يعد قامة شامخة وشخصية فذة تميز بحضوره الاجتماعي والتزامه الديني من الرجال من يرحل ولا يغيب ويموت ويظل حيا، وما على النفس فاجعة أعظم من فقد مثل هؤلاء الرجال وقد قال في مثلهم الإمام الشافعي رحمة الله .قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات وإن رحيل رجل مؤمن جمع كريم الخلق ونبيل الصفات لمن أعظم الفجائع، وليس للمؤمن عند هذا الابتلاء إلا الصبر والرضا. أ . لخضر . بن يوسف أفل نجم وغاب بدر واحتجبت شمس وحزنت على الفراق قلوب ملؤها الرضا بقضاء الله وقدره، أقول هذه الكلمات والحزن يملأ القلب بفقد الحاج الربيع حلاب (رحمه الله) الذي فقدت المسيلة بفقده شخصية متميزة في وفائها لدينها الحنيف، وفى أخلاقها وخدمتها لوطنها. وما إن أذيع نبأ الوفاة وأعلن عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى خيّم الحزن على قلوب محبيه (وما أكثرهم) وانقبضت قلوبهم، واستوحشت نفوسهم، واكتسوا أبراد السواد، وامتلأت تلك الوسائط والصفحات ببيانات العزاء، وكلمات التأبين، الجامعة بين التعبير عن الحزن والأسى، وتعداد مآثر الفقيد، وبيان خدماته وإنجازاته في أكثر من مجال ومجال، وعلى أكثر من صعيد وصعيد. لقد كان الحاج الربيع حلّاب يرحمه الله دمث الخلق طلق المحيا، باسم الوجه، ندى الكف، رضا النفس، لين الخلق، كريم العشرة، آخذ بقلب كل من عرفه عن قرب بتواضعه الجم، ولينه لذوى الحاجات والضعفاء، وحسن تعاونه وحبه للخير، ولا أدلّ على شهامته وكرمه وأريحيته من رعايته وتوليه أمانة الجمعية الدينية لمسجد عثمان بن عفان ورعاية شؤون بيت الله وجهوده المخلصة لخدمة هذه المؤسسة الدينية الغالية على نفوسنا جميعا. وقد كان رحمه الله أخا معينا لكثير من أهل الحاجات والسقام، لا يهدأ له بال إذا علم بحاجة المحتاج حتى يقضيها، ولا يطيب له بغير ذلك راحة ولا منام، أمور كثيرة تستحق الذكر من مناقبه وحسناته لم يعلمها إلّا القليل جدا من الناس، ولكن الله (سبحانه وتعالى) علمها . السيرة والمسيرة.. عندما تفقد قامة وقدوة فقدت عين الحجل بالمسيلة المهندس (الحاج الربيع حلاب) مواليد 15 جانفي 1957 بعين الحجل، درس الابتدائي في عين الحجل – البنات- ثم المتوسط بسور الغزلان وكان متفوقا جدّا لدرجة أنه تم ترقيته مسبقا ..- ترقيته من السنة الثانية إلى الرابعة متوسط مباشرة، واصل دراسته الثانوية في بوسعادة تحديدا "زيري بن مناد" شعبة رياضيات وتحصل علي البكالوريا بتقدير جيد جدا وبأكبر معدل في محافظة تيطري، درس بالمدرسة الوطنية للأشغال العمومية بالدار البيضاء 1976- 1980 وتخرج منها بشهادة مهندس دولة مختص بالخرسانة والخرسانة المسلحة، أكمل الخدمة الوطنية من 82 حتى 84، بدأ العمل في مجال دراسته كمسؤول في مجال السكن والبناء والتعمير بالولاية حتى سنة 2017 تاريخ تقاعده لأسباب صحية، كان خبيرا متميزا في مجاله وثقافته الواسعة ، وكان نابغة في الرياضيات إذ يعد عملاق عين الحجل في فترة الثمانينات بعد النابغة الآخر عيسى بلخضر، اتسم بتواضعه، فكان مبادراً لصناعة التغيير والإصلاح فترة الصحوة الإسلامية، مبدعاً في خلق المبادرات، إذ يعد أول من بادر إليها عبر دروس الدعوة والوعظ والإرشاد وحلقات الذكر بالمسجد العتيق سنوات 80/81 ، فلقد كان بحق وسطيا في تدينه، ووسطيا في حداثته، وإذا نظر إلى أمر نظر إليه بعين المؤمن فخرج برأي قلّما يختلف عليه اثنان، بالإضافة إلى هذا كان الفقيد المهندس الأول وواضع التصميم والأساسات الأولى لمسجد عثمان بن عفان، وصاحب مبادرات في تمويل برنامج بناء بيت من بيوت الله وإعماره، وكان نفسه المشرف والمتابع التقني للأشغال بالمؤسسة الدينية – متطوعا – هذا فضلا على أنه عضو مؤسس –أمين عام لجمعية المسجد ذاته – عرف عنه دعم المشاريع التنموية، والمبادرة إلى الصالحات، والمسارعة في الخيرات. الحاج الربيع حلاب.. رحيل رجل مؤمن كريم من أعظم الفجائع لعين الحجل وجوه تصبغها سماحة الروح المؤمنة، ويفيضُ تحت أجفانها نبع الهدوء والطيبة، فتشكل في ملامحها الهادئة والمؤمنة جزءًا من خصوصية روح المدينة وتواريخها. ومنذ أن وضع الطين والحجر أسسها، وتفيأت كرامة ببعض الوجوه الطيبة والحالمة والملهمة والمنتسبة الى البذل والخير والعطاء، وحين نفقد في قدرية العمر واحدا من تلك الوجوه الكريمة نحس بفقدان وحزن غريب بعد أن كانت تلك الوجوه تضيء بفوانيس المحبة والنصيحة، فنذرف دموع حسرة، وتلبس المدينة ثوب حزنها الأسود. واحد من أحبة شوق المدينة وصوتها العلوي المتدفق طيبة وسكينة ومعرفة، هو الحاج الربيع حلاب، قامة المعرفة والرجل المتعبد والهادئ، يرحل عنا بعد عمر من التقوى والصلاة التي تلهم فيه قرب مودة السماء وإشراقة الوجه البريء وعطر وجود التقوى، وتحت عباءته يلتحف الفقراء والبسطاء، ومن يعتقدون أنه رجل يجتهد ويحب الأخير وفي محياه وابتسامته الخجولة صورة الوعي والأخذ بيد المحتاج، رجل أحب الدين، فقرأ واجتهد، بقلب واثق وجسد صبور، فنال الاحترام وانتزع التقدير، عاش حياته قويا ومؤمنا، وفي تلك الصفتين احتفى بطيبة خاطر وهدوء وراحة بال في عمره الطويل، ولم يتغير فيه ثبات المبدأ وانتماءه للدين والمذهب . فكانت الستون حولا وأكثر، هي ثورة الورع والتقية التي تعلمها من تربية البيت القائمة على حب العلم والغور في بطون الكتب التي كان يعتقد ومنذ صباه أنها تقوده إلى امتلاك الوعي والفهم والرؤية الدينية والدنيوية. الأستاذ الربيع حلاب.. منهجية الإنسان الملهم وروحانية الإطار الكفء على وقع اللحن الجنائزي المفعم برائحة الحزن والألم، تلقت عين الحجل نبأ رحيل الرجل المؤمن والصديق المخلص والمربي الفاضل والإطار الأستاذ الربيع حلاب "رحمه الله" بعد صراع مع المرض الذي نال كثيراً من جسده ولم ينل من روحه الصابرة ونفسه المطمئنة الراضية بقضاء الله وقدره. الفقيد شخصية فذة، تميز بحضوره الاجتماعي والتزامه الديني، وإنسانيته العالية، وأدبه الرفيع، وتواضعه الجم، وخلقه النبيل ما جعله معروفاً في أوساط الناس وحاضراً في كل زوايا مجتمعه وتفاصيل الحياة المختلفة، غير أن ما يشدك إلى الفقيد هو دماثة أخلاقه وتواضعه وحسن التواصل مع الآخرين، وقدرته على الولوج إلى قلوبهم وامتلاك محبتهم وتقديرهم، تأسرك عباراته البسيطة وسلوكه غير المتكلف، وابتسامته العذبة المصاحبة له في كلّ الحالات، وكل ذلك كان يصدر منه بشكل تلقائي وينساب بسلاسة عجيبة كتدفق الماء من ينبوعه، وانسياب خيوط الضوء المنبعثة من مصدرها بتلقائية، لا تحس حتى ترتسم في خاطرك ثلاث صور عندما تسترجع ذكريات الفقيد. الأولى: صورة الانسان الاجتماعي الملتزم في تدينه، والمشدود لمجتمعه، المشارك في مختلف المناسبات، والوصول لرحمه حتى وإن نأت المسافات وتباعدت صلة القرابة.. وهو خلق إسلامي وإنساني نبيل . الثانية: صورة الوفي المخلص، فلا تكاد تغيب عن خيالك عشرات المواقف والمشاهد المفعمة بروح الأخوة الصادقة في تعامله مع إخوته، يقدمهم على نفسه ويبدي لهم من التبجيل ما يشعر من يراه أنه يتعامل مع أبيه وليس مع إخوته…هذه المواقف تنبئ عن روح إيمانية عالية وخلق سامٍ يقل نظيره في الوقت الحاضر وكأنه يحفظ لإخوته بره بهم أو عطفه عليهم، أو أن ثمة مواقف بينهم زرعت داخله كلّ هذا التقدير والاحترام. الثالثة: صورة المربي الفاضل وليس مجرّد الموظف الذي يمارس عمله من منطلق كونه وظيفة وعملاً يتقاضى عليه أجراً… ففي زمن توارت فيه النماذج التي تنظر إلى الوظيفة نظرة قداسة واحترام فتغض الطرف عن الالتزام بأداء مهامها وواجباتها على الوجه الأكمل والأتم، تبرز شخصية الفقيد كنموذج وأسوة حسنة في هذا المجال، فقد كان يمارس مهام هذه الوظيفة بروحية المربي وليس بمهنية الموظف فقط.. ففضلا عن كفايته المهنية وحرفيته العالية وإتقانه لمهام عمله كمهندس دولة بمديرية التعمير والبناء، شهد له بذلك الكثير ممن تتلمذوا على يديه وعملوا إلى جانبه وتحت إشرافه، فإنه يمتلك كاريزما خاصة تعطي لأسلوبه في التعامل نفساً روحياً، يربي ويعلم ويزرع القيم والمبادئ التي تنادي بها المؤسسات وتعتبرها الهدف الأسمى، والمنتج النموذج الذي تسعى له وتطمح لتحقيقه. غيّبه الموت ومازال ذكره يرتله الدعاء .. ونبض كفه يسكنه الوفاء !! الربيع حلاب رحمه الله تعالى رحمة الأبرار، تعلمنا منه كيف يجب أن يكون الإنسان إنساناً بما يعنيه مفهوم الانسانية كعقل يفكر ويبدع لخير البشر في دنياهم وآخرتهم، كان القوي بإيمانه، والراسخ في علمه، والواثق في خطوته، والسائر على بصيرة من أمره، بهذا كله كان إنساناً واعياً، واضحاً متصالحاً، شفافاً مع ذاته ومع من حوله، نفس صافية شفافة، رقيقة رحيمة، عطوفة معطاءة دون منٍ، كريمة دون كِبر، لم تتعلق بالكثرات ولم يصبها شوش الحياة الدنيا بكدوراته، يشهد له كلّ من عرفه عن قرب بسمو الذّات، وعظمة الشّخصية، وعمق الوعي، وغزارة الثقافة، وسعة الاطلاع، ولين الجانب، وسماحة النّفس، وكرم الأخلاق، وحس المسؤولية الاجتماعية،… قامة مشرقة شامخة في سماء المسيلة، فهو قمة بل قمم في جزيئاته التي تتشكل منها شخصيته، وذاتيته، فبهاء وجهه الوضاء ونقاء سريرته وابتسامته، جزيئات ناصعة يستشعرها كلّ من عرفه، لهذا لا غرابة أن نرَّ هذه الشخصية السمحة قد استقطبت مداد القلوب ويراعات المحبين من أقرباء وأصدقاء ومحبين أوفياء، كلّ منهم يتسابق فيما جادت به قريحته، الذين فاضت يراعتهم وبراعتهم باختلاجات تنضح ألماً وحسرة، ليسطروا بمدادهم أسمى كلمات الوفاء والعرفان بأحرف تكاد تقطر ألماً على فراق تلك الرّوح السّامية، وإذا أردنا أن نتعرف أكثر على هذه الشخصية الحجيلية، نجد أن ثمة خط انتهجه في مسيرته وسيرته الحياتية، فقيد عين الحجل بما حباه الله من جمال خَلق، وخُلق، وعلم، ومكانة، ووجاهة نراه يتحلّى بأجمل الصفات الانسانية من تواضع جم وأخلاق راقية، تجعله يتقبل غيره مهما كانت الاختلافات، ولا يضمر حقداً أو كراهيةً لأحد، ولا يقبل الاصطفاف البغيض، أو يجعل مجلسه ومحافله للنيل من الأشخاص، وإنما سجيته تقدير الآخرين وحسن الظن بهم بما يتوافق وإنسانيته وتربيته، وذاتيته وهذه أهم سجاياه.