تراجعت تجارة القماش نوعا ما مقارنة بسنوات السبعينيات والثمانينيات على حد تعبير العديد من التجار الذين التقت بهم ''الفجر'' في وسط سطيفوالعلمة وعين أزال وعين ولمان• ''الحجاب العصري'' والجلباب يعوضان ''الملاية'' و''الحايك'' أجمع تجار القماش الذين تحدثت ''الفجر'' إليهم على أن هذه التجارة كانت رائجة في زمن ''الحايك'' والذي يعرف محليا ب''العجار'' وهو قماش ناصع اللون ترتديه المرأة الشابة في تلك الفترة، وكذا''الملاية'' وهي لباس تقليدي على شكل جلباب أسود اللون كانت ترديه جداتنا ويقصر هذا النوع من اللباس على مدينة سطيف دون سواها، إذ لا تجده حتى بالولايات المجاورة كباتنة، ميلة وجيجل. والشيء الملاحظ أن هذا اللباس التقليدي بدأ يسير في طريق الزوال والاندثار، فنادرا ما يصادف المتجول في شوارع سطيف امرأة ترتدي ملاية أو حايك، وبهذا تكون رياح المودة قد عصفت بفتيات اليوم اللائي أصبحن يرتدين أرقى أنواع القماش الذي يصنع منه الحجاب والجلباب أثناء الخروج لتسوق أوللعمل أوالدراسة• قماش ''صب الرشراش'' يندثر و''شرب الزدف'' يحافظ على شهرته للقماش السطايفي تاريخ عريق وأصيل، حيث عرفت أسواق الأقمشة منذ زمن بعيد أنواع وأنواع، ولم تبق منها سوى تسمياتها المحفوظة في ذاكرة جداتنا• ولنتعرف أكثر على عالم وتاريخ القماش، اقتربنا من الحاجة فطيمة 60 سنة التي قالت إن تسميات القماش تستمد من ميزة أوخاصية موجودة بالقماش مثل ''قماش النجمة'' الذي يحتوي على نجمة أو قماش''عروق الدالية'' لتشبه النقشات الذهبية التي فيه بشكل عروق الدالية أو شجرة العنب، وكذا قماش طيور العلمة المرسوم فيه طائران، إلى جانب أنواع أخرى لم تبق منها سوى مسمياتها ك ''قماش الشام'' و''دالاس'' و''كاس العالم''، وكل هذه الأنواع من القماش كان يصنع منها فساتين الأفراح والأعراس والمناسبات وتكلف أثمانا باهضة• وعرفت منطقة سطيف كذلك تسميات جد غريبة اقترن بعضها بشخصيات سياسية ورياضية ك ''شنب شادلي'' و''خانة حمروش'' و''عفسة ماجر في إسبانيا'' وغيرها• ومن أبرز وأجود أنواع القماش التي ظهرت في تاريخ اللباس بالمنطقة هو قماش'' صب الرشراش'' الذي تغنت به المطربة الراحلة زوليخة، هو ما يدل على مكانته وسط أنواع الأقمشة التي كانت تزخر بها أسواق الأقمشة في فترة السبعينيات.. حيث كان هو القماش المفضل لدى أثرياء المنطقة، قبل أن يأفل نوره كغيره، وإن كانت هذه الأقمشة المذكورة لم يبق منها سوى أسمائها فإن ''شرب الزدف'' ظل متألقا في عالم تجارة القماش بالمنطقة محافظا بذلك على شهرته والعشق الأبدي لنساء السطايفيات له• وعرف هذا القماش منذ زمن بعيد، ولم يتسن ل''الفجر'' تحديد تاريخ ظهوره بالضبط.. فكل جدة تروي عن أمها وجدتها بأن قماش أوفستان ''شرب الزدف'' كان موجودا في زمانها وأصبح ذا شهرة كبيرة• ويعتبر من تقاليد المرأة السطايفة، لكنه ذو شهرة محلية فقط على اعتبار أنه غير معروف بالعديد من ولايات الوطن خاصة ولايا ت الغرب الجزائري، وهو ما أكدته لنا امرأة من وهران قدمت لمدينة العلمة رفقة عائلته لاقتناء أجود أنواع القماش، حيث أكدت رفقة مرافقاتها أنها لم تسمع ب قماش ''شرب الزدف'' قط إلا عند زيارتها لمدينة العلمة. أما الآنسة نادية من الجزائر العاصمة فقد أكدت بأنها تسمع عن هذا القماش لكنها لم تره بعد، وما هو قليل ونادر بالعاصمة لكن يعرف بقيمته وثمنه الباهض• وحسب ''منير'' مختص في بيع الألبسة النسائية بمدينة عين أزال، فإن ثمن شرب الزدف يتجاوز 14 ألف دج، هذا فضلا عن تكلفة خياطته التي تتعدى 6500 دج• والعروس السطايفية لا تستغني عنه أبدا ولا تغادر أهلها دونه فهو يتربع عرش تصديراتها ناهيك عن ألوانه الجذابة والمختلفة• ويقال في سطيف ''المرأة التي لا تملك في بيتها فستان ''شرب الزدف ''فإنها ليست امرأة سطايفية''•. علما أن هذا النوع من القماش يصنع بمدينة ليون الفرنسية ويكتب في المصنع على علب التي يحمل فيها رقم 19 أي أن وجهته ولاية سطيف• ''البنوار السطايفي'' ذاع صيته عبر مختلف أرجاء الوطن سطيف عروس الشرق الجزائري تصنع بعرائسها تحفا فنية قمة في الروعة والجمال، خاصة من خلال اللباس الذي ترتديه، ويطلق عليه اسم ''البنوار السطايفي'' المتميز بقماشه الحريري سواء كان مزركش الألوان أو ذو لون واحد مرصع بلآلئ أوأحجار أونقشات ذهبية وفضية ومتميز بأسلوب خياطته، فهو عريض وفضفاض ومريح يناسب مختلف الحركات• باب الحارة والتوارق وجازي وكاسندرا والأورو والبورتابل•• آخر الصيحات هي تسميات حديثة لأنواع متعددة وغالية الأثمان من القماش السطايفي، استمدت أسماءها من أفلام مكسيكية، إلى جانب ظهور قماش أطلق عليها تسميات العملات الأجنبية، وكذا البورطابل ويتجاوز ثمن المتر الواحد 3000 دج • وأكد لنا بعض باعة القماش أن موضة هذا الموسم هو قماش ''باب الحارة'' المستمد تسميته من المسلسل السوري الذي ذاع صيته في كل البيوت العربية ويتجاوز سعره 4500 دج • معظم هذه الأنواع ترتدى في الأعراس والحفلات والسهرات، أما في البيت فيحبذ ارتداء قماش الكتان نظرا لخفته وبساطته إلى جانب قماش القطيفة أو الدان اللذين تصنع منهما قندورة المجبود أوالفتلة• التصديرة يجب أن تكون من آخر صيحات القماش هي الكلمات التي رددتها معظم الفتيات مثقفات وجامعيات، لأنهن يحبذن مسايرة الموضة والظهور في أبهى حلة وكامل الأناقة، إلى جانب آخر صيحات الخياطة والتطريز• مريم، خريجة معهد الاقتصاد، أكدت لنا أنها لا يهمها شيء أكثر من التصديرة التي يجب أن تكون من آخر أنواع القماش ظهورا• صفية، طالبة بكلية الحقوق، أشارت أن قيمة التصديرة تتجاوز 10 الملايين ''وسأعمل من الآن على توفير هذا المبلغ لشراء أغلى وأفخم أنواع القماش''• أما الآنسة وسيلة، وهي طالبة بقسم الأدب العربي بجامعة سطيف، فحدثتنا عن منبت وأصل القماش.. حيث قالت إن القماش هو أساس اللباس الذي يرتديه الإنسان وتختلف ألوانه وأنواعه، فأضحى لكل موسم لباس خاص به إذا تعلق الأمر بالنساء، فقد أصبح اللباس في الوقت الحالي جزءا من الزينة بعد أن كان للستر فقط، وعرف منذ القدم فالنبي إدريس عليه السلام كان خياطا.. وهذا دليل على وجود القماش. أما المنبت الأصلي القماش فهو بلاد الشام وضواحيها وبلاد الفرس إيران التي تخصصت في صناعة السجاد ومشتقاته لتحتل الريادة بلاد الشام في صناعة القماش، وتصديره لمختلف البقاع خاصة الدول العربية على رأسها الجزائر• والمقام لا يكفي لذكر كل أنواع القماش السطايفي لأن الحديث عنها حتما سيطول. فإلى غاية كتابة هذا المقال لا تزال أنواع أخرى من القماش السطايفي، تظهر وتسميات مختلفة تبهر من يسمعها وتأسر قلب من يراها بجمالها الرائع•