سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد الرحمن بن خالفة: إمكانات الجزائر كفيلة باستيعاب 60 ولاية استثمارية ذات اقتصاد قائم بذاته قال إن الحكومة مطالبة بالصرامة المدروسة في الإنفاق تحسبا لأزمات محتملة
أكد عبد الرحمان بن خالفة الخبير المالي والمستشار الاقتصادي، أن الجزائر مهيأة حاليا لإستيعاب 60 ولاية استثمارية قائمة على اقتصاد خاص مستقل بذاته، بحكم الإمكانات الضخمة التي تتوفر عليها بعض البلديات بما يجعلها تواكب نشاط أكبر ولايات الوطن، موضحا أن ما اتفق على إدراجه مؤخرا في كنف السياسة الاقتصادية والمالية المحلية بمسمى «سياسة التقشف» ما هو إلا بسياسة «ترشيد للاستهلاك والإنفاق المحلي ». شدد بن خالفة في حوار خص به أمس «السلام» على ضرورة تبني الحكومة لإستراتيجيات اقتصادية بعيدة المدى لتفادي الانهيار تحت ضغط أزمات اقتصادية محتملة مستقبلا، وذلك من خلال الصرامة في تطبيق ترشيد فعلي في استغلال ما وصفه بالبحبوحة المالية التي تعيشها الجزائر حاليا. كما هو معلوم لديكم، أعلنت الحكومة مؤخرا اعتماد سياسة تقشف حذرة للتأقلم مع تداعيات الأزمة المالية العالمية، في رأيكم إلى أي مدى ستكون المبادرة ناجعة وما تأثيرها على النسيج المؤسساتي ومخطط الإنماء ؟ طبعا الجزائر كغيرها من البلدان التي مستها تداعيات الأزمة المالية العالمية مؤخرا والتي اختلفت وطأتها من بلد إلى آخر، وعليه يمكن تصنيف الجزائر في خانة الدول الأقل تضررا من إفرازات هذه الأزمة، وبالتالي لا يمكن وصف ما أعلنته الدولة مؤخرا تحت مصطلح سياسة التقشف بالتقشف الفعلي مقارنة مع أكبر الدول الاقتصادية في العالم على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تبنت فعلا هذه السياسة بشكل جعلها تقدم على غلق عدد من المؤسسات والشركات العامة والخاصة، في المقابل دولتنا حافظت على دورية عملية رفع معاشات التقاعد مثلا، بل وقامت بإعادة جدولة العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يتنافى كليا مع المعنى الحقيقي لكلمة تقشف، وعليه يمكن وصف ما تقوم به الدولة حاليا بعملية ترشيد للاستهلاكوالإنفاق المحلي الذي يجب تجسيده بالتدرج بداية بالكماليات ثم الانتقال إلى منابع الإنفاق الأقل أهمية ثم إلى تلك الكبرى. إذا فيما تتجسد سياسة الترشيد هذه ؟ كما سبق وقلنا الجزائر ليست في حاجة للمرور إلى سياسة التقشف بل هي مجبرة على انتهاج برامج وسياسات اقتصادية أكثر صرامة تماشيا مع الوضع الراهن، من خلال تشجيع الاستثمار ونشر جو المنافسة الإيجابية دون التفريق بين المؤسسات المحلية والأجنبية الأمر الذي سيشجع الانفتاح الاستثماري الخارجي في البلاد، وهذا كله من مظاهر الترشيد الذي تحدثنا عنه في البداية، وفي هذا السياق أدعو إلى ضرورة المسارعة إلى تثبيت رؤيا ومنظور خاص بالجزائر تجاه الاستثمار الأجنبي فيها، من خلال تثبيت المزايا الممنوحة للمستثمر الأجنبي من الناحية القانونية مثلا حتى لا تتغير بتغير قوانين المالية بشكل قد يخل بتوازن المعادلة المنفعية بين الطرفين لصالح المستثمر الأجنبي. بلغت موارد صندوق ضبط الإيرادات حدود ال 5500 مليار دينار أي ما يعادل حوالي 75 مليون دولار مع نهاية 2011، هل يمكن لهذا المستوى من الموارد أن يسمح بتحقيق تغطية كاملة للعجز؟ نعم يمكن تحقيق هذه الغاية لكن في حال ما إذا تم تخصيص موارد الجباية العادية لتغطية تكاليف التسيير الخاصة بالمصالح العمومية أو ذات طابع المنفعة العامة البعيدة عن معترك القطاع الاقتصادي، وجعل جباية الثروة البترولية مصدرا لدعم الاستثمارات الاقتصادية المختلفة النشاطات، هذا علما أن خزينة الدولة تعرف فائضا في السنوات الأخيرة، و في هذا السياق تكون الدولة مجبرة على النظر في آليات جديدة تسمح بتحرير المبادرات الاقتصادية التي تبقى مكبلة ومحدودة النطاق في الجزائر نوعا ما بحكم طغيان الجانب القانوني على تعاملاتها وسيرورة نشاطاتها، في الوقت الذي من المفروض أن تمنح الحرية التامة للصفقات والتعاملات والمشاريع الاقتصادية بشكل يدفع عجلة الاقتصاد المحلي لكن بما يسمح به القانون، هذا كما يعاب على الحكومة الجزائرية منح الأولوية لهيئات الرقابة الأجنبية في الإشراف على نشاطات المؤسسات المتمركزة في التراب الوطني المحلي بدلا من لجان المراقبة المحلية الأكثر دراية بواقع وجو الاقتصاد الجزائري، وعليه تكون العوامل السابقة الذكر قد ساهمت إلى جانب بعض الجزئيات البسيطة في إقحام الاقتصاد المحلي في دوامة شكلها الصراع الهدام أحيانا بين المؤسسات المحلية ونظيرتها الأجنبية بشكل يؤثر بالسلب على استقرار الاقتصاد الجزائري. ما قولكم بخصوص تسخير الدولة لمبلغ 113 مليار دينار من خزينتها خلال 9 أشهر لتطهير ديون المؤسسات العمومية والصغيرة والمتوسطة؟ هذه المبادرة تندرج في إطار ما يعرف ب «مخططات النجدة» التي أطلقتها الدولة لإعادة جدولة ديون المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي باتت تشكل جزءا كبيرا من هيكل الاقتصاد المحلي، حيث سمحت هذه السياسة التي تم انتهاجها سابقا من طرف عدد من الدول الكبرى في العالم بإنقاذ العديد من الشركات والمؤسسات الخاصة والعمومية من شبح الإفلاس هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان لها دورا اجتماعيا جد فعال تمثل في حفاظها على ما يسمى ب «حوض التوظيف» الذي يعني اليد العاملة التي كانت تشكل فريق عمل هذه المؤسسات، لكن و في السياق ذاته لا يمكن لمخطط النجدة هذا أن يتحول إلى إعانة ظرفية سلبية لا يلتزم فيه المعنيون به بمضاعفة جهودهم لإعادة بعث نشاط مؤسساتهم والمساهمة في تطوير الاقتصاد المحلي، ولتفادي ذلك من المفروض أن تلزم مثل هذه المخططات المستفيدين منها بعقود قانونية تضمن الاستغلال الجيد للأموال الكبيرة التي ضخت في خزائن هذه المؤسسات، وتفاديا لأي تجاوز أو استهتار في المستقبل، هذا إلى جانب تشكيل لجان تقييم خاصة تعمل على تحضير تقارير دورية كل ستة أشهر قصد الوصول إلى التنبؤ مسبقا بنسب نجاح أو فشل عملية النجدة هذه، ووجب على الدولة الانتقال رفقة هذه المؤسسات إلى مرحلة ما بعد النجدة وهي مرحلة تقييم ما حققته هذه المؤسسات من خلال استغلالها لأموال النجدة التي منحت لها، وهنا يجب على الدولة انتهاج الصرامة التامة تجاه كل من استهتر بهذه المبادرة ولم يستغل أموالها لتحقيق المنفعة من خلال فرض عقوبات على المسؤولين، وبالتالي وبعد كل ما سبق ذكره يكون النسيج الاقتصادي قد أخذ حقه كاملا من دعم الدولة بشكل يجعله في غنى عن أية أعذار أو مبررات. من زاوية الإنفاق المالي الضخم على ميادين البناء والأشغال العمومية والصناعة والتحويل، هل ترى أن المردود في مستوى ما رصد له من أموال؟ يمكن القول في هذا الشأن أن الأموال التي سخرت في قطاع المرافق العمومية قد سمحت في خلق وتوفير المناخ والأرضية الملائمة للاستثمار المحلي وتشجيع الاستثمار الأجنبي بحكم شبكة الطرقات التي أنجزت مؤخرا على غرار الطريق السيار شرق غرب، وعملية إعادة ترميم وتطوير المطارات وغيرها من الإنجازات القاعدية الأخرى، وهو ما سيسمح للعديد من الولايات والبلديات الكبرى على غرار العلمة التابعة لولاية سطيف من تنشيط حركة الاقتصاد والاستثمار فيها في ظل توفرها رفقة العديد من البلديات الأخرى الكبيرة على الموارد والثروات الكفيلة بوصولها إلى تحقيق فوائد تضاهي تلك التي تحققها كبرى الولايات في الوطن، وعليه فالجزائر مهيأة لإستعاب حوالي 60 ولاية قابلة لأن تكون منتجعات اقتصادية بامتياز يمكن حتى أن تستقل مستقبلا باقتصادها الخاص بشكل يجعلها أهلا لحمل لقب «العواصم الاقتصادية»، ولتحقيق هذا الإنجاز الكبير الذي سينقل الاقتصاد المحلي نقلة نوعية ليواكب ويجارى أقوى إقتصادات دول العالم لا بد على السلطات المعنية خاصة والدولة عامة السهر على توفير آليات الاستثمار وكل المرافق اللازمة على مستوى كل ولايات الوطن بدلا من انحصارها في كبرى الولايات.