قد لا يدرك بعض أولئك الذين يبددون هدوء الليل بصخب شخيرهم ويزعجون غيرهم وربما يحرمونهم من النوم، أنهم ربما يعانون مرضا يظهر أثناء النوم حاملا في طياته مخاطرا تهدد حياتهم. داء انقطاع التنفس المؤقت أثناء النوم آفة يدعوها البعض بمرض الشخير، وهو داء يصيب الرجال أكثر من النساء و يتظافر بنوبات توقف التنفس المؤقت أثناء النوم ثم عودته بشكل صاخب فيصدر النائم عندئذ ضجيجا عالي الوتيرة. ويشكل الرجال معظم المصابين، إذ يتجاوز عددهم أكثر من أربعة أضعاف عدد النساء ويعتقد أن العمر الوسطي الذي يبدأ فيه الرجال بالشخير يتراوح ما بين 35 و45 بينما يزداد انتشاره لدى النساء ما بعد سن الخمسين، مما يدعو للاعتقاد بوجود حماية هرمونية عند النساء قبل سن اليأس، حيث يتساوى عدد المرضى من الجنسين بعد الستين من العمر. لقد انتشرت ظاهرة الشخير في المجتمع الجزائري بصفة كبيرة جدا، إذ لا يوجد بيت يخلو منه فبعدما كانت الظاهرة مقتصرة على الشيوخ فقط أصبحت اليوم، تتعداهم إلى الشباب وحتى الأطفال الصغار. “فنجية” تقول في الموضوع: أنا أعلم أنني.. وأزعج من حولي لكن هذا أقوى مني فأنا أشعر باختناق كبير في الليل ولا أعي إلا وأحد أفراد أسرتي يوقظونني ويطلبون مني أن أتوقف عن الشخير لكن ما إن أعاود النوم حتى أشخر مرة ثانية دون وعي “مايسةج” ابنة السيدة فتيحة تقول: “إني أنام مع والدتي وهذا ما يسبب لها إزعاجا كبيرا، خاصة وأن شخير والدتها يحرمها من النوم الهادىء، فعرضتها على طبيب مختص في أمراض الأنف والحنجرة لكنه لم يعطها دواء خاصا لايقاف هذا المرض أو الحد منه. تؤكد الدكتورة “كوراس” طبيبة مختصة في أمراض الأنف والحنجرة، على أن هذه الظاهرة هي طبيعة خاصة لدى بعض المرضى الذين يعانون من التهاب الجيوب الأنفية أو اللوزتين, ولهذا فان علاج هذا الأمراض أولا، أي كل الأمراض المتعلقة بالأنف والحنجرة فهذا ما قد يساعد في الحد من هذا المرض. أسباب متداخلة لداء فتّاك هناك مجموعة من الأسباب التي تقف وراء انقطاع التنفس أثناء النوم، وعلى رأسها ضخامة شراع الحنك وارتخاء عضلاته وفقدان مرونة الأنسجة الرطوية للبلعوم الفموي واللهاث. حيث تسد النسخ المرتخية مجرى التنفس أثناء النوم فتحجب هواء الشهيق ويتوقف دخول الهواء للرئتين لعدة ثوان، قد تصل لدى البعض حد التنهد مع حركات التنفس الصدري والحجاب الحاصر، مما يؤدي إلى تغيرات في ضغط الهواء الرئوي وبالتالي تتعرقل حركة الدم الرئتين والقلب فيتسرع النبض ويرتفع ضغط الدم وخلال ثوان من انقطاع التنفس يتدنى مستوى الأكسجين في الدم ويتنبه الدماغ إلى هذه الحالة الطائرة فيبدأ النائم بالاستيقاظ لتعود عضلات المجرى الهوائي للانتفاخ بعد تقلص فجائي، فيندفع الهواء للانتفاخ بعد تقلص فجائي فيندفع الهواء للرئتين بسرعة وتهتز نسج العضلات المرتخية في البلعوم الفموي، مما يسبب الشخير الصاخب لكن المصاب لا يتذكر هذه العوارض نظرا لقصرها، إلا أنها تكون كافية لفتح المسلك الهوائي العلوي من جديد ثم يأخذ عدة أنفاس عميقة بسرعة قبل أن يعود الشخص للنوم فيشخر من جديد بعد كل نوبة من توقف التنفس. وتكرر هذه الدورة من الشخير مئات المرات في الليلة الواحدة مترافقة بنوبات توقف التنفس أثناء النوم مما يؤدي إلى نوم متقطع يحرم المصاب من النوم العميق ويحوله إلى جحيم دون أن يدري. وتقف البدانة على رأس قائمة الأسباب المرضية التي تزيد من خطورة هذه الحادثة الطارئة، كما يمكن مشاهدة زيادة في توتر نوبات انقطاع التنفس أثناء النوم لدى المصابين بآفات الأنف و الحنجرة كالتهاب الجيوب وضخامة القرنيات الأنفية وضخامة اللوزات والرشح المزمن، كما يساهم تناول المهدئات والمسكنات والكحول في تفاقم هذه الآفة، لأنها تستدعي دق ناقوس الخطر إذ ليس بغريب أن يخلد أمثال هؤلاء المرضى لسبات ابدي لا يقظة منه. مختبرات النوم وآلات التنفس يضع العلم اليوم بين أيدينا مجموعة من الوسائل الاستقصائية المهمة لتشخيص الإصابة بمرض انقطاع التنفس المؤقت أثناء النوم. وتشهد المراكز العلمية تحولات جديدة في إعادة تقييم مفهوم الشخير القابع خلف آفة انقطاع التنفس تلك، وتنتشر اليوم في معظم مراكز أبحاث الأمراض الصدرية مختبرات خاصة لدراسة هذه الظاهرة وتحري أسبابها والتي تدعى بمختبرات النوم. يستغرق إجراء مخططات النوم في هذه المختبرات ليلة كاملة عند إجراء مخططات النوم، ويربط الشخص المريض بمسجل تخطيط كهربائي للقلب و الدماغ لدراسة وظائف الأعضاء الحيوية. وفي نهاية ليل من التسجيل يصاب المريض بالهلع عند مشاهدتهم أفلاما أبطالهم فينتابهم الرعب لما ينتظرهم من مخاطر تهدد حياتهم، فليس لهم من حيلة لتجنب ذلك إلا استخدام الجهاز المصمم من قبل الأطباء من اجل منع التنفس أثناء الليل وهذا الجهاز لا يزال بعيد المنال لغلاء ثمنه. أمل الشفاء ليس بحوزة الأطباء وسيلة رخيسة الثمن لعلاج هذا المرض رغم وجود عشرات الطرق المبتكرة لتخفيف من المعاناة بدءا من القطرات الأنفية وحتى الأقنعة التي تشابه تلك المستخدمة أيام الحرب ضد الغازات السامة، والتي تمتص الأصوات الصاخبة كما ابتكرت أيضا أجهزة الكترونية حساسة للأصوات العالية تعطي إنذارات منبهة للنائم أثناء الشخير. ويناضل الأطباء في سبيل تخفيف المعاناة بإجراء جراحات يستأصلون خلالها الزوائد والكتل الأنفية المانعة للتنفس. ويقومون بتصنيع العضلات المرتخية في بلعوم الحنك. وينصح الأطباء للوقاية منه بعدم تناول المهدئات والكحول قبل النوم، كما ينصحون بتخفيف الوزن مما يحسن النوم ويخفف من نوبات توقف التنفس. كما لا زالت هناك دراسات قائمة الإيجاد حلول انجح لعلاج هذه الظاهرة يؤدي إلى رعب عام بين المرضى، لكن أعلاه نبرة التحذير قد يكون نافعا للبعض بالمراجعة الطبية التي لا تضر بل تفيد.