كغالبية الجزائريين تشكل مناسبة الاحتفالات بقدوم السنة الميلادية الجديدةبالجلفة، لغالبية شباب الجزائر على مستوى 48 ولاية، فرصة لا يجب تفويتها هكذا بل يجب استغلالها بنحو يمكنهم من تفريغ مكبوتات خزنت في اللاشعور طيلة سنة كاملة، وذلك بممارسة طقوس احتفالية هي في الحقيقة بعيدة كل البعد عن قيمنا الإسلامية الأصيلة.. وظلت إلى وقت قريب منطقة الجلفة بعيدة عن مثل هذه الظواهر التي تدعو علانية إلى الإنحلال والتفسخ، على الرغم من المناعة التي يتمتع بها أولاد نايل، بفضل التنشئة الإجتماعية التي تقوم على أساس الحياء والإحترام المتبادل وفق عادات وتقاليد المنطقة المحافظة. لكن دوام الحال من المحال -كما يقال- إذ أن رياح التغيير يبدو أنها قد هبّت على ولاية الجلفة، ومست معها الصغير قبل الكبير لتتحول الغالبية من الشباب وحتى الشياب إلى لعب دور المترقب الشغوف الذي ينتظر قدوم اليوم الموعود أكثر من انتظارهم وترقبهم لهلال رمضان المعظم، إذ مباشرة بعد انقضاء العشرين يوما الأولى من شهر ديسمبر، يدخل الجميع في حالة هيستيريا وهيجان ويشرعون في الإستعداد الأمثل -في نظرهم- لاستقبال "الريفيون" وتختلف الإستعدادات لهذه المناسبة من شخص لآخر ومن فئة لأخرى، حسب الإمكانات المادية المتاحة.. فأصحاب المال والجاه وأصحاب "الشكارة" يفضلون التنقل إلى خارج الوطن، والوجهة المفضلة لديهم غالبا ما تكون الجارة تونس، وذلك لعدة اعتبارات يولونها ألف حساب أهمها بعدهم التام عن الأهل والمعارف حتى يحلون لأنفسهم هناك ما كان محرما عليهم وسط عرشهم وأهاليهم لينفقوا في ليلة واحدة أو ليلتين -كأقصى حد- ما يكفي لإعالة عشر عائلات معدمة طيلة شهر كامل.. ومنهم أيضا من يفضل قضاء المناسبة في أفخم الفنادق خاصة بمدينة وهران. لما توفره لهم من لهو ومجون حتى الساعات الأولى من صبيحة الفاتح من جانفي، في أحضان الحسناوات اللواتي يتم اختيارهن خصيصا لمثل هذه المناسبات.. والثمن طبعا العودة بجيوب منفوضة. أما الفئة الثانية والتي تتشكل غالبا من الأجراء والموظفين عموما، فينتظمون على شكل مجموعات من ثلاثة إلى أربعة أشخاص يساهمون بأقساط مالية متساوية -لزوم الليلة الموعودة - ويتقاسمون الأدوار فيما بينهم، فهناك من يقوم بتأمين مكان إقامة الحفلة كتأجير شقة أو حوش لما يوفره هذا الأخير من هدوء وأمان بعيدا عن الجيران، فيما يتولى آخر شراء وتخزين المشروبات الروحية من كافة أنواع الخمور، تحسبا لإنقضائها من الأسواق البيضاء والسوداء لكثرة الطلب عليها، فيما تتولى البقية مهمة تأمين الطعام وباقي المستلزمات المكملة وكذا حجز الحسناوات من بنات الليل، ولو تطلب الأمر طلبهن من مناطق وولايات مجاورة مقابل مبالغ مالية متفق عليها ومدفوعة مسبقا، لتدخل الولاية بقراها في حالات من الجنون المؤقت -لحسن الحظ - وسط الأجواء الصاخبة والموسيقى المدمرة للنفوس قبل الآذان بدعوى الإحتفال. هذا فيما تعيش مصالح الأمن أتعس وأسوأ الكوابيس لها خوفا من حدوث ما لا يحمد عقباه لتستعد هي بدورها ليس للإحتفال وإنما لحماية المحتفلين المهووسين من المرضى النفسانيين، ومعالجة جميع الحوادث التي تسجل وما أكثرها في الليلة الموعودة، التي باتت تشكل إحدى الضروريات في قاموس الحياة العامة للمواطن. مهما كان بسيطا لأن "الريفيون" يجعل منه فرعونا وسلطان زمانه ولو لليلة واحدة ولله في خلقه شؤون؟؟