تعيش مشاتي الجهة الشمالية لولاية سطيف، أزمة مياه حقيقية دفعت سكان بعض القرى التي لم تسجل أي عملية تزويد بهذه المادة الحيوية منذ الإستقلال، إلى إيجاد حلول شخصية قصد الظفر بقطرة ماء على الطريقة التقليدية التي تعود إلى عصر البداوة. وخلال جولة قادتنا إلى عمق هذه المنطقة التي تضم أزيد من 15 بلدية، وقفنا على حجم المعاناة اللامتناهية لسكان لا يزالون يكافحون العطش بطرق تقليدية ضحيتها الأولى في غالبية القرى والمداشر الأطفال، الذين كتب عليهم القدر أن يمضي بهم موكب الزمان، وهم يكابدون مرارة التنقل لمسافات طويلة وظهورهم محمّلة بالقارورات البلاستيكية معبأة بالمياه. كثيرة هي الأماكن التي تنتشر فيها هذه الظاهرة على غرار كل من قرى «إغلادن»، «بني بورمان» ببوعنداس، «حلية» و«عو نة» في بوسلام، «أولاد بوعرورة» بماوكلان وعشرات القرى والمشاتي الأخرى التي يقطنها الألاف من السكان، وهم يتحدون أزمة العطش القوية التي تضرب المنطقة، رغم وعود السلطات المحلية بتسوية وضعيتهم وربطهم بشبكة المياه، لكن الأمور لازالت تراوح نفسها. وخلال تواجدنا بمنطقة آيت تيزي، على مظاهر توحي بأن سكان المنطقة لا يزالون في العصر البدائي، وقد حدثنا أحد المواطنين قائلا بأن تلاميذ الإبتدائية والمتوسطة يقطعون العشرات من الكيلومترات خلال كل أمسية، وفور رجوعم من الدراسة بحوزتهم قارورات بلاستيكية فارغة من أجل ملئها بالمياه الصالحة للشرب من بعض الينابيع الطبيعية المعروفة بالمنطقة، ناهيك عن الإرهاق اليومي الذي يفتك بهم. حتمية هذا الأمر لم تجعل أمام سكان قرية «حلية» ببلدية بوسلام حلولا أخرى، سوى ذلك النمط المعيشي الذي يشبه كثيرا ما ذكرناه آنفا، في انتظار تجسيد الوعود التي قدمها المسؤولون المحليون للمنطقة، وبحكم التلاحم الذي ساد بين سكان المنطقة الشمالية ووحدة تقاليدها فإن ذات الطابع المذكور هو السمة الغالبة في بقية المشاتي التي زرناها. ونشير إلى أن ولاية سطيف قد استفادت مؤخرا من برنامج ثري في قطاع الري، الذي احتل الريادة بخصوص الميزانية الضخمة، التي وضعت لهذا القطاع من أجل محاربة أزمة العطش، على غرار مشروع التحويلات الكبرى الضخم والذي تتغنى به السلطات المعنية، وغيرها من المشاريع الأخرى كسد عين زادة المعروف، إلا أن مسألة الربط تبقى عالقة على مستوى بعض المناطق، نظرا لوجود خلل في طريقة توزيع المشاريع على تراب الولاية، وهو الأمر الذي أكده العديد من المتتبعين للشأن التنموي في الولاية، الأمر الذي جعل من غالبية المناطق الشمالية للولاية مهمشة، على عكس المناطق الأخرى، لذا فإن السكان يطالبون بضروة الإلتفاتة لهذه الثغرة التي جعلت منهم الضحية الأولى، في حين رفع العديد من رؤساء البلديات راية الإستسلام، نظرا لعجز المصالح التي يشرفون عليها على تلبية كافة الاحتياجات الضرورية للسكان.