الجزائريون يحيون ليلة رأس السنة الميلادية كل على طريقته يغتنم العديد من الجزائريين فرصة نهاية السنة الميلادية لإقامة طقوس تعبر عن الفرح والمتعة والاحتفال، حيث تطبع هذه المناسبة أجواء مميزة تختصرها صورة الأسواق والمحلات التجارية بالعاصمة، التي تزينت واجهتها بأبهى وأجمل الحلل والألوان منبئة بقرب حلول العام الجديد، في حين شهدت وكالات السفر إقبالا واسعا لحجز الأماكن بغية التوجه لقضاء أيام من الراحة والاستجمام. تطبع المدن الجزائرية الكبرى خلال السنوات الأخيرة، أجواء من الاحتفالات المصادفة لحلول السنة الميلادية الجديدة، حيث تتعدد أشكال إحياء هذه الليلة بين من يعتبرها مجرد فأل لدخول عام جديد أملا في أن يجلب معه الخير للبلاد والعباد، وبالتالي فهو يكتفي بإعداد الطعام في تلك الليلة والاجتماع بالعائلة وسط جو حميمي، وبين من يعتبرها مناسبة مقدسة يجري التحضير لها شهورا كثيرة من قبل، حيث تصرف من أجلها المبالغ الطائلة، خاصة إذا تم الاحتفال بها خارج الوطن في أحد البلدان السياحية عربية كانت أو أوروبية، أو داخله في أحد الفنادق الفخمة الزاهية أرجاؤها بأشجار الميلاد، والمزينة مائدتها بكعكة ''لابيش''، هذا إضافة إلى أنواع الشمبانيا التي يتجرع كؤوسها شباب همه الوحيد الاستمتاع إلى أقصى الحدود ودون أية قيود. مظاهر الاحتفال تغير الديكور العام للعاصمة تميز العاصمة الجزائرية، خلال الأيام القليلة التي تسبق دخول عام ميلادي جديد، مظاهر تنبئ بقرب حلول هذه المناسبة، فنجد المحلات الخاصة بالحلويات والمرطبات قد تجندت لإعداد كعكة رأس السنة أو ما يعرف بتسمية ''لابيش'' على الطريقة الغربية، حيث تتوالى الطلبات عليها من طرف أرباب وربات البيوت على حد سواء، وهو الأمر الذي رصدته ''الحوار'' من خلال جولة قصيرة بين محلات بيع الحلويات في شوارع العاصمة، وبالتحديد في كل من باب الواد، ديدوش مراد وحسيبة، حيث تشهد هذه المحلات إقبالا منقطع النظير، يتزايد حجمه مع اقتراب المناسبة أكثر فأكثر، وذلك بالرغم من غلاء هذه الكعكة التي وصل ثمنها إلى حدود الألفي دينار جزائري، وهو الأمر الذي أكده لنا أحد باعة هذه الكعكة، مما يدعو إلى التساؤل هل نحن على أبواب الاحتفال بمناسبة دينية توازي قيمتها عيدي المسلمين، الفطر والأضحى..! كما يعمد الكثير من أصحاب هذه المحلات وكذا محلات بيع الهدايا والماركات العالمية، لتزيين محلاتهم بشتى أنواع الزينة المتمثلة في الأضواء المتلألئة والأشرطة المزركشة، والتي تكتب على واجهتها عبارات التهاني بمختلف اللغات وخاصة الأجنبية منها. أما الأسواق العاصمية، فقد ملئت عن آخرها بما يعرف ب''التراس''، وهي عبارة عن خليط من الحلويات والشكولاطة وأنواع المكسرات، والتي كست حتى الطرقات من خلال بيع الشباب لها، مستغلين هذه المناسبة لكسب المزيد من الأرباح. في حين عرضت بعض المحلات الثقافة الغربية الخالصة من خلال شجرة الميلاد الشهيرة التي تزينت بها واجهاتها، لتلفت إليها أنظار المارة كبارا وصغارا، هذا إضافة إلى الإعلانات المنتشرة هنا وهناك والخاصة بالحفلات التي سيتم تنظيمها بهذه المناسبة. فيما تعتبرها بعض العائلات مجرد فأل خير لعام جديد قادم تتفاوت درجة الاحتفاء بهذه المناسبة بين المواطنين. ففي الوقت الذي لا يولي بعضهم أية أهمية تذكر لهذه المناسبة، متجاهلين تماما حلولها، يفضل البعض الآخر المكوث بالبيت وسط العائلة الصغيرة، والالتفاف حول طاولة عشاء تليها مائدة سخية بالحلويات والشكولاطة، وخاصة كعكة ''لابيش'' التي تقتنيها هذه العائلات أو تعدها داخل البيت، في جلسات سمر تترك للذكرى. ويفسر هذا الاحتفال بأنه مجرد فأل حسن لاستقبال عام ينتظر منه الخير والبركة. في حين يتجه بعض الشباب إلى تنظيم لقاءات مع الأصدقاء سواء داخل البيوت أو في أماكن خاصة، ليشهدوا سويا أفول عام قديم وحلول عام جديد، وسط أجواء من الفرح والبهجة. وفي هذا الصدد أخبرتنا ''لويزة''، طالبة بكلية الطب، ''شخصيا، لا أجد ضيرا في الاحتفال برأس السنة الميلادية، بل على العكس تماما، أجده مناسبة للهروب من صخب الحياة اليومية وفرصة للترويح عن النفس، بعيدا عن رتابة باقي أيام السنة، وفي الغالب أحتفل مع عائلتي، إذ نقيم حفلا بسيطا ندعو فيه أقاربنا وبعض الأصدقاء''. أما مصطفى رب العائلة الذي يعمل كموظف بإحدى الشركات، فيقول: ''شخصيا، لا أحتفل برأس السنة الميلادية، ولا أجيز لزوجتي أو أبنائي ذلك، ولي أسبابي الخاصة في ذلك، إذ لا يعقل أن نقيم حفلات راقصة وسهر وغناء يستمر إلى غاية صباح اليوم الموالي، في عيد هو للنصارى بالأساس، وفي المقابل يمر الفاتح محرم من سنواتنا الهجرية غريبا رتيبا كباقي الأيام، وللأسف ما يؤلم أكثر هو تجاهل شباب هذا الجيل للسنة الهجرية مقابل تهافتهم نحو قضاء ليالي المجون احتفالا بالسنة الميلادية''. رأس السنة.. مناسبة لتضاعف أرباح الفنادق الفخمة وإنعاش السياحة بالصحراء لا تتنازل بعض العائلات الجزائرية عن الاحتفال بليلة رأس السنة الميلادية، في صورة تشبه إلى حد بعيد ما يحدث في البلدان الغربية التي تقدس هذه المناسبة، حيث تتعدد صور ودرجة الاحتفال، وكذا أماكن ووجهات المحتفلين. ففي الوقت الذي تستقطب السهرات الغنائية التي يحييها عدد من الفنانين، فئة من العائلات، كتلك المنظمة بقاعة الحفلات الخاصة بمركز الاستجمام العائلي بزرالدة، تتجه عائلات أخرى ممن تملك الإمكانات المادية الكافية، نحو الفنادق الجزائرية الفاخرة، هذه الأخيرة التي تفتح أبوابها على مصراعيها، خاصة للشباب الذين عادة ما يوفرون أموالهم خصيصا للتمتع بقضاء ليلة جنونية بها، وسط أجواء الطرب والسمر واللهو، حيث تزول القيود الاجتماعية والدينية، ليطلقوا العنان لأهوائهم، من خلال الليالي التي يحييها فنانون وكوميديون والتي تكون مسبوقة بعشاء فاخر، الأمر الذي يعود بالفائدة الكبيرة والأرباح الطائلة لهذه الفنادق. إلا أنه ونظرا لقلتها فإن الحجز فيها بهذه المناسبة يتطلب المال الكافي، لأن تكلفة ليلة واحدة تفوق غالبا دخل شهر كامل لموظف بسيط، فما بالكم إذا كان الأمر يتعلق بعائلة تتكون من عدة أفراد؟ من جانب آخر فإن مناسبة نهاية السنة باتت تعد فرصة ثمينة لإنعاش السياحة بالصحراء الجزائرية، التي أصبحت مقصد الكثير من الجزائريين، هذا إضافة إلى أعداد السياح الأجانب الفارين من برودة الثلوج التي تميز بلدانهم خلال هذه الفترة من السنة إلى دفئ وسكينة الصحراء. تونس.. الوجهة المفضلة لأصحاب الإمكانات كما شرع العديد من الجزائريين مع بداية العد التنازلي للاحتفال بالسنة الجديدة 2011 في اختيار الوجهة التي سيقضون فيها رأس السنة، من خلال الحجز في مختلف الوكالات السياحية التي تحولت هذه الأيام إلى قبلة للراغبين في التنقل والسفر والتي أعدت بدورها برامج خاصة بهذا الموعد، وهو ما لاحظته ''الحوار'' من خلال جولتها بين عدد منها بوسط العاصمة، حيث تباينت وجهات المواطنين بين وكالة وأخرى. إلا أن تونس تبقى الوجهة المفضلة للأغلبية، من خلال ما رصدناه لدى وكالات كثيرة، كوكالة ''ميلي'' الواقعة بشارع ديدوش مراد، التي أكد لنا صاحبها أن تونس تحتل الصدارة هذا العام من حيث الطلبات، وذلك نظرا لأسعارها المعقولة وانخفاض ضرائبها، مقارنة بتركيا مثلا المعروفة بالغلاء وبرودة الطقس أثناء هذه الفترة. وباستثناء وكالة ''زناته'' التي تعرف بها الطلبات على المغرب إقبالا كبيرا، وبالتحديد مدينة ''مراكش''، سجلت جل الوكالات التي قصدناها طلبات متزايدة على تونس بالدرجة الأولى، تليها المغرب وتركيا بمدينة ''اسطنبول'' تحديدا، بالإضافة إلى فرنسا. من جهة أخرى فقد سجلت الصحراء الجزائرية أرقاما قياسية هذه السنة من حيث إقبال الأجانب وخاصة الجزائريين عليها، والوجهات كانت أغلبها نحو منطقة ''تيميمون''، ''جانت''، ''غرداية'' وكذا ''تمنراست'' نظرا للمناطق السياحية الساحرة التي تزخر بها، هذا إضافة إلى صعوبة الحصول على التأشيرة للسفر خارج البلاد، حسب ما أكده لنا أصحاب هذه الوكالات. وبالتالي فإن قضاء رأس السنة بجنوب الجزائر لم يعد حكرا على الأجانب الذين تعودوا على قضاء أجمل الأوقات بها كل عام. ''أسعار تنافسية مغرية لتحفيز السياحة في رأس السنة'' وتقترح الوكالات السياحية بالمناسبة على الجزائريين التواقين لإحياء رأس السنة، أسعارا تنافسية إلى حدّ الإغراء لتحفيزهم على السفر إلى أوروبا أو لبلدان أخرى، غير أن تونس الخضراء تبقى الوجهة المفضلة للجزائريين للسياحة والترفيه خلال رأس السنة لأنهم تعودوا على ذلك ولأن الفنادق والبرامج التونسية تستقطب بحسن معاملتها وبرامج الترفيه فيها الجزائريين، لما لها من تقاليد عريقة ودراية واسعة بمتطلباتها ومتطلبات وأذواق السياح الوافدين إليها خاصة من الجزائر، نظرا لثراء وتنوع المنتوج السياحي لديها، فضلا عن المستوى المُرضي للخدمات. ورغم أن الجزائر أجمل وأكثر ثراء وتنوعا من حيث المكتنزات الطبيعية التي وهبها اللّه وهو ما يعترف به حتى أشقاؤنا في تونس التي يؤمّها نحو 7 ملايين سائح سنويا، تقدر نسبة عدد الجزائريين الوافدين إليها سنويا بما يفوق 10 في المائة من العدد الإجمالي للسياح العرب والأجانب، حيث يحتلون المرتبة الثالثة بعد كل من ليبيا وفرنسا حسب إحصاءات الديوان الوطني للسياحة في تونس. ويفيد ذات الديوان بهذا الشأن بأن ما لا يقل عن 876 ألف جزائري زاروا تونس في الفترة ما بين الفاتح من جانفي و31 أكتوبر لهذا العام، بعد أن كان عددهم السنة الماضية 961343 سائح.