يحتل شهر رمضان مكانة عزيزة في نفوس سكان ولايات الجنوب على منوال سائر الجزائريين، فمن النعامة إلى بوسعادة وتمنراست وغيرها من بوادي البلاد، يحيي سكانها الشهر الفضيل بطقوس خاصة لم تتأثر برياح التغيير الوافدة من المدن، ما جعل رمضان يبقى كمناسبة دينية تجمع بين الفرقاء وتزكي النفوس وتدعم التآزر وتزيل الشحناء، فينشأ الصلح لفض نزاعات قد تحدث حول أمور الدنيا مثل مناطق الرعي أو نقاط إرواء قطيع الماشية. يوضح سكان البوادي الممتدة على طول الشريط الجنوبي، أنّ إعلان رؤية هلال رمضان هو انطلاقة لمظاهر احتفالية يجري معها تكثيف التضامن بصورة شاملة لأنواع البر والتكافل بين عموم سكان التجمعات السهبية الرعوية، خاصة وأنّ أهل البدو لطالما تضرروا في السنوات الأخيرة من الجفاف وتراجعت مداخيل قوتهم بعد تدهور مساحات الكلأ وغلاء العلف. ومع بداية شهر رمضان يبدأ أهل العشائر والقرى السهبية بالتلاقي على نحو واسع في ضيعاتهم وهم يتبادلون الأدعية والتبريكات ابتهاجا بمقدم رمضان، وطيلة شهر الصيام تملأ المصليات والمساجد بالمصلين من كافة الأعمار، حيث لا يفوت أهل البادية موعد صلاة التراويح حيث يتوجهون بعد الإفطار نحو التجمعات الحضرية القريبة منهم على متن شاحناتهم ومركباتهم ليلتحقوا بصفوف المصلين في مشاهد جليلة، مع الإشارة أنّ أهل البادية يلتقون يوميا قبل صلاة العصر لقراءة حزب من القرآن الكريم بشكل جماعي وفقا لأتباع المذهب المالكي، كما لا يفوّت البعض فرصة حضور الدروس الدينية التي تقام في المساجد.كما تحدث تغييرات على الحياة الرعوية للبدو، فمنذ اليوم الأول من شهر الصيام، يظهر التحول في مواقيت نشاط الموالين، إذ تصبح مهنة الرعي التي تتطلب الجهد والصبر، تؤدى في الساعات الأولى من النهار قبل التاسعة صباحا، خاصة إذا كان الجو حارا، ثم ينقل القطيع نحو نقاط تشريبه وبعدها تأتي فترة راحة في الزرائب تدوم إلى قبيل وقت الإفطار، وتزامنا مع ذلك تبدأ النسوة عملية حلب الماعز والنعاج والأبقار لتحضير أكلات طازجة وشهية في جو من الرواح والإياب. ويبدي البدو الرحل تشبثا أكبر بتقاليدهم وعاداتهم التي ترسخت منذ القدم، حيث يستقبلون شهر رمضان بإقامة كرنفالات روحية شعبية متوارثة، ويستعد أهل البادية لاستقبال شهر الصوم في وقت مبكر مع افتتاح شهر شعبان، إذ يبدأون بإعداد بعض الآكلات الشهيرة لديهم، بينها أنواع من “الرفيس” و«الجبن” و«الكليلة” و«اللبى” و«الزريزري” و«الدهان”، وغيرها من الأصناف التقليدية التي تشكل الألبان والحليب والتمور مادتها الأولية، وتعد الأكثر استهلاكا على موائد الإفطار داخل ما يُعرف ب«الخيم الحميانية” على وجه التحديد.من جهتهنّ، تتزين النساء بالحناء تعبيرا عن فرحتهن برمضان، كما يعبر الأطفال عن نفس الفرحة وهو يركضون فرحين، وتقوم ربات البيوت بطحن حبوب الشعير ومختلف أنواع التوابل التي يحتاجها طبق الحساء المحلي الذي يكون في الغالب طبق “الحريرة” إضافة إلى تحضير الفطائر المحشوة بزبدة البقر، وقبل ذلك يتم تسمين الخرفان التي تذبح في اليوم الأول من شهر الصيام، هذا الأخير يقترن بالإكثار من الصدقات، فيطبخ الكسكسي أو الثريدة باللبن، وتملأ بها القصاع وتفرق على المحتاجين بين سائر الخيم والتجمعات السكانية. ويفضل أهل البادية، تحضير أغلب أطباقهم من مواد محلية تنتجها مواشيهم، وهو وضع يجعلهم في منأى عن ضغوطات غلاء الأسعار وحمى الأسواق، في وقت تشتهر بادية منطقة النعامة بمأكولات “الزريزري” وهي تتشكل أساسا من التمور التي يتم عجنها وتضاف إليها عشبة “اليازير” ومستخلصات للسمن النباتي والحيواني لها، لتوضع على مائدة الإفطار للإستفتاح بها في الوجبة الرمضانية، واللافت أنّ أهل البادية وبما يتميزون به من بساطة أسلوب عيشهم، لا يبدون اهتماما كبيرا بتحضير أصناف المأكولات الفائقة أو التفنن في أطباق مائدة الافطار، غير أنهم في السنوات الأخيرة ومع زيادة نشاط الحركة التجارية بالأسواق الأسبوعية المحلية وتوفر وسائل النقل، أصبح هؤلاء يهتمون بما يباع ويشترى هناك وما يعرض من كيفيات الطبخ على شاشات التلفزيون. ويقضي سكان البادية بمنطقة النعامة سهرات رمضان ولياليه الطويلة، في جلسات تسامر يطغى عليها تبادل أطراف الحديث وقراءة الشعر الملحون أو ممارسة بعض الألعاب التقليدية منه ك«الخريبڤة” و«السيڤ” و«الوحيدة”، ويجري أيضا تبادل الزيارات بين أهل الخيم من مختلف القبائل التي يلتقي أفرادها حول صينيات الشاي المعطر بالنعناع والعنبر، وتشهد القرى السهبية بمناسبة شهر رمضان إقامة موائد إفطار جماعية تنظمها بعض الجمعيات الخيرية، هذه الأخيرة تحصل على عشرات الرؤوس من الأغنام يتبرع بها موّالون لإعداد أكلات الإفطار، كما يساهم الأعيان بدورهم في منح مساعدات لتوزيع مؤن على الأسر المحتاجة وتزويدها بأساسيات كالسكر والزيت والحليب.