضير لمشروع مسلسل تلفزيوني اجتماعي من ثلاثين حلقة سيحمل عنوان “نور الفجر” للمخرج عمار تريباش، الذي أقدره كثيرا وأحبذ التعامل معه، وأفضل ألا أعطي تفاصيل أكثر عن العمل الذي ينتظر الضوء الأخضر من قبل إدارة التلفزيون الجزائري، وما إن نحصل على الموافقة سنشرع في التصوير المرجح بعد شهر رمضان الكريم مباشرة. على ذكر شهر رمضان هل نعتبر عجايمي من متابعي برامج القناة الوطنية؟ في الواقع مشاهدتي محدودة فأنا أنوع بين متابعة البرامج التلفزيونية، وقراءة الكتب بحكم حبي الكبير للمطالعة التي تمكنني من زيادة رصيدي الثقافي، إضافة إلى إطلاعي على بعض السيناريوهات، غير أنني جد حريص على متابعة النشرات الإخبارية. ما رأيك في الإنتاج الفني خلال السنوات الأخيرة، وما هي النقائص التي سجلتموها عليه؟ دعيني ألفت انتباهك إلى امتلاكنا لعدد كبير من الفنانين من ذوي المستويات الراقية، الذين شرفوا الفن الجزائري في مناسبات ومحافل مختلفة وطنية وعربية وأجنبية، سواء تعلق الأمر خلالها بالأعمال التلفزيونية أو المسرحية أو السينمائية.. فنحن نملك أسماء من ذهب لو تعطى حق قدرها لأنجزت الأعظم، غير أن إنتاجنا يعاني من سلبيات كثيرة أبرزها، السياسة المعتمدة في إقحام أسماء دخيلة على المجال الفني والتمثيل بشكل خاص، لا لشيء سوى لسد الفراغ دون أدنى مراعاة للكفاءة والمهنية.. ولو استمرت هذه السياسة في التطبيق فلن نتمكن من حصد النجاح والاحترافية، لأن العمل الناجح يتطلب دراسة متمعنة ولن يتحقق بأسلوب الخبط العشواء. وما هو الحل من وجهة نظرك كفنان؟ في رأيي يجب تدارك الوضع والعمل على إعادة بعث أمجاد الجودة التي عرفت بها برامجنا سابقا، وذلك لن يتحقق إلا باختيار المواضيع الجيدة والمهمة لمعالجة مختلف القضايا والمساهمة في نشر الوعي مع مراعاة النوعية الأخلاقية، التي تتماشى مع عقلية المواطنين في مجتمعنا، لأننا في الأخير سندخل بيوت المشاهد من خلال الأعمال التي نقدمها، ما يفرض علينا احترامه والعمل على الابتعاد عن أي مستوى هابط يخل بالثقة والاحترام المتبادل، فأنا أتأسف لدى مشاهدتي لعرض إنتاجات دون المستوى، من خلال بعض الأعمال الكوميدية التي انحرفت عن مسارها وأصبحت تضحك لمجرد الإضحاك في حين يفترض بها أن تهدف للنقد البناء. وما السبيل إذن لرفع مستوى الإنتاج الوطني وتمكينه من منافسة الدراما العربية؟ أرى ضرورة انتهاج سياسة ثقافية ناجعة فهي الحل لرفع مستوى الإنتاج، في الماضي تمكنا من حصد أكبر الجوائز في أهم المحافل الدولية، نتيجة عرضنا أعمالا قيّمة اعتبرت مفخرة للفن الوطني، وأذكر منها على سبيل المثال مسلسل “زينة” الذي عرض في بداية السبعينيات، لتتوالى بعده الأعمال المميزة التي ما تزال خالدة إلى حد الساعة، كما هي الحال بالنسبة لثورة التحرير المجيدة التي لم تكن لتنجح لولا الوعي والتنظيم المحكم والإيمان بالهدف المنشود. ماذا يعني المسرح بالنسبة للفنان محمد عجايمي؟ أحب المسرح جدا، فقد أعطاني الكثير خاصة وأنني تعاملت في بداياتي مع عمالقته الذين أعتبرهم مدرستي، حيث كانت أولى خطواتي فيه على يد المخرج سعد بن ددوش، أما أول عمل مسرحي شاركت فيه فأخرجه محمد أوقاسي بداية سنوات السبعينيات، كما تعاملت مع المرحوم جمال فزّاز والمرحوم عز الدين مجوبي، إضافة إلى المخرج القدير عمار العسكري وبن قطاف في “الهجرة”، فالمسرح من وجهة نظري ينشر الوعي والثقافة مصداقا للمقولة الصينية الشهيرة “أعطني مسرحا أعطيك شعبا مثقفا”. وماذا عن المسرح الإذاعي؟ الفترة التي قضيتها في المسرح الإذاعي، تعد من أهم مراحل مسيرتي الفنية فهي تجربة رائعة بالنسبة لي استطعنا من خلالها كسب جمهور من النوع الثقيل، وأتأسف كثيرا أن الجيل الجديد لم يتعرض لهذاالنوع من البرامج الإذاعية الفريدة من نوعها التي كانت تحمل تبادلا ثقافيا باهرا، كما كانت تعد نافدة للإبداعات تفسح المجال للمواهب التي تعاني حاليا نوعا من التهميش، فبحكم تجربتي بمعهد الفنون الدرامية، اكتشفت مواهب شابة تعد بالكثير لو لقيت بعض الاهتمام، إلا أنها اندثرت دون أن يسمع أحد عنها للأسف. بعد هذه التجربة الغنية والطويلة.. هل تفكر في خوض غمار الإخراج؟ لكل منا اتجاه خاص يليق به، وأنا لا أؤيد فكرة الخوض في مجالات مختلفة، فلكل مهنة أهلها الأجدر بممارستها، “أتركوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، لذلك لا أفكر مطلقا في دخول ميدان الإخراج خاصة وأن العمل يتطلب تقنيات تكنولوجية متطورة وتكويناخاصا، فكلمة مخرج مشتقة من “مخ” أي “عقل مدبر” يعرف ما يريد، ومن شروط العمل الناجح أن يكون لدى المخرج فكر واسع، ورأي خاص واتجاه في الحياة السياسية والاقتصادية.. حتى يتمكن من إنتاج عمل راق، كما أن بعض الغرباء والدخلاء على ميدان الفن والإخراج بالتحديد، كانوا وراء تدهور مستوى الفن ووصوله إلى حافة الهاوية، ولهذا أفضل التعامل مع مخرجين في المستوى من أمثال عمار تريباش، محمد حازورلي، أحمد راشدي.. كما أحببت التعامل مع المرحوم جمال فزاز، وأحيطكم علما بأنني أعشق التمثيل حتى النخاع ولا أنوي العمل في مجال غيره، ولو كان بيدي لأمضيت حياتي على الخشبة. هل سبق لعجايمي الندم على دور أدّاه ولم يرض عنه كل الرضا؟ لم يسبق لي أن ندمت على أي دور قدمته لأنني أختار أدواري بعناية وعن قناعة، فما أعجبني منها قبلته وما لم يعجبني رفضته فورا، كما أنني أرفض رفضا باتا المواضيع التي تمس بتاريخنا وثقافتناوهويتنا وأصالتنا.. وعليه أجدني أحب كل الأعمال التي قدمتها، غير أن دوري في مسلسل “الوصية” كان أكثر ما أثر في، وهذا لا يمنع من أن أصحح من أدائي عند مشاهدتي للأعمال وأحاول تفادي بعض الثغرات التي لا يلحظها المشاهد ربما. هلا سميت لي عددا من الممثلين الذين تفضلهم لمشاركتك أعمالك؟ هنالك أسماء عديدة أجد معها راحتي في العمل، فأنا أفضل التعامل مع الأكفاء من أمثال فريدة صابونجي وشافية بوذراع، اللتين تعاملت معهما في المسرح الإذاعي والعديد من الأعمال الأخرى، إضافة إلى بهية راشدي، دليلة حليلو، نضال، حميد رماص، سيد أحمد أقومي.. ومن الوجوه الشابة أذكر مليكة بلباي، فيصل عجايمي، سمير عبدون وآخرون. هل أضاف عملك إلى جانب الممثلين والمخرجين المشارقة شيئا إلى خبرتك الفنية الطويلة؟ بالتأكيد، فالمعروف عن الإخوة السوريين نجاح إنتاجهم الفني المتميز بالجودة، وخاصة ما يتعلق بالدراما التلفزيونية، واحتكاكي بهم أفادني كثيرا، فعلى هامش الأعمال المشتركة بيننا وبينهم مثل “عذراء الجبل”، زرت سوريا عدة مرات وأنا معروف هناك باسم “أبو علاّم” نسبة ل«بوعلام” عندنا كما تعاملت مع مخرجين مصريين.