تغيرت كثيرا في السنوات الأخيرة أعراس عاصمة الاوراس باتنة، فبعد أن كانت التقاليد سمة بارزة وشرطا ضروريا لابد من تواجده، أصبح الاعتماد على البصمة التقليدية في الأعراس شرطا ثانويا وأحيانا كثيرة غير مرغوب فيه، ويظهر ذلك جليا وبوضوح بدءا بمراسيمالحفل، مرورا بالشروط الكثيرة التي ترهق كاهل عائلتي العريسين، وصولا بالأطباق العصرية والحلويات المختلفة التي غزت موائد الأعراس، وانتهاءا بمكان إجراء العرس، فبعد أن كان منزل العريس والعروس على حد سواء يعيش أجواء من الفرحة والبهجة أثناء حفلالزواج، أصبحت تلك الأخيرة حزينة وبائسة بعد أن هجرها أهلها مخيرون، واستبدلوها بأماكن أكثر رفاهية وإغراءا، والمتمثلة في قاعات الأفراح وما أكثرها هذه السنوات بولاية باتنة . غيّرت «موضة» إحياء حفلات الزواج في القاعات بدل المنازل بولاية باتنة، من طعم ونكهة أعراس زمان التي كان عبقها وشهرتها معروفة على المستوى الوطني، بل وأصبح المغتربون من سكان الاوراس الكبير يستغلون عطلهم للعودة إلى أرض الوطن لحضور تلكالأعراس فحسب، والتي تكون فيها الشخشوخة والبارود والخيالة و»الحنة» جوهر العرس وملتقى الأحباب والخلان، ولكن التأثر بما هو حاصل خارج الجزائر، جعل من الداعين إلى إقامة أعراس على طريقة المسلسلات المكسيكية والتركية، واقعا قلّب كفة الموازين لصالحهؤلاء، فأصبح الآباء يرضخون لطلبات الأبناء «العرسان» بإقامة أعراس في قاعات لا يستغرق بقاؤهم بها أكثر من 10 ساعات لا غير. قاعات أعراس لكل الفئات والأفضل لمن يدفع أكثر كشفت الجولة الاستطلاعية التي قامت بها «السلام»، للعديد من القاعات المخصصة للأعراس والأفراح بولاية باتنة، عن عالم آخر من تجارة المال والأعمال، حيث قدرت مصادر مختصة في شؤون كراء قاعات الأفراح جني أصحابها للملايين سنويا خاصة في فصلالصيف، كشفت عن وجود أكثر من 90 قاعة مختلفة الأحجام والأشكال والخدمات وبالتالي الأسعار التي تلعب دورا كبيرا في الإقبال على قاعات دون غيرها، حيث أكد لنا بعض المتحدثين أن هناك ثلاثة أنواع من قاعات الأفراح بباتنة، الأولى مخصصة للعائلات الفقيرة والتييقدر سعر كراء الواحدة منها عن 4 ملايين كحد أدنى، وهي عبارة عن مجموعة من الغرف بها كراس وبعض الافرشة لجلوس النساء، و»ڤاراج» به طاولات خاص بالرجال، تليها في الترتيب قاعات أعراس للعائلات المتوسطة والميسورة الحال يقدر سعر كرائها ب8 ملايين،وينطبق عليها نفس مواصفات النوع الأول مع بعض الروتوشات كتوفير مكيفات هوائية و»ديسك جوكي» وغرفة واسعة لآهل العروس وأخرى خاصة بالعروس نفسها، تتناول فيها رفقة زوجها وجبة العشاء لوحدهما، إضافة إلى بعض الأمور المتعلقة بالديكوروالإكسسوارات كالخيوط الملونة والزرابي المعلقة على جدران الغرف، مع الإشارة إلى أن أغلب قاعات الأعراس بولاية باتنة، عبارة عن منازل كبيرة بها عدد معتبر من الغرف الواسعة مع تخصيص الطابق الأرضي للرجال دائما. وبإمكان العائلات الغنية في ولاية باتنة، وما أكثرها خاصة تلك التي تحب التميز وتهتم بالمظاهر، أن تجد لنفسها عالمها الخاص الذي يميز عرسها عن باقي الأعراس، من خلال كراء قاعة حفلات بمواصفات راقية وفخمة يتراوح سعر كرائها بأكثر من 12 مليون فما فوق،ونشير هنا أن مثل هذه القاعات توفر خدمات مميزة وتريح العائلة من كل ما يتعلق بتلك الليلة، حيث يقتصر دور العائلة في مثل هذه القاعات على استقبال المعازيم والاهتمام بهم حيث تشترط على أهل العرس عدم التدخل في عمل المكلفين بخدمة المعازيم، حيث يكون صاحبالعرس ملزما بتوفير المادة الأولية من خضر وفواكه ولحم لتحضير وجبة العشاء، والتي يشرف عليها طباخون لهم خبرة في الميدان، كما تشترك الأنواع الثلاثة من قاعات الأفراح السابقة الذكر في مدة مكوث آهل العرس بها وهي من منتصف النهار إلى غاية منتصف الليل،أي بمعدل لا يزيد عن 10 ساعات، تنفق خلالها عائلات باتنة الملايين على كراء القاعة دون احتساب باقي المصاريف الأخرى وما أكثرها. حضرت الألوان وغابت التقاليد غابت كل مظاهر الأعراس التقليدية بولاية باتنة، وحضرت مكانها الألوان الأخرى من أكلات عصرية لأقصى الحدود، وحلويات مليئة بمختلف أنواع المكسرات، وألبسة باهظة الأسعار، جعلت من أعراس باتنة غريبة عن أبنائها، فغابت الشخشوخة الحارة وحضر مكانها«طاجين الرخام» واختفى الحاف والقفطان والجبة... واحتلت مكانه ألبسة أليسا وأزياء لميس وتسريحات مريام فارس وماكياج هيفاء وهبي وإكسسوارات نانسي عجرم وغيرها من المظاهر الدخيلة على أعراس باتنة، تقول بعض السيدات اللائي سألتهن «السلام» خلال إعدادنالهذا الملف. تقاليد أعراس باتنة أصبحت في خبر كان والباقي سيأتي في السنوات القادمة، هذا ما أكدته لنا عديد السيدات التي تحدثنا معهن في الموضوع، حيث أشارت إحدى مصممات الملابس التقليدية في باتنة، إلى أنه رغم الإقبال الكبير على اقتناء الأزياء التقليدية في الأعراس من طرفالسيدات إلا أن تأثر الشابات خاصة بالمسلسلات التركية، جعل من أزيائهن تقتصر فقط على السيدات المتزوجات خاصة. كما كان لاختفاء مظاهر الخيالة والبارود وحتى البندير وقعه الكبير على تراجع «ثقل» أعراس الاوراس، فقلّما تجد في صالات الأعراس نسوة يغنينباستعمال البندير الذي تم استبداله «حصريا» ب»الديسك جوكي»، كما صنع غياب فرق الرحابة عن أعراس القاعات جوا مختلفا كثيرا عن ذلك الذي ألفه الباتنيون خلال سنوات ليس بالبعيدة، حيث وفي أحسن الأحوال وإذا كان لآهل العرس علاقة وطيدة بصاحب قاعة الحفلاتفإنه «سيتكرم» عليهم بساعة أو اثنتين إضافيتين ليغني خلالهما مطرب من مطربي هذا الجيل، كون صاحب القاعة بمجرد انتهاء وجبة العشاء يبدأ في مطالبة أهل العرس بإخلاء القاعة ليستقبل فيها عرسا آخر، وهو ما يرضخ لها أهل العرس مجبرين رغم الجدال المصاحبلذلك، والذي يتحول دائما إلى ملاسنات حادة بينهم وبين صاحب القاعة تنتهي بانتصاره عليهم. أكثر من 10 ألاف دج ثمن وجبة للعروسين لا يتناولانها اتفق كل من تحدثنا إليهم حول موضوع الأعراس في باتنة، عن التبذير الفظيع للعائلات الباتنية في تلك الليلة، ويكفي كدليل على ذلك تخصيص مبلغ لا يقل عن ال 10 ألاف دج لتحضير وجبة العشاء للعريسين فقط، وهي المائدة «المرصعة والمكتظة» بأغلى المكسرات وأشهىالوجبات، وأحدث طرائق إعداد الأكلات على الطريقة الغربية طبعا، فلا مكان للوجبات التقليدية ولو على سبيل «الاستئناس». عائلات مضطرة وأخرى يدفعها التظاهر إلى كراء قاعات بأسعار خيالية وقفنا خلال إعدادنا لهذا التحقيق على تفاصيل كثيرة غيّرت أعراس باتنة، حيث تلجأ بعض العائلات إلى كراء قاعات الحفلات مضطرة بسبب ضيق المنزل، وأحيانا بسبب العدد الكبير من المعازيم، فتخيل عرسا في عمارة تقول إحدى السيدات وما سيصاحبه من معاناة كبيرةوحقيقية أثناء مراسيمه، خاصة تناول وجبة العشاء وغيرها، غير أن أغلب العائلات تلجأ لقاعات الأعراس للتظاهر من جهة ورغبة منها في عدم تغيير ديكور منزلها أسبوعا قبل، فتفضّل كراء قاعة مجهزة بكل شيء على الدخول في رحلة التنظيف والبحث عن الأفرشةوالأغطية، كما أن أعراس القاعات تنتهي بانتهاء وجبة العشاء على عكس أعراس المنازل العادية، حيث يتكبّد آهل العريس عناء استضافة المعازيم لمدة أطول قد تستغرق اليومين بالنسبة للمقيمين في تلك الولاية والأسبوع للمقيمين خارجها. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة وهي أن أعراس منطقة الأوراس، قد فقدت طعمها التقليدي ونكهتها الأصيلة، فغابت مظاهر حناء العروس والعريس على حد سواء، عندما كانت والدة العريس عقب انتهاء العرس تقوم بجمع أصدقاء وأقارب ابنها من عمره وتقوم بطلاء يدهبالحناء وبطريقة تقليدية، ثم تلتفت إلى كل الحاضرين غير المتزوجين لتقوم بنفس الشيء معهم تيمنا بذلك وليكون العرس القادم لأحدهم، ونفس الشيء بالنسبة للعروس الفتاة، حيث تلتف حولها صديقاتها في مظهر غاب منذ مدة عن الأعراس بباتنة، بسب مظاهر التقليد الأعمىحقيقة حسب أغلب من رصدنا آراءهم في الموضوع ، مؤكدين صدق المثل الشعبي القائل «الجديد حبو، والقديم لا تفرط فيه».