لقد أفزعتني الأخبار التي قرأتها في وسائل الإعلام المختلفة، عن تزايد عدد النساء المسترجلات أو بصورة كبيرة في كثير من دول الوطن العربي وخاصة الجزائر؛ مما دفعني للبحث في حقيقة الأمر فوجدت بعد البحث حقائق مفزعة وخطيرة وهي في حقيقتها بعيدة كل البعد عن طبيعة مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، ومنها أن البنات المسترجلات أصبحن يمثلن نسبة 10% من طالبات مرحلة المتوسط والثانوي. الظاهرة تأخذ ثلاثة أشكال أولها يقف عند حد المظهر فقط، فنجد أن البنات يلبسن السلاسل في الرقبة واليد مثل الأولاد ويحلقن شعورهن ليجعلنها قصيرة كالأولاد ويحلقن الذقن والشارب والزلفين كي يبدين شعرا خشنا، إضافة إلى أنهن يقمن بتغيير أصواتهن لتأخذ نبرة صوت الأولاد، كما يلبسن عادة الأحذية الرياضية ويرتدين البناطيل والقمصان الواسعة الفضفاضة، والأدهى والأمر أنهن يلبسن الضاغط على الصدر لإخفاء معالم أنوثتهن. وفي هذه المرحلة نجد أن البنات يكتفين بالمظهر فقط ولكن مع تنامي شعورها كولد تتحول للمرحلة الثانية وهي الأخطر حيث تظهر على سلوكها أثار قناعتها فتقوم البنت بتقمص سلوك الفتيان من حيث المظهر العام، وتكوين عصابات وفرض علاقات غير سوية على بعض الطالبات تأخذ أحيانا شكل تحرشات في حمامات المدارس وتصل أشكالها للتقبيل والتلامس الجسدي. وأما المرحلة الثالثة فتصل بهؤلاء البنات إلى الشذوذ الجنسي بكل معانيه تكتمل الطامة الكبرى وتدخل البنت في حالة مرضية تحتاج إلي علاج نفسي وتأهيل اجتماعي. توصيف علمي وعن التوصيف العلمي لهذه الظاهرة تقول الدكتورة لانية، الاختصاصية النفسية بمستشفى باشا الجامعي “إن مشكلة المسترجلات ظاهرة اجتماعية انتشرت في الآونة الأخيرة، وعكست حالة من اغتراب المراهق أو المراهقة عن المجتمع، وهناك أزمة لدى المراهقات المسترجلات يعانين معها من عدم الثقة بالنفس وعدم التوافق مع البيئة ومشاكل بين أفراد أسرهن. فالبنت المراهقة عادة ما تتعرض لعنف لفظي وجسدي واستهزاء من قبل أفراد الأسرة، مما يجعلها لا تثق بنفسها وتشعر بأنها غير مرغوب فيها، كما أن المراهقة تمر بأزمات نفسية تسعى خلالها إلى أن تكون محور اهتمام الآخرين وإعجابهم، إلا أنها ولعدم وجود صفات إيجابية تتحلى بها تلجأ إلى ممارسة سلوك آخر يجعلها محور الاهتمام”. وتعترف بأنها قامت بعلاج عدد من الفتيات المراهقات، فوجدت أن غالبيتهن لا يعانين أي شذوذ هرموني وإن كن يعانين أزمة مع الأهل وأزمة عدم تواصل مع الهيئة التعليمية إلى جانب تأثيرات ضارة للأنترنت. أسباب الظاهرة مما لا شك فيه أن هناك أسبابا وقفت وراء دفع هذه الظاهرة لتطفو على سطح السلوكات الغربية بالرغم من شذوذها عن المنظومة القيمية لمجتمعاتنا وبالطبع علينا أن ندرس هذه الأسباب حتى نصل في النهاية لحلول واقعية نستطيع من خلالها إنقاذ بناتنا من مصير مظلم، ويأتى علي رأس هذه الأسباب البعد عن الدين وتغيب المؤسسات الدينية الرسمية عن دورها في نشر قيم العفة والطهارة التي حث عليها الإسلام، وتوضيح أحكام الشرع في التشبه بالجنس الأخر، فها هو نبينا العظيم محمد (ص) يحذر الأمة من هذه الظاهرة منذ اكثر من 14 قرن فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال.”(صححه الألباني بسندٍ صحيح) ومن هنا نجد أن على الدعاة والمؤسسات الدينية أن يقوموا بدورهم في إرشاد الطالبات الغارقات في بحور الشيطان وذلك عن طريق النزول للمدارس وتجمعات هذه النوعية من البنات من اجل تقويمهن. مجتمع ذكوري كما نجد من الأسباب المؤدية لتفشي هذه الظاهرة أيضا السلوكات الخاطئة لبعض أولياء الأمور الذين يقومون بالتفرقة في التعامل بين أولاده وبناته وإعطاء النصيب الأكبر من الاهتمام للأولاد دون البنات، كما لابد أن نعترف أن كثيرا من مجتمعاتنا العربية ذكورية أكثر من اللازم مما يؤثر سلبا على بناتنا اللائي يجدن أنه لا مجال أمامهن للحصول على مكانتهن الاجتماعية إلا بالتشبه بالرجال، كما أن البعض مازال يتعامل مع النساء على أنهن درجة ثانية من البشر وذلك يخالف في مجمله الشرع الحنيف الذي ساوى بين الجنسين في التكاليف والحقوق بل أعطي للمرأة بعض الميزات للتماشي مع طبيعتها مثل عدم تحميلها مشاق النفقة. ومن مسببات هذه الظاهرة أيضا فقد الأسرة دورها الإرشادي فأصبحت الأسر تعتمد في تربية أولادها بصورة كبيرة علي المربيات اللاتي لا يعلمن شيئا عن قيمنا الإسلامية، في حين تغافلت هذه الأسر عن مهمتها الأساسية وهي تربية أولادهم وإعدادهم كأفراد صالحين لمجتمعاتهم متناسين حديث النبي (ص) “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”. ولا نستطيع أن نتناسى الدور الخطير الذي تلعبه الأنترنت غير المرشد والإعلام الفاسد في إفساد أخلاق بناتنا وشبابنا والذي يحضهم على الرذيلة من خلال الكليبات الفاضحة والعارية والذي يظهر فيها التشبه بين الجنسين، كما أننا لا ستطيع أن ننكر الدور الخبيث الذي يلعبه بعض الإعلاميين الذين يحرصون على نشر الفساد من خلال برامجهم الشبابية التي تشعل نار الفتنة والشهوة. كما أن دعوات إطلاق الحريات للمرأة بلا ضابط قيمي أو أخلاقي والتي يطلقها العلمانيون والشيوعيون ومن على شاكلتهم ولهثنا وراء الغرب والتأثر بمنظومتهم القيمية الفاسدة كان لها نصيب من أسباب مثل هذه الظواهر الشاذة. تغريب المناهج كذلك لابد أن نؤكد على أن مناهجنا التعليمية وما تعرضت له من تغريب على مدار ربع القرن الماضي، ومحاولات محو الهوية الإسلامية والعربية منها كان له بالغ الأثر في فقد شبابنا وبناتنا لقيم العفة، ولعل حرص أعداء الأمة على التلاعب بالمناهج وغرس القيم الغربية بها يؤكد لنا أن ما نشهده اليوم من ظواهر شاذة عن مجتمعاتنا ماهو إلا ثمرة لمكر الليل والنهار من الذين دبروا وخططوا للسطو على عقول أبنائنا واسمحوا لي أن أضرب مثلا لحرص هؤلاء على نشر الرذيلة من خلال مناهجنا، فقد أبرمت الوكالة الأمريكية للتنمية بروتوكول تعاون بينها وبين وزارة التربية والتعليم المصرية عام 2003 نص على منح مصر 30 مليون دولار مقابل تدريس الموضوعات الصحية الحرجة (الموضوعات الجنسية) لطلاب مرحلة التعليم الأساسي (ابتدائي وإعدادي)، كما قامت الولاياتالمتحدة في منتدى المستقبل للتعليم الذي عقد مؤخرا بالقاهرة بطلب تعميم تدريس الجنس في المرحلة الإعدادية والإسراع في تغير المناهج وقد حضر المؤتمر معظم وزراء التعليم العرب الذين لم يبدوا أي اعتراض بصورة رسمية على هذه المطالب! كما أن من مسببات هذه الظاهرة أيضا التضييق على الحركات الإسلامية في بعض الدول العربية والإسلامية، في حين يكون الباب مفتوحا على مصراعيه أمام الحركات التغريبية والإباحية. ومن ثمة نستخلص أن ظاهرة المسترجلات ماهي إلا ثمرة لتخبط الأمة وبعدها عن منهاجها القويم الذي ينشر العفة والطهر بين جنبات مجتمعاتنا، وأن بناتنا المتورطات في هذه السلوكات الشاذة قبل أن ندينهن ونحملهن خطايانا علينا أن نعترف أنهن ضحية تقصيرنا وتركهن فريسة سهلة بين أنياب أعداء أمتنا.