ترسخ لدى السطايفين مفهوم احترام عادات وتقاليد الآباء والأجداد منذ القدم، من خلال تمسكهم بالحفاظ على تقاليدهم وعاداتهم وفق طقوس تقليدية قديمة بقيت راسخة رغم تحديات العصر وتطور المجتمع في مختلف مجالات الحياة، ويعد بالنسبة للمرأة "البينوار السطايفي" او كما يسمى "شرب الزدف" رمز من رموز الأنوثة، ولباس لابد من حضوره في جهاز العروس، وعلى الرغم من مر العصور والسنون الا أن "شرب الزدف" او كما يحلو للبعض تسميته ب"الزدف" ما زال يحافظ على قيمته، بل وبات من أغلى الألبسة عبر المحلات بولاية سطيف والولايات المجاورة، "السلام" حاولت من خلال هذا (الروبورتاج) التطرق الى جوانب تخص هذا الموروث الثقافي الذي ما زال يتحدى عامل الزوال. لمذا سمي ب"البينوا؟" ربما ما يخفى على الكثيرين هو أصل تسمية الفستان الذي تلبسه المرأة السطايفية "البينوار"، كما ان الكثيرات من بنات سطيف والولايات المجاورة لم تطرح على نفسها قط سؤال حول ما تعنيه كلمة "البينوار"، بالرغم من انه يسترها على مر السنوات، وتتباه به في مختلف الأعراس والمناسبات، وعلى العموم فإن تسمية الفستان السطايفي ب"البينوار " تراوحت في عدة روايات فمنهم من يرجح التسمية الى عائلة في سطيف تنحدر من منطقة بانوار المتاخمة لجبال البابور والحدودية مع ولاية جيجل، العائلة يقال انها ارتحلت الى سطيف واستقرت بها قبل ان تكشف احدى بناتها عن خياطة على الطراز المعروف اليوم بانتساب هذه العائلة "بالنوار"، ومع مر السنوات تغيرت التسمية وأصبحت "بينوار"، لكن هناك رواية أخرى تقول ان "البينوار" هو من هيكلة عائلة كانت تحمل لقب "بولنوار" وهي من جنوب الولاية، لكن الرواية الأرجح حسب العارفين هو أن تسمية "البينوار" جاءت مشتقة من "النوار" أو الزهر والورود، لأن القماش الذي يصنع به "البينوار" غالبا يكون مزركشا بالورود واوراق الأشجار ما جعل تسميته تتحول من "بونوار" الى "بينوار". مصممات أبين التخلي عن تصميم "البينوار" العديد من مصممات وخياطات هذا النوع من الفساتين، وعلى الرغم من التطور الكبير الذي طال العديد من الملابس التقليدية التي أصبحت تستهوي عددا كبيرا من شابات الجيل الجديد والخياطات على حد سواء، يفضلن "بنوار شرب زدف" بشكله ولمسته التقليدية للارتباط بفساتين الجدّات والأمهات المرتبطة أصلا بالموروث الثقافي التقليدي للمنطقة. تقول "قمير"، مصممة أزياء من سطيف، إن تغييرات كبيرة مست "البنوار السطايفي" عبر إدخال تطريزات متنوعة عليه وكذا تزيينه بالحرج، وإضافة قطع من أقمشة مختلفة الألوان والتصاميم، كما أن من الخياطات من قامت بتغيير قصته باستبدال الجزء السفلي منه بسروال. وتعتبر السيدة "قمير" هذه التصاميم الجديدة التي طرأت على "البنوار السطايفي" أو "شرب زدف" كما يحلو للسطايفيات تسميته، غير مقبولة تماما لأنها جعلته لا يشبه تماما ذاك الذي كانت ترتديه الأمهات والجدات في الماضي، والتصاميم الجديدة لا يمكنها أن تعبّر عن "البنوار السطايفي" الذي تشتهر به المنطقة والمتميز بأسلوب خياطته التي تعرض أصالة وتقاليد ولاية سطيف. وعلى الرغم من عدم اقتناعها بالفكرة إلا أن السيدة "قمير" تقوم بإدخال هذه التعديلات عليه أحيانا إرضاء لزبوناتها لأن معظمهن شابات ومن الجيل الجديد، وهي لا تريد أن تخسرهن إلا أنها تقوم دوما بمحاولات عديدة حتى تقنعهن بالمحافظة على الشكل الحقيقي ل"البنوار السطايفي". ل"لبينوار" خياطة متميزة وأسلوب خاص بنوار "شرب زدف" يتميز بأسلوب معين في الخياطة، حيث يكون فضفاضا من الأعلى إلى الأسفل دون أكمام، يزين صدره ب"الدنتال" والأحجار اللامعة أو ب"الدنتال" وتطريزات على شكل ورود أو أشكال هندسية أخرى، وبالإضافة إلى هذا فإن السيدة "قمير" على يقين بأن ظهور نوع من الميول لدى بعض الفتيات أو الخياطات على حد سواء إلى هذا النوع من التغيير، إلا أن ذلك -حسبها- لا يمكن أن يستمر، خصوصا أن غالبية النساء السطايفيات يرفضن هذه التغييرات لأنها تجعل من بنوار "شرب زدف" يشبه أنواعا أخرى من الألبسة، وبالتالي فهو لن يعبّر عن تراث العَمْريات أو السطايفيات، كما أن العديد من الموديلات ظهرت على "شرب زدف" على مدى السنوات الماضية، والتي سرعان ما تعرضت للزوال والاندثار أمام الرفض وعدم الاهتمام الذي لاقته. من جهتها ترى "إيمان. ع"، مصممة أزياء وصاحبة ورشة خياطة، أن هذه التصاميم المعاصرة لهذا الثوب التقليدي قد تكون مقبولة، خاصة أن المرأة السطايفية أصبحت تبحث عن التغيير، فالمرأة بطبعها تبحث عن الجمال والتغيير في كل مرة. وقالت "إيمان" إنها ترغب كثيرا في التمسك بأسلوب خياطة هذا "البينوار" وهو الأمر الذي تعتبره تمسكا بعادات تقليدية وموروث ثقافي وتراث قديم بدأ في الاندثار، غير أن العديد من الزبونات يطلبن دائما إضفاء لمسة جديدة على "شرب زدف" لذا فإنها مضطرة إلى إرضائهن حتى لا تخسرهن. نساء يفتخرن بها ومحزمة "اللويز" مرافقها الدائم تتمسك العروس السطايفية بلباس عرسها التقليدي المتمثل في "الجبة السطايفية" التي تتفنن في لمساتها وارتداء أنواع مختلفة منها، تقول خديجة، من عين الكبيرة بسطيف "لباسنا التقليدي والمتمثل في الجبة السطايفية حافظنا عليها، وتعودنا عليها منذ القدم ونحن نفضّله على اللباس العصري الحديث رغم كل شيء، إذ يضفي على المرأة جمالا لا مثيل له وتميّزا للمرأة السطايفية التي لا تكون دونها"، كما أن ارتداءه لا يقتصر على حفلة العرس فقط بل ترتديه المرأة في كل المناسبات الأخرى. وتقول وردة، 34 سنة أن "محزمة اللويز" التي ترافق دوما الجبّة السطايفية، وهي عبارة عن حزام مرصوص بجواهر "اللويز" والذهب الخالص لا يمكن للسطايفية الاستغناء عنها ولا يمكن لعروس أن تكون كذلك دونها مهما كان مستواها الاجتماعي، بل إن عدم إحضار المرأة لهذه المحزمة يعد عيبا وعارا لما تحمله من معاني سامية منذ القدم، إذ لا تستغني المرأة السطايفية عن لباسها التقليدي وتعتبره تاج رأسها الذي يعد أساس جمالها وأناقتها، ولا يضاهيه أي لباس عصري آخر مهما كانت قيمته، ورغم التجديدات التي طرأت على اللباس السطايفي من تصاميم جديدة غير أن ذلك لم يزدها إلا تألقا دون المساس بأصالتها، أما محزمة "اللويز" فهي أغلى وأثمن حلّة تتباهى بها المرأة السطايفية وتعتبرها جزءا لا يتجزء منها، حيث تحرص كل أم سطايفية على تحضيرها لابنتها منذ الصغر وذلك بشرائها لحبات "اللويز" حبة بحبة ولو استدعى الأمر على حساب مصروفها اليومي، إلى أن تقدمها لها كاملة غير منقوصة منها حبة واحدة يوم زفافها وتكتكا معها سمة المرأة بأتم معنى الكلمة. "الزدف" يكسر الأسعار وقد يصل إلى 22 ألف دج بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن أية فتاة سطايفية مقبلة على الزواج لا يمكنها الاستغناء عن "شرب زدف" لأنه رمز للأصالة والعراقة على الرغم من ارتفاع سعره الذي يتراوح ما بين 14 و18 ألف دج، وهناك أنواع من الخياطات المستحدثة على "الزدف" اوصلت قيمته الى ما يزيد عن 22 ألف دج، فتحديد سعره يكون حسب اللون ونوع القماش، فلا نجد عروسا سطايفية تغادر بيت أهلها دون "البنوار السطايفي" وهي مجبرة على أخذه معها مهما كلفها من ثمن. وبين مؤيدة ورافضة لفكرة إدخال تغييرات على "البنوار السطايفي" أو "بنوار شرب زدف" فإن الأخير كان وسيبقى مفخرة المرأة السطايفية.