تستعد دار ذاكرة الأمة الجزائرية، لإصدار كتاب جديد يحمل عنوان “أزمة المؤسسة الفقهية في الجزائر” للكاتب والإعلامي محمد بغداد، الذي فضل الخوض هذه المرة في تفاصيل ملف يعد من أعقد الملفات على الساحة الوطنية، خصوصا لدى توجهه إلى مناقشة أزمة المؤسسة الفقهية، على أساس أنها المؤسسة التي بقيت في إطار النسيان أو التجاهل، عبر ما تحتمي به من التعالي والغموض. اعتبر محمد بغداد، أن كتابه الجديد يختلف عما أصدره من قبل، على اعتبار أنه ثمرة دراسة أكاديمية وجهد بحثي متخصص، دام لأكثر من عشر سنوات، تتبع تفاصيل الحركة الفقهية الجزائرية، وتجلياتها في مختلف المجالات، حيث نقب على ملفاتها، ليكون الكتاب دراسة مسحية لأهم المراحل والمحطات المكونة للبناء الهيكلي لهذه المؤسسة. وعن تبريره لإطلاق مصطلح الأزمة، يذهب بغداد إلى أن التحديات التي فشل فيها الخطاب الفقهي الجزائري، والانزواء الذي انسحب إليه، والتخلي الواضح الذي يتوارى فيه، وابتعاده السلبي عن مواجهة الأسئلة الكبرى التي ينتجها المجتمع، كون ذلك يشكل المفتاح الأساسي لدراسة الظاهرة، التي تفاقمت إلى مستوى الأزمة التي تعني في أبسط معانيها العجز والتواري. ويقول المؤلف حول ما تعلق بأسباب الأزمة، أنه تناول الكثير منها في دراسته، إلا انه يركز على مجموعة من العوامل الأساسية على غرار، الإهمال الواضح إلى درجة المقصود، للأساس الذي تقوم عليه، والمتمثل تحديدا في توضيح المعنى الملازم لها، والمشكل لهويتها، إضافة إلى تجاهل التراكمات والتجارب السابقة، والتي يشدد عليها بغداد، باعتبار الحواضر الفقهية، التي كانت النموذج العملي خلال مختلف المراحل التاريخية للمجتمع، -وهي النماذج التي كان بالإمكان استثمار نتائج جهودها العلمية، وانجازاتها الميدانية- في حماية المؤسسة الدينية برمتها من الكثير من التصدعات التي حلت بها، وإنقاذها من التيه الذي وجدت نفسها متورطة فيه. و خصص محمد بغداد، لهذه النقطة بالذات، محورين من كتابه، الأولى عندما توقف عند العواصم الفقهية الجزائرية، من توات وبجاية وتلمسان ومازونة، وغيرها من العواصم التي كشف عن انجازاتها التاريخية واجتهاداتها العلمية، كما عرج على مسارات عدد من الشخصيات المؤثرة في المسيرة الفقهية. ويذهب الكاتب في تشخيصه لتجليات الأزمة من خلال مؤلفه “أزمة المؤسسة الفقهية في الجزائر” إلى الاستشهاد بالواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع، عبر الخلل الكبير بين الفتوى والزمن، أين يبرز ذلك الغياب الرهيب والصمت المطلق، وعدم اكتراث المؤسسة الفقهية بالتحولات الجوهرية، التي يعرفها المجتمع، والأكثر من ذلك الظهور المقلق لها في بعض التفاصيل الجزئية لهذه التحولات، إلا أن ظهورها يكتنفه الكثير من التردد والتخبط، مما يجعلها في اغلب الأحيان تجلب الشفقة، وتحصل على الاستهتار الاجتماعي العام. ومن جهة أخرى، يلخص بغداد رسالة كتابه الجديد في:«ضرورة إسراع المؤسسة الفقهية إلى فتح أبواب الحوار أمام جميع المثقفين والفاعلين الاجتماعيين، على أساس أنها جزء لا يتجزأ من مكونات المجتمع، وان إفرازات الحركة الاجتماعية، توجب عليها القيام بالشروع في إعادة النظر في أبجدياتها، بداية من تحديد المعني التاريخي الذي يحدد هويتها، ويضبط موقعها في المجتمع، وصولا إلى إعادة إنعاش النخب الدينية، وبالذات في الجانب الوظيفي المنوط بها تجاه التاريخ، لان المؤلف يعتبر الفتوى حلا اجتماعيا، ومنتوجا بشريا خالصا، لا قرارا دينيا محضا. ومن جانبها تراهن دار نشر “ذاكرة الأمة” على مؤلف بغداد الجديد “أزمة المؤسسة الفقهية في الجزائر”، الذي يأتي ضمن سلسلة من الإصدارات الحديثة، ستخرج بها إلى الساحة باللغتين العربية والفرنسية، في مجالات مختلفة سياسية وفكرية ودينية وعلمية، مستقطبة مجموعة من الأسماء مثل بومدين بوزيد وعلي الكنز والفرنسي بول بالطا، في محاولة جديدة للنشر في الجزائر، كون رهانها يبقى منصبا على الكيفية التي يمكن بها تقديم منتوج فكري متميز، يثير الانتباه وينعش الساحة. للإشارة، يقدم محمد بغداد كتابه “أزمة المؤسسة الفقهية في الجزائر” في 300 صفحة، وقد قسمه إلى 15 مبحثا، جاء في سياق الأسلوب الأكاديمي المتخصص، وبلغة فقهية رصينة، كما أنه يتميز بالكثير من الجرأة في الطرح.