يعاني مرضى الهيموفيليا في الجزائر، من عدة تعقيدات تؤثر بصفة ملحوظة على سير حياتهم، وهو ما لفت انتباهنا للوهلة الأولى عندما وطئت أقدامنا مستشفى بني مسوس، الذي يتم إجراء التحاليل الدموية على مستواه، ومستشفى بوزريعة الذي يستقبل مرضى الهيموفيليا من مختلف الأعمار،لذا عمدنا إلى تناول هذا الموضوع . في البداية تحدثنا مع البروفيسور “بلهاني” المختصة في أمراض الدم بمستشفى بني مسوس “اسعد حساني”، التي عرفت لنا مرض الهيموفيليا أو مرض نزيف الدم بأنه نوع من الأمراض التي تصيب الدم بطريقة وراثية، وهو عبارة عن خلل في المادة التي تسبب تخثر (تجلط) الدم عند حدوث نزيف، فإذا تعرض المصاب لأي إصابة أو جرح بسيط يحدث نزيف مستمر تحت الجلد أو في المفاصل أو تحت العضلات إلى درجة انه لا يمكن إيقافه في بعض الأحيان، إلا بإعطاء المصاب حقنة تعمل على تجليط الدم، وبالتالي إيقافه وهذه المادة هي عبارة عن أنواع من البروتينات اللازمة لتخثر الدم في الإنسان الطبيعي، إلا أنها تكون ناقصة في دم المريض المصاب بالهيموفيليا، بحيث أن بعض المصابين بالهيموفيليا لديهم نقص في بروتين يدعى (عامل التجلط رقم 8)، وآخرين يسجل لديهم النقص في بروتين أخر وهو (عامل التجلط رقم9)، وعلى الرغم من اشتراكهما في نفس الأعراض إلا أنهما يختلفان من حيث الأدوية المستخدمة في معالجة كل واحد منهما. كما أكدت البروفيسور بأن الإصابة بهذا المرض سواء كان النوع (أ) أو (ب) تقتصر على الذكور دون الإناث، بحيث يكون انتقال العامل الوراثي من الأم إلى الابن الذكر ولكنه لا ينتقل من الأب إلى الابن، ولكن إلى الابنة التي تكون حاملة للمرض وتورثه لأبنائها الذكور دون أن تظهر عليها الأعراض . النزيف الدموي الحاد من بين أهم أعراضه وأشارت البروفيسور في سياق حديثها عن مرض الهيموفيليا، إلى أن من بين أهم أعراض هذا المرض النزيف الدموي الحاد على مستوى الأنف، العضلات وكذا البقع الزرقاء التي تظهر تحت الجلد نتيجة احتقان النزيف تحته، كما أكدت البروفيسور “بلهاني” على ضرورة قيام المريض بإجراء التحاليل اللازمة للتأكد من إصابته الفعلية بمرض الهيموفيليا، نظرا لتشابهه مع بعض الأمراض الدموية الأخرى. وفي حالة ثبوت إصابته بهذا المرض يتم عرضه للعلاج من خلال مواظبته على تناول بعض الأدوية التي تختلف تأثيراتها من مريض لأخر، لأنه في كثير من الأحيان لا يتجاوب جسم المريض مع هذا الدواء الذي يؤدي إلى مضاعفات سلبية، لذا يتعين على الطبيب تغييره، وهو ما أكده البروفيسور رامون، ل«السلام” مضيفا بان هذا الدواء الذي أصبح يتم علاج المرضى به منذ سنة 1985، قد أزال الخوف من نقل فيروسات وأمراض أخرى للمصابين بمرض الهيموفيليا على غرار مرض السيدا، لأنه قبل هذا التاريخ كان يتم معالجة المرضى باستعمال “البلازما”، أما الآن فان هذه الأدوية على الرغم من غلاء ثمنها إلا أنها في متناول كل المرضى نظرا لتكفل الحكومة بكل مصاريفها، لذا فهي مجانية في كل المستشفيات. كما ذكر البروفيسور بأن هناك العديد من حالات الإصابة تم الكشف عنها أثناء عملية ختان الأطفال، وقد أفضت قبل عدة سنوات إلى وفاة العديد منهم على طاولة العمليات، لذا أصبح الأطباء يشترطون قبل إجراء هذا النوع من العمليات إخضاع الطفل لجملة من التحاليل الطبية تفاديا لتعريض حياته للخطر إذا ما تم تأكيد إصابته بمرض الهيموفيليا. الهيموفيليا يمكن أن تؤدي إلى الإعاقة الحركية أو الوفاة وفي حالة إصابة المريض بنزيف مستمر على مستوى العضلات أو المفاصل فان المريض يكون عرضة للإصابة بالإعاقة الحركية نظرا لعدم قدرته على التحرك نتيجة احتقان الدم في هذه المناطق حسب ما صرح به البروفيسور “رامون”. إلا أن ذلك لا ينف احتمال تعرض المريض لخطر الموت إذا ما تعرض لحادث خاصة إذا كانت الإصابة على مستوى الرأس، بحيث سيكون من المستحيل إيقاف النزيف الداخلي الذي نتج عن هذا الحادث، وهو ما أكدته البروفيسور “بلهاني”. وبالتالي فإن أي عملية جراحية وان كانت بسيطة فإنها تشكل تهديدا على حياته. إسلام: “الهيموفيليا أكسبتني شخصية قوية” وخلال تواجدنا بمستشفى بوزريعة وبالضبط في قسم أمراض الدم التقينا الشاب “إسلام” صاحب 21 ربيعا من مدينة زرالدة، وهو يهم بالخروج من المشفى بعد أن أتم فحوصاته الدورية التي يقوم بها كل 3 اشهر، اقتربنا منه وطلبنا منه أن يحدثنا عن مرضه ففتح لنا صدره بكل صدق وقال “لست الوحيد المصاب بهذا المرض في عائلتي لأنه يوجد مصابون به من عائلة والدتي”. وواصل حديثه بنوع من التأسف والحزن “لم يكن مرضي مشكلا بالنسبة لامي أو إخوتي إلا انه كان سببا في تحديد أسلوب معاملة والدي لي، لأنني منذ صغري أحسست بان والدي بعيد عني ويتجنب الاقتراب مني بسبب هذا المرض حتى اتسعت المسافة بيننا، لأنه كلما حدث لي نزيف لا يهم إلي كأي والد يخاف على ولده وإنما يتذمر وينظر إلي بنظرة تحمل العديد من المعاني وكأنه يتهمني بأنني سبب مرضي وكأنني أردت ذلك لنفسي، وكأنني لا أريد أن أحيا من دون كل هذه الأدوية التي يتوجب علي تناولها دائما لكي اضمن استقرار حالتي الصحية، وهو عكس تصرف والدتي التي تقبلت مرضي وعمدت إلى دعمي ومساعدتي في كل الأوقات دون أن تدخر أي جهد”، مشيرا في ذات الوقت إلى أن معاملة والده كانت شديدة التأثير عليه في صغره إلا انه الآن قد تجاوز هذه المرحلة ولم يعد يتأثر بكل ما يقوله أو يفعله، إلا انه يشكره من جهة أخرى على انه لم ينصع إلى الخرافات المعمول بها في مجتمعنا والتي تقضي بمعالجة المريض تقليديا من خلال القطع وغيرها من الطرق. وعلى اعتبار انه طالب في الحقوق تخصص قضاء إداري وكذا طالب في علم النفس فانه أكد انزعاجه في بعض الأحيان من مرضه، لأنه عند تعرضه إلى نزيف أثناء فترة الامتحانات يؤثر ذلك عليه نتيجة عدم توفر الدواء إذ يجبره ذلك على التغيب ومن ثمة عدم اجتياز الامتحان، وعلى الرغم من ذلك فانه يعد من بين الأوائل بمعدل 20/13 .أما فيما يتعلق بتأثير هذا المرض على حياته الاجتماعية فقد أشار إلى أن هذا المرض لم يكن عائقا أمام إقامته لمختلف علاقات الزمالة والصداقة، بحيث أن لديه العديد من الأصدقاء وكذا صديق مقرب إليه يدرس معه وهو يعاني من مرض السكري، هذا ما يجعلهما الأكثر قربا وتفهما لبعضهما مقارنة بباقي أصدقائهما، وعلى الرغم من ذلك فقد قال “إن المستشفى قد اخذ الكثير من وقتنا وحياتنا إن لم نقل نصفها،لان مريض الهيموفيليا إذا قصد المستشفى فان ذلك يكون لغايتين، إما لإجراء الفحوصات أو بسبب تعرضه لنزيف يهدد حياته”. عبد العزيز “بسبب مرضي تأخرت في معالجة أسناني” أما عبد العزيز، ذو 17 سنة فقد صرح ل«السلام” بأنه المصاب الوحيد في عائلته بالهيموفيليا، مردفا بقوله أن مرضه هذا قد اثر على مشواره الدراسي على اعتبار انه يدرس في القسم الثاني بالطور الثانوي، من حيث انه يضطر في كثير من الأحيان إلى التغيب عن حضور الدروس لكي يتجه إلى المستشفى بسبب تعرضه إلى النزيف أو للقيام بإجراء الفحوصات، وعلى الرغم من ذلك فانه تحصل هذا الفصل على معدل 20/12. وفي نفس السياق ذكر بأنه قد تم تأخير معالجة أسنانه منذ عامين خوفا من تعرضه إلى نزيف أثناء إجراء ذلك إلا انه من جهة أخرى أكد بان هذا المرض لم يؤثر على علاقته مع عائلته، زملائه، جيرانه وأصدقائه. وفيما يتعلق بتأثير حالة الجو على صحته فقد ذكر بأنه في فصل الصيف يجب عليه أن يتفادى كل فعل يؤدي به إلى التعب والإجهاد. سمير: “الهيموفيليا أثرت على مساري الدراسي” فيما ذكر الشاب سمير ذو 24سنة ربيعا من ولاية بومرداس، بان هذا المرض قد اثر بشكل كبير على دراسته في الصغر ما دفعه إلى مقاطعتها والتوجه إلى إحدى مراكز التكوين بهدف إجراء تكوين في الإعلام الآلي، وقد كان له ذلك بحيث انه تحصل على الشهادة في هذا المجال. كما عبر “سمير” عن انزعاجه من عدم توفر الأدوية في بعض الأحيان ما يجعلهم -مرضى الهيموفيليا- مجبرين على مكابدة ألامهم خاصة في فصل الشتاء، أين يشعر المريض وكأن مفاصله قد تجمدت على حد تعبيره. كما ذكر سمير ل«السلام” بأنه متزوج وسيصبح والدا عن قريب، مشيرا إلى أن مرضه لم يؤثر لا على حياته الشخصية ولا الاجتماعية وهي نفس وضعية شقيقي لكونه هو الأخر مصاب بالهيموفيليا. أم أسامة: “أبنائي يعانون الأمرين” أما أم أسامة، فقد عبرت لنا عن معاناة ولديها أسامة 22 سنة متحصل على شهادة في الإعلام الآلي، وزهير إسلام ذو 18سنة، تحدثت معنا بكل صراحة عن تجربتها في معايشة مرض ابنيها “في بداية الأمر مع ولادة أسامة كان من الصعب علي تقبل حالة ابني لكن مع ازدياد زهير تعودت على الوضع وتقبلته”، كما تذمرت في سياق حديثها مع “السلام” من عدم منح المصابين احتياطا من الدواء للحالات الطارئة، فمثلا البارحة عانى ابنها الصغير في الليل من ألام حادة على مستوى المفاصل وكان الدواء قد نفذ، وبطبيعة الحال المستشفى مغلق ليلا، لذا جاءت مع بزوغ نسمات النهار إلى المستشفى من اجل إخضاعه للعلاج، كما ذكرت بأن ولديها يعانيان في فصل الصيف من النزيف على مستوى الأنف. الوقاية خير من العلاج وفي نفس السياق أكد البروفيسور “رامون” بأن الوقاية هي الحل الوحيد للحد من انتشار هذا المرض الذي يصيب كل مواطن من بين 10000 مواطن جزائري، وذلك من خلال القيام بإجراء تشخيص للأولاد قبل ولادتهم، وهو ما يتطلب توفير العديد من التقنيات الطبية المعقدة مع ضرورة تكوين المختصين الأكفاء لذلك، وهذا بالموازاة مع سن القوانين التي تفرض على الزوجين القيام بهذه التحاليل.