تعتبر ولاية النعامة من الولايات المحافظة على تقاليدها وتراثها، ليس في شهر رمضان فحسب، بل في كل المناسبات وحتى في الأيام العادية تجد الرجل النعامي والمرأة النعامية يستحضرون في أعمالهم اليومية وأقوالهم وطرائق عيشهم وأكلهم ما تركه لهم أجدادهم وأسلافهم. مع اقتراب الشهر الفضيل يزيد إقبال المواطنين على اقتناء ضروريات المائدة الرمضانية وكذا التحضيرات على مستوى البيوت.أما في شهر رمضان، بل قبله كذلك تتم التحضيرات بداية بإعادة ترتيب البيت في شهر شعبان كالتنظيف وشراء التوابل الأزمة المعروفة برأس الحانوت وكذا شراء القمح التشيشة المخصص لتحضير طبق الشوربة وطحنها بالمنزل. وهناك حتى من تشتري بالمناسبة الأواني الفخارية وتطلي الجدران وتنظف الأواني النحاسية وتهدي كمية من التشيشة المطحونة إلى الأحباب والمحتاجين أما عملية الطهي فتكون على الجمر لذا فتتم بالمناسبة عملية تبييض المجامر بالجير، فالكثير من العادات لازالت متأصلة ولكن بلمسة عصرية،خاصة بالبلديات النائية كما هو الحال في القصدير وبن عمار وعبد المولى كما يكون الإقبال على بعض الأعشاب الطبية والمتداولة كتوابل لا زالت مستعملة والتي لا تستغني عنها المائدة الرمضانية ونذكر الإكليل القرقوطة البسباس واليزير تجدر الإشارة إلى أن اليزير والمعروف بالإكليل يطحن ودقيقه يخلط مع التمر ويفتتح به الإفطار يكسر به الصيام كما هو شائع في الجزائر. كما تكون أعشاب القرقوطة والبسباس واليزير الإكليل جافة ومطحونة ولا تطبخ بل توضع على المائدة وتضاف عند تقديم طبق الحريرة او الشربة حسب الذوق. وعلى غرار الأكلات الخاصة برمضان فان النعامة معروفة بتقاليدها في الطهي، حيث تختص بأكلات تقليدية متوارثة ومعروفة على المستوى المحلي تثري بها المناسبات والأفراح كما تقدم إكراما للضيوف ومنها المرق او الدواز المشكل من قطع البطاطا واللحم ومنها الكسكس وهو ما يعرف في المنطقة بالطعام، ويتنوع إلى طعام رقيق وهو ما يسمى "السفة" حيث يقدم مع اللبن والحليب والزبيب الاصفر ، ومن الأشياء التي تهتم بها المنطقة كذلك الخبز بمختلف أنواعه من المطلوع أو ما يسمى بخبز طاجين، والملوى والمسمن والبغرير هذا وحافظت العائلات بالنعامة بباقة عريقة من التقاليد الإجتماعية المرافقة للمناسبات الدينية، لعل أبرزها تلك الممارسات العتيقة التي تسبق وترافق شهر رمضان الكريم إلى غاية الأيام الأولى للإفطار من شهر شوال وبالرغم من إدخال العديد من التقنيات الحديثة في طرق التحضير لاستقبال شهر رمضان، إلا أن االنعماويين يحافظون كل بطريقته، على تراث أجدادهم في استقبال شهر الرحمة والغفران للظفر بفرصة للعتق من النار، وأخرى لإعادة العلاقات الاجتماعية إلى سائر عهدها. وتحتفي العائلة النعماوية بأول يوم يصوم فيه أبناءها بتقليد مميز يرسخ فريضة الصيام في روح وفكر الأطفال بطريقة سلسة ومقدسة لهذه الشعيرة، وتشجيعا للصائم الصغير تقام وجبة خاصة واحتفالية عائلية تقدم فيها الهدايا. الشاي ضروري بعد الإفطار عند الحديث عن رمضان في بالنعامة لا يمكن إغفال أشهر مشروب وأقدمه فيها هو _الشاري 71_ الذي يقدم مع كل الوجبات وحتى مع الحلويات بالنظر إلى الراحة والإنتعاش الذي تعطيه هذه المشروبات، لاسيما للمصابين بالصداع أو القلق.. إقبال على المساجد وتهافت للصلاة وراء الإمام : وتتميز مدينة المشرية كسائر مدن ولاية النعامة بإقبال كبير على صلاة التراويح في مسجدها الكبير مسجد _عمر بن الخطاب_، ليس فقط لموقعه الجيد أو لطابعه المعماري الذي يجمع بين العراقة والفخامة، بل للجو الروحاني الذي يسوده حين يؤم الشيخ الرافعي عبد الكريم فيه بالمصلين. وعرف الشيخ الرافعي ابن مدينة المشرية بصوته الرخيم و الوضوح الذي تتسم به تلاوته ونبرة الخشوع التي تبكي المصلين وراءه. ويعتبر رمضان فرصة للم شمل أفراد العائلة بالجيران والأصدقاء في سهرات ترفيهية تقام بعد صلاة التراويح، والتي تختلف بحسب نوعية الضيوف والأماكن المقامة فيها، فمنهم من يفضل الإستماع إلى أغاني الشعر الملحون. كما أن هناك من يفضل الاستمتاع بالجو العائلي الذي يملأ بلقاءات تجمع بين أفراد العائلة على موائد مشكلة من الحلويات والنكت والأحاجي التي لا تغيب عن أي بيت بالمنطقة. ويزيد نشاط العائلات النعماوية أياما قبيل انقضاء الشهر الفضيل استغلالا لفرصة فضل الأيام العشر الأواخر، واستعدادا لعيد الفطر المبارك الذي يستقبل في االمشرية والعين الصفراء بحلويات المقروط واالغريبية والكعك التي تهدى للأطفال. رمضان في النعامة وإن اختلف مع مدن أخرى جزائرية في طرق التحضير له أو في إحياء سهراته ولياليه وأكلاته، إلا أنه يبقى جامعا في صميمه لكل ما يبتغيه المسلم من قربان لله بالصوم والصلاة وصلة الرحم، وهي الميزة التي لا تغيب في كل شبر من الجزائر. وعلى الرغم من كون المجتمع النعماوي محافظا ومتمسكا بموروثه الثقافي، إلا أن الكثير من عاداته وتقاليده أضحت في عداد الماضي وذابت في محتوى الممارسات العصرية، وما تبقى منها لا يعاود الظهور إلا في مواسم محددة ومنها شهر رمضان الذي يشكل التحضير لاستقباله فرصة حقيقية لإحياء تلك العادات والتقاليد.وتختلف طرق التحضير لشهر الصيام وكيفيات الإعداد لإحيائه بين سكان البدو والحضر في مواطن كثيرة، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو الرجوع إلى الأصل من الطقوس والتميز في أنماط الحياة اليومية مقارنة بباقي أيام السنة . وحسب مولاي الشيخ وهو رجل بدوي في الستينيات من العمر، فإن إعادة بناء الخيمة وتحويل مكانها وتنظيفها أصبحت سنة سنوية تقتصر على الأيام التي تسبق دخول شهر رمضان بعد أن كانت في زمن سابق أمرا عاديا يتم في سائر الأيام. كما يقوم رب البيت البدوي بذبح شاه من قطيعه ويجفف لحمها وينشره على طريقة القديد لتستهلك بالتجزئة، على أن يعاود عملية الذبح عند انتهاء كميات اللحم المتوفرة وهكذا دواليك حتى نهاية الشهر الفضيل. ولا يزال سكان البدو يستمتعون بلعبة الضامة والسيق أثناء الصيام، إذ يخرج أبناء الدوار الواحد في جماعات لممارسة هذه الالعاب الممتعة . وبالنسبة للنسوة فتقول العجوز فاطمة إنها عودت بناتها وزوجات أبنائها على ما تلقته هي بدورها من السلف، حيث يعكفن على تحميص الطعام وغربلة الدقيق وتصفية القمح والشعير قصد استخدامهما في طبق الحريرة. وإلى جانب ذلك تقدم النسوة على طحن الأعشاب البرية ك ''الزعتر'' و'القرطوفة'' لتستعمل كتوابل للأطباق الرئيسية، دون نسيان نبتة '' الحلبة '' وتجفيف النعناع الذي يضاف إلى الشاي لتعطيه مذاقا إضافيا يرتشفه الساهرون في حلقات السمر. أما فيما يخص سكان المدينة فتتجلى مظاهر الاستعداد لرمضان في تنظيف البيوت وشراء أوان جديدة ووضع الحنة على أيادي النساء والأطفال المقبلين على الصيام لأول مرة، وتحضير '' المردود '' في آخر يوم من أيام شهر شعبان. ولعل أهم ما يشترك فيه أفراد المجتمع االنعماوي كخصوصيات تنتعش خلال شهر رمضان دون سواه هو عادة العرضة والتي تعني تبادل المأكولات بين الجيران تعبيرا عن مدى المودة والاحترام الساري بينهم.كما يضاف إلى ذلك ''الدور'' وهو تناوب الجيران على دعوة بعضهم البعض لتناول وجبة الإفطار وتبادل الزيارات بين العائلات و الجلوس الى بعضها البعض خلال الفترة الممتدة بين الإفطار والسحور، والموسومة دوما بتحضير أطباق''المسفوف''. يذكر أن جل هذه العادات والتقاليد كانت قديما راسخة في المجتمع النعماوي غير أنها ومع مرور الزمن أضحت لا تمارس إلا على نطاق محدود وتحيى فقط في رمضان، ما يجعل من الشهر المعظم الفرصة الوحيدة للحفاظ على ما عصفت به التحولات السوسيولوجية. المقاهي المتنفس الوحيد لشباب النعامة تعتبر المقاهي المتنفس الوحيد بالنسبة لشباب ولاية النعامة، خاصة في البلديات النائية التي تفتقر للمرافق وفضاءات خضراء للترفيه عن النفس والخروج من جو ضغط العمل والروتين، ولاسيما في ليالي رمضان، الذي يتزامن هذه السنوات مع فصل الصيف، بحرارة جوه وطول لياليه، وهو ما بات يؤرق بال غالبية الشباب. وبينما يفضل بعض المواطنين في أكبر بلديات الولاية الهروب إلى الفضاءات الرياضية التي تستقطب الشباب، للتخفيف من حدة التوتر وضغط العمل طيلة النهار، تلجأ فئة أخرى إلى المقاهي كأحد الملاذات التي تجد فيها متنفسا أفضل لحالتها، تتحدث، تعبر وتتواصل في قضايا الساعة. ورغم أن عاصمة الولاية تحتضن الآلاف من المقاهي التي تختلف مستوياتها والأثمان المعتمدة من قبلها، غير أن القاسم المشترك فيما بينها هو أنها ستكون الملجأ الأول والأخير للمواطنين في ليالي رمضان، كما كانت دائما الملجأ للزبائن قبل رمضان، في مختلف الأوقات وحتى في ساعات العمل، وكان العمال في عطلة جماعية مدفوعة الأجر، وظلت هذه الفضاءات الملاذ الأول والأخير حتى للعاطلين عن العمل، الذين يضربون يوميا مواعيدا مع بعضهم البعض لمضيعة الوقت في تبادل أطراف الحديث وتقليب الجرائد بحثا عن إعلانات الوظائف الشاغرة، ومن دون شك فان التسوق في النهار سيعوض الشباب عن المقاهي المغلقة في رمضان. وتقاطعت مختلف التعابير في أن المقهى هو نقطة حيوية في يوميات المواطن، في رمضان أو في غيره من سائر الأيام وشهدت العديد من بلديات الولاية في السنوات الأخيرة، ارتفاعا مهولا في افتتاح المقاهي، لأن هذا المجال يدر على ممتهنيه أموالا طائلة، والمثير في الأنواع الجديدة من المقاهي الفخمة التي غزت مختلف المناطق هو أن أسعارها معقولة جدا إذا ما قورنت بكلفة الاستثمار، فأصحابها يعتمدون منطقا تجاريا يقوم على استقطاب عدد كبير من الزبائن وتقليص هوامش الربح، لكن هناك بعض المقاهي التي لم تسلك هذا المسار وفضلت تطبيق أسعار مرتفعة رغم التأثير السلبي لذلك على عدد الزبائن الذين يرتادونها.