يوحي الحراك السياسي الذي يميز الساحة الوطنية هذه الأيام والحديث عن جملة الاستعدادات التي باشرتها التشكيلات السياسية بمدى مصيرية السباق نحو الهيمنة على المجالس المحلية البلدية والولائية، وسط أجواء من الشد والجذب، ففي الوقت الذي شرعت فيه أحزاب الدرجة الأولى في عملية استنفار مبكر لقواعدها من أجل إعداد العدة اللازمة لدخول معترك المحليات المقبلة، تبقى أحزاب الدرجة الثانية تترقب لما ستؤول إليه الأمور في الأيام القليلة القادمة، وعينها على التموقع الجيد الذي يمكنها من الإستمرارية على صعيد الفعل السياسي، في الوقت الذي تلوح فيه أحزاب الفشلة في التشريعيات المنصرمة بعدم المشاركة في انتخابات تظن أنها محسومة سلفا. وسارعت الأحزاب الثقيلة والفاعلة في الساحة السياسية الوطنية منذ مدة في عمليات مدققة تهدف إلى استنفار قواعدها النضالية تحسبا لمعترك المحليات، من خلال الإسراع في عمل التعبئة الشاملة للمناضلين قصد ضمان استعداد جيد لهذا الإستحقاق. وباشر حزب التجمع الوطني الديمقراطي في عقد سلسلة لقاءات ولائية على مستوى مكاتبه تحت إشراف المنسقين الولائيين لوضع استراتيجية شاملة وناجعة من أجل تعويض الفشل النسبي الذي مني به الحزب في العديد من الولايات، بعد خسارته للعديد من المقاعد، وتكمن استراتيجية «الأرندي» في هذه الإنتخابات في إتاحة الفرصة أمام عنصر الشباب وفتح مجال الترشح لجميع المواطنين دون قيد العضوية في الحزب ،مثلما جاء على لسان أمينه العام السيد أحمد أويحي في توصيته الأخيرة المرسلة لجميع المكاتب الولائية والتي تنص حرفيا على ضرورة منح الفرصة أمام المخلصين من أبناء الوطن شباب وكهول ممن يتبثون كفاءة علمية وثقافية تمكنهم من قيادة المجالس المنتخبة وتطبيق مختلف البرامج التنموية لتحسين أوضاع المواطن في جميع ربوع البلاد، وهو نفس الطرح الذي ذهب إليه الناطق الرسمي للحزب من مدينة برج بوعريريج عندما وجه تعليمة صادرة عن القيادة المركزية للحزب موجهة لجميع منسقي الولايات بضرورة تقديم حصيلة إجمالية عن عمل ونشاط منتخبيه خلال العهدة المنصرمة من أجل الوقوف على السلبيات المرتكبة ومحاولة تفاديها مستقبلا، على الرغم من الهزات الطفيفة التي يمر بها الحزب هذه الأيام وبروز ما يعرف بجبهة إصلاح الأرندي بزعامة «نورية حفصي» ومن يسير في فلكها. من جهتها دعت جبهة التحرير قواعدها النضالية في مختلف الولايات إلى التكتل في صف واحد وتفويت الفرصة على من يترصدون بالحزب، حيث أكد عبد العزيز بلخادم وفي أكثر من مناسبة على ضرورة إجراء غربلة حقيقية للقواعد النضالية وتطهير الحزب العتيد من الدخلاء الذين عملوا ويعملوا دوما ضد مصلحة الحزب، مؤكدا على ضرورة إعداد قوائم مترشحين من الوجوه الجديدة الشابة ذات الكفاءة العالية، وهو المطلب الذي تدعو إليه القواعد النضالية للحزب عبر كل ولايات الجمهورية التي دعت إلى إبعاد نواب الحزب الجدد وتجريدهم من أي دور لهم من الممكن أن يلعبوه في إعداد قوائم مترشحي الحزب، خاصة بعد بروز نواب جدد بدأوا في توزيع الوعود يمينا وشمالا وفق منطق الشكارة وهو ما ترفضه قيادة الحزب جملة وتفصيلا. حالة النزيف الحاد التي تعرفها حركة مجتمع السلم «حمس» بقيادة زعيمها أبو جرة سلطاني وضعت الحركة في موقف حرج بعد سلسلة الانشقاقات الكثيرة التي حصلت في صفوفها والتحاق معظم المنشقين بحزب أمل الجزائر «تاج» عمار غول عقب خلافات جوهرية كثيرة بين وزير الأشغال العمومية سابقا ورئيس الحركة حول قضية المشاركة في الحكومة المقبلة من عدمه صراع بدأ صغيرا قبل أن يتطور ويحدث زلزالا في بيت سلطاني الذي يعيش أسوأ الكوابيس التي من شأنها أن تعصف بمكانة الحركة في الحياة السياسية، خاصة في ظل ارتباطها العرفي بما يعرف بتكتل الجزائر الخضراء... والانتخابات المحلية من الممكن ن تعجل بنسفه وتفجيره من الداخل على العكس من حزب حنونة العمال الذي تبدو فيه الأوضاع مستقرة ما دامت لويزة داخلة في الصف وكافية خيرها شرها. على العكس تماما مما يحدث في بقية الأحزاب، تبقى الأوضاع في صفوف أحزاب مجموعة ال16 أو ما أصطلح عليها بأحزاب «الفشلة» تراوح مكانها تنتظر غيثا لن يأتي أبدا بعد طلبها رسميا من وزير الداخلية والجماعات المحلية وحتى رئاسة الجمهورية تعديل المادتين 85 و66 من القانون الإنتخابي الوارد في الدستور، بمعنى أن هذه الأحزاب التي تنشد هذا التعيل تتبع سياسة «نلعب ولا نحرم» لكون المادة 66 لا تخدمها في ظل التأكيد على وجوب حصول الأحزاب على نسبة 7 بالمائة من الأصوات المعبر عنها في الاقتراع وهو حتما ما تعجز عن تحقيقه قياسا مع محدودية الخبرة في حقل العملية السياسية وبالتالي باتوا يهددون صراحة بعدم المشاركة في الانتخابات المقبلة حتى لا يتكرر سيناريو التشريعيات المنصرمة بعد أن تحولت هذه الأحزاب إلى نكتة «التاعس يخدمها للناعس»، وعليه فإن مطلبهم الوحيد هو خفض النسبة إلى حدود 3 بالمائة عوض 5 بالمائة في التشريعيات و7 بالمائة في المحليات.