تفاقم التهريب والهجرة السرية، على نحو “جنوني” في مدينة مغنية الحدودية، وهما ظاهرتان ظلتا تتربصان بهذه المنطقة التي تعاني من استنزاف خاص زاد من حجم الشرخ الواقع، والظاهر أنّ ما ولدته الظاهرتان بمغنية، يفسر إلى حد بعيد المضاربة والصعود الجنوني للمواد الأكثر حيوية، كما زاد من انعكاسات التوافد الرهيب لرعايا 48 جنسية على توازنات المنطقة، وهو ما تتناوله “السلام” في هذا الملف. تشير كشوفات حديثة للدرك الوطني، إلى تنامي ظاهرتي التهريب والهجرة السرية خلال السنوات العشر الأخيرة بمغنية، وإذا كانت الظاهرتان معروفتين منذ 3 عشريات، إلاّ أنّهما أدركتا منعطفا متضخما في غضون السنوات التسع الأخيرة، فمنطقة مغنية صارت تستوعب بحكم خصوصيتها كمنطقة متاخمة للحدود الجزائرية المغربية، موادا تقدر قيمتها بعشرات الملايير يجري تهريبها سنويا خارج الوطن، كما تستقطب الآلاف من الأفارقة والآسيويين والأوروبيين أيضا، وسط دروب وعرة ونسيج عمراني متلاصق، اعتبره الكثير نقطة ارتكاز وسياق استثنائي توظفه جماعات التهريب والهجرة. لغز تهريب الوقود عبر الحدود إذا كان التهريب الذي تخوض فيه الجماعات المتسربة هنا وهناك، لا يستبعد أي شيء اعتبارا من المواد الغذائية والمشروبات الكحولية وصولا إلى العملات والآواني المنزلية، فإنّ تهريب الوقود يتربع على الصدارة، طالما أنّه لا يتطلب عناءا كبيرا ويدّر أرباحا طائلة، وتشهد المدن الواقعة على الحدود الشرقية والغربية والجنوبية للبلاد، رواجا واسعا لتجار الوقود، وأدى استفحال ظاهرة التهريب إلى تكاثر باعة البنزين على الطرق الرئيسية وكذا شوارع المدن، وتحولت عدة منازل ومحلات إلى محطات بيع الوقود المهرب، بحيث صارت قنابل موقوتة في غياب وسائل الوقاية والحماية، وهذا الوضع يتسببّ سنويا في خسارة فادحة للاقتصاد الوطني، ويفسّر إلى حد ما سرّ الالتهاب الكبير الذي يطبع أسعار الوقود منذ وقت ليس بالقصير. ويظلّ تهريب الوقود ظاهرة مشاعة والأكثر ممارسة لدى سكان الشريط الحدودي، سيما المسار الرابط بين نقطة سيدي الجيلالي بمغنية، حتى مكمن بن عمارة بضاحية المشرية المجاورة التي تتسع لحدود 440 كلم، وبحسب العقيد بونقاب خليفة، قائد حرس الحدود، فإنّ هذا النوع من التهريب يستهوي الكثير من الناس شيبا وشبابا وحتى الأطفال والعواجيز، وكان ذلك ظاهرا بوضوح من خلال الصور التي التقطت للمتورطين منذ 1999 على سبيل المثال لا الحصر، وأوضح محدثنا أنّ النشاط إياه، يلقى مثل هذاالرواج بين أبناء المنطقة، لأنّه لا يكلف صاحبه عناءا كبيرا خصوصا عند أولئك الذين لا تفصلهم عن الشريط الحدودي سوى بضع أمتار فحسب أين يتم اللعب في مسافة لا تتعدّ 200 متر تزيد من صعوبة مهمة الدوائر المعنية، كما أنّ الفائدة التي تجنى من وراء العملية قد تصل إلى حدود 10 آلاف دينار شهريا، وهي ثروة حقيقية تسيل اللعاب في أماكن يطبعها الفقر والتدهور الاجتماعي. الجماعات المهرّبة تخوض في كل ألوان الريع وتخوض الجماعات المهرّبة بمغنية في كل ألوان الريع، حتى وإن كانت الأفضلية تمنح دائما للوقود للاعتبارات السالف ذكرها، فمن الاسمنت والحديد وصولا إلى المواد الغذائية والسجائر والألبسة والسيارات والخردوات مرورا بالأسلحة والمخدرات، الممارسة واحدة بتقنيات متعددة يتم الجنوح فيها إلى الاستعانة بشتى الوسائل من المراوغة بعلب الزيتون والسيارات القديمة والدراجات النارية، وكذا الأحمرة التي لها “خبرة” في تحمل هذه المهمات البغيضة، بجانب سائر الدواب، علما أنّ ما يتّم تهريبه من المغرب نحو مغنية يتركز في المخدرات وشتى أنواع الخمور، فقد شهدت الفترة القليلة الماضية، حجز 440.75 كلغ من الكيف المعالج، إضافة إلى 2600 قارورة من الجعة خلال ال8 اشهر الأولى من العام الحالي فقط دون احتساب صنوف الجعة. وأدى اعتماد الوقود المهرب على نطاق واسع شمل حتى الصناعات المحلية (الآلات ووسائل النقل)، إلى زيادة متاعب وصعوبة المهام المنوطة بالدوائر الرقابية للحد من الظاهرة، طالما أنّ القضاء عليه نهائيا في حكم المستحيل، بحكم اتساع رقعة الشريط الحدودي الذي يمتد على طول 540 كيلومتر من مدينة “السعيدية” إلى ضاحية “الفقيق” وبه حوالي 100 منفذ اختلقه المهربون أغلبها غير مراقب ومسالك بعضها عسير الحراسة على كلا الجانبين. الأرقام الصادمة مثلما أنّ التهريب لا يستثني شيئا، فإنّ اللائحة توسعت في صورة حجز 260 سيارة مستعملة في تجارة التهريب، وهي سيارات لا تحمل أرقاما على هيكلها ولا تتوفر على الورقة الرمادية تثبت مصدرها أو مالكها. في حين أنجزت الشرطة القضائية ما مجموع 358 قضية خاصة بالتهريب تمت على إثرها إحالة 240 من الأشخاص المتورطين والموقوفين على العدالة. وتمكنت من حجز 49 آلية متحركة تتمثل في 21 سيارة خفيفة و1 شاحنة و27 دراجة نارية. وحجزت عددا كبيرا من السلع والبضائع المهربة من الجزائر ومن إسبانيا. من جهة أخرى، اعتبرت إدارة الجمارك في تقريرها للسداسي الأول للعام الحالي، أن ولاية عين تموشنت المجاورة، تعد منبعا لتموين المهربين المختصين في التصدير غير القانوني للبضائع وعلى رأسها الوقود، ونقلت مصادر أن حوالي 220 ألف لتر من الوقود يتم تهريبها يوميا إلى المغرب. واعتبرت قيادة حرس الحدود، تهريب البنزين قمة في استنزاف الاقتصاد الجزائري على اعتبار حجز 40.000 لترا من الوقود على الحدود الجزائرية التونسية والحدود الجزائرية المغربية خلال شهر ونصف، لا يُعَد إلا الجزء الظاهر من جبل الثلج. وعبر التهريب يتمكن المهرّبون التونسيون والمغاربة والجزائريون من الاستفادة منه باعتباره تجارة حدودية طبيعية في ظل السياسات الراهنة للحكومات المغاربية، وتتم هذه العملية بين مهربين محترفين على الجبهات الحدودية بين البلدان الإخوة الثلاثة سواء على الشريط الحدودي الجزائري التونسي، والشريط الحدودي الجزائري المغربي. ويستعمل المهربون في هذه العمليات، سيارات من نوع بوجو 504 و404 ورونو21، وعددا كبيرا من سيارات المرسيديس بخزانات مزدوجة تصل سعة الواحد منها إلى 500 لتر و 1.000 لتر بالإضافة إلى الاكتفاء بمقعد واحد للسائق داخل السيارات وشحن داخلها بما يناهز20 برميلا أو صفيحة من 30 لترا للواحد. وعند وصولهم إلى النقط الحدودية يجدون في انتظارهم نظراءهم المغاربة المسلحين بوسائل الضخ والنقل والتخزين. مقايضات وتحايلات وبعد المقايضة سواء بالعملة أو بالسلع يتم شحن الوقود في البراميل عبر الدراجات النارية (من 4 براميل إلى 8 براميل) والسيارات من نوع بوجو 504 ورونو 18 ورونو 21 (15 إلى 25 برميلا)، يبيع المهربون الوقود ب 26,5 دينارا تقريبا أي بما يفوق 3 دنانير في اللتر (ما يفوق 33 سنتيما في اللتر) أي بزيادة تقارب ال 100 دينار في البرميل من فئة 30 لترا أي ما يعادل 10 دراهم (بعد أن يقتنيه الجزائري من المحطة ب670 دينار للبرميل من 30 لترا) وهكذا يصل البرميل إلى المهرب المغربي الْمُحتكِر لِلْمَنْفَذِ ب 800 دينار أي ما يناهز 80 درهما وهو يبيعه ب 95 درهما للمهربين المسؤولين عن نقله من الحدود إلى الباعة بالتقسيط بالمدن عبر الدراجات النارية أو السيارات. وقليلا ما يتم حجز الآليات المستعملة في التهريب والمحملة بالبنزين القادم من الجزائر أو السلع المهربة من المغرب إلى الجزائر بمراقبة المسالك المؤدية للحدود المغربية الجزائرية، ولو أنّه جرى حجز الشاحنات المغربية القادمة من غرب المغرب كالدار البيضاء وجنوبه من أغادير والراشدية المحملة بالسلع المغربية كالملابس والخضر في تجاه أسواق الجهة الشرقية عند عودتها إلى مكان انطلاقها بنقط المراقبة الجمركية، إذا كانت محملة بالسلع المهربة من الجزائر إلى داخل المغرب أو المستعملة لإطارات مطاطية مهربة أو المتوفرة على خزانات مزدوجة. وبالفعل، يستغل أصحاب الشاحنات ذات العيار الثقيل عودتهم لشحن نوع من السلع الجزائرية وتغيير العجلات المطاطية المهربة، والتزود بالوقود المهرب والمخزن داخل خزانات تصل سعتها إلى 500 و1.000 لتر مصنوعة محليا لهذا الغرض حسب طول الآلية بدعوى، حسب أصحاب الشاحنات، طول المسافة المقطوعة وحاجيات الشاحنة لها. ووجدنا لدى جولتنا على مستوى الشريط الحدودي الجزائري المغربي، شاحنات تتوفر على خزانات كبيرة بالإضافة إلى خزانها الأصلي الذي ملئ بالكازوال، في حين ملئ الثاني بأكثر من 500 لتر من البنزين، فماذا سيفعل به؟ لا تحتاج الشاحنة إلا إلى خزانها بحيث طرق المغرب تتوفر على محطات بالإضافة إلى قرب المدن. وما يزال التهريب قائما في الاتجاهين. آلاف المهاجرين غير الشرعيين من 12 جنسية بمغنية غرست ظاهرة الهجرة غير الشرعية جذورها في منطقة مغنية قبل ثلاثة عقود، حيث تسللت القوافل الأولى منذ عامي 1972 و1973 بعدما تعرضت أكثر من دولة إفريقية إلى الجفاف ما دفع سكانها إلى الهروب بحثا عن الخبز، بعدما لم تستطع مواجهة شبح الفقر، لكنّ الظاهرة استفحلت وتفاقمت على نحو مثير في بداية التسعينات، أين تسلل المهاجرون من النيجر ومالي والسنغال وزامبيا والكونغو وغانا وبوركينافاسو وساحل العاج وليبيريا، والمغرب وتونس. وأوضح لنا ضابط كبير بحرس الحدود، أنّ الشريط الحدودي الممتد على شريط قدره 45.4 كلم من ضاحية الزوية إلى بني بوسعيد، ينطوي على خصوصية التضاريس الجبلية الوعرة والكثيفة التي تستخدم كمعابر لنزوح الأفارقة السود وكذا الآسيويين والأوروبيين بدرجة أقلّ، لذا أضحت مغنية قبلة للهنود والبنغلادشيين والباكستانيين وحتى البرتغاليين، ناهيك عن السوريين والتونسيين واليمنيين. ويشدّد أبناء المنطقة على أنّ 12 جنسية إفريقية هي الطاغية حاليا من حيث التواجد بمغنية، أين جرى إحصاء عدد تقريبي يناهز 3200 شخص محسوبين في غالبيتهم على قبائل “الأزواد” الشهيرة، في وقت يتحدث فيه آخرون بلهجة جازمة عن تواجد آلاف الأفارقة المتخفين بين الأحراش والشعاب، وآخرين ينتظرون دورهم خلف الحدود، ويتحيّنون الفرصة المواتية للتسلل إلى مغنية، والغريب أنّ هؤلاء الذين يجتازون مسافات طويلة مشيا على الأقدام، أو على متن كل ما هو قابل للتحرك سعيا للوصول إلى مغنية التي يعتبرونها بمثابة “إلدورادو” أوروبي، لا يتمتعون ببطاقات صحية مطلقا وهو ما يورث عواقب وانعكاسات وخيمة، زادها توجسا حالات السيدا المكتشفة مؤخرا، كما لا تجد لديهم بطاقات هوية التي يتعمدون إخفاءها حتى لا ينكشف أمرهم في حال تعرضهم للتفتيش والمساءلة، والملاحظ بمغنية أنّ جحافل المهاجرين غير الشرعيين، شكّلوا أحياء وتجمعات سكنية بكاملها، تجد بها شتى المرافق فهذا يشتغل بتجارة المواد الغذائية والآخر بالحلاقة وثالث بالبناء وهلّم جرا، وهو واقع على حساسيته استغله بعض أرباب العمل كمورد بشري لتوظيف الأفارقة في الأعمال الشاقة، جعلهم ينافسون اليد المحلية التي تشكو منذ ظرف ليس بالقصير هاجس البطالة والروتين المملّ، كما نشطت شبكات من المهاجرين غير الشرعيين في إدخال الأسلحة الخفيفة بطرق غير قانونية، فضلا عن تزوير الأموال والوثائق وتجارة المخدرات والسلاح والسجائر.