يصوب السرطان سهامه ليغرسها في أجسام الآلاف من الجزائريين، عبر أنواعه المتعددة على غرار سرطان الثدي، الرحم، الدم، الرئة، الحنجرة.. وغيرها من الأنواع السرطانية الخطيرة الأخرى، التي تحصد يوميا آلاف الأرواح في بلادنا، حيث تضاعفت الإصابات خلال 10 سنوات الأخيرة بنسبة 50 بالمائة، لتسجل 44 ألف إصابة جديدة سنويا. تساهم عوامل عديدة في ارتفاع نسبة انتشار هذا المرض في بلادنا ولعل أبرز الأسباب التي سهلت من انتشاره هي ضعف المتابعة الطبية، وشح الأجهزة التي تطيل من فترة انتظار المرضى لتلقي العلاج، ونقص المعدات الطبية للكشف المبكر عن المرض، وغيرها من العوامل الخفية الأخرى التي لم يتوصل الطب لاكتشافها بعد. وتسجل وزارة الصحة، سنويا أرقاما مرعبة فيما يخص الإصابة بمرض السرطان، ففي سنة 2000 سجلت 22 ألف إصابة، لتسجل 44 ألف إصابة سنة 2012، ويؤكد المختصون، أن سرطان الثدي بالنسبة للنساء وسرطان الرئة بالنسبة للرجال، يحتلان مقدمة أنواع السرطان المنتشرة ببلادنا. ويرشح المختصون نسبة الإصابة للإرتفاع أكثر، في ظل عدم توفير مراكز مختصة لأبحاث السرطان، ووضع خطة محكمة للتكفل بالمرضى ومواصلة العلاج، كما أن أكثر ما يدعو للقلق، أن اكتشاف أسباب المرض المتوفرة حاليا لم تمكن المختصين والباحثين من إيجاد حل ناجع للتقليل من انتشاره، أو حتى التكهن بوجوده أصلا، ليبقى الفرد عرضة للإصابة به دون أن يكتشف أعراضه الأولية. كمال بوزيد رئيس مصلحة الأورام بمركز بيير وماري كوري: "السرطان يباع في أسواقنا وفرنسا أحد الأسباب الرئيسية في انتشاره" أوضح البروفيسور كمال بوزيد، رئيس مصلحة الأورام السرطانية في مركز بيير وماري كوري بالعاصمة، في عدد من المرات وعبر أكثر من منبر إعلامي، أن بلادنا تسجل 130 حالة لكل 100 ألف نسمة، وقال إن النسبة مرشحة للإرتفاع لتساوي نسبة الدول المتقدمة، كما هو الحال في فرنسا التي تسجل 300 حالة لكل 100 ألف نسمة، أو الولاياتالمتحدة الأميركية التي تسجل 400 حالة. أرجع رئيس الجمعية الجزائرية للأورام السرطانية، أسباب تزايد مرضى السرطان، إلى ارتفاع متوسط العمر لدى الجزائريين من 52 عاما بعد الاستقلال إلى 78 عاما حاليا، وتلوث البيئة، التدخين، والنظام الغذائي الغني باللحوم الحمراء، إلى جانب الالتهابات المرتبطة بانتشار بعض أنواع الفيروسات والبكتيريا، مشيرا إلى أن 10 بالمائة من الإصابات وراثية، وقال إن عدد الإصابات يسجل 44 ألف حالة جديدة سنويا وهذا الرقم مرشح للإرتفاع خلال العشر سنوات المقبلة. كما وجّه بوزيد أصابع الاتهام إلى الإشعاعات التي أحدثتها التجارب النووية الفرنسية بين 1961 و1966 بكل من أدرار وتمنراست، حيث جعلت المنطقتين تسجلان أكبر عدد من ضحايا هذا المرض مقارنة ببقية ولايات الوطن، مشيرا إلى أننا نقوم بزراعة المواد المسرطنة ونبيعها في أسواقنا، بسبب رش النباتات والأراضي الزراعية بمبيدات الحشرات التي تحتوي على مواد كيماوية تساهم في انتشار المرض. زبدي رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعية حماية المستهلك: "المنتجات الاستهلاكية بأنواعها تحمل سموما تعرضنا للسرطان" أكد مصطفى زبدي، رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعية حماية المستهلك، أن السبب الرئيسي وراء تفشي السرطان في بلادنا، راجع إلى المواد الغذائية التي تحمل سموما تؤثر بشكل كبير على صحة المستهلك، وقال إن الدراسات الحالية تثبت وجود علاقة مباشرة أو غير مباشرة لبعض المكملات الغذائية الموجودة في القائمة الممنوعة من التناول، أو التي تحمل نسبة معينة لا يجب تعديها لأنها تصبح سامة ومضرة بالصحة. وندد المتحدث، بإفراط بعض المخابز الجزائرية في استعمال المحسنات الغذائية في مختلف المنتجات كالخبز، والتي اعتبرها من أبرز مسببات السرطان، إلى جانب الملونات الغذائية التي تستعمل بكثرة بعيدا عن الرقابة، وأضاف أن السرطان يتربص بنا من كل النواحي نظرا لوجوده في المواد الغذائية، خاصة المصبرة منها، والمنسجية، وبعض المواد الكيميائية والأشعة، إلى جانب المواد الصناعية والألعاب. "لا يمكننا إنكار استيرادنا لبعض السرطانات من الصين" أكد زبدي، أنه رغم إثبات الأبحاث العلمية، أن المواد الغذائية تعد من أكثر المسببات للمرض، لا يمكننا تبرئة المنتجات الصناعية التي تساهم في انتشاره، وقال إن اتهام الأطباء للمنتجات الصينية بأنواعها في إحداث مرض السرطان أمر منطقي وغير مستبعد لأن طبيعة المكونات التي تصنع منها والتي لا تخلو من الفضلات الكيميائية تساهم بشكل كبير في الإصابة بالسرطان. وعن دور جمعية حماية المستهلك في الحد من انتشار السرطان، قال زبدي:"ما يسعنا حاليا هو التحسيس والتوعية لتوخي الحذر من استهلاك مختلف المنتجات خاصة الصينية منها، مع تكثيف الرقابة "، مشيرا إلى أن التوعية والتحسيس لن تنجح في ظل عدم توفر مخابر مختصة لتحليل ومراقبة كل ما نستهلكه من غذاء، ولباس، وألعاب، وغيرها، وقال إن السنة المقبلة ستبعث ببصيص أمل فيما يخص الحد من انتشار السرطان، وذلك بفتح المخبر الوطني للتجارب الأول إفريقيا، والذي يعنى بتحديد نوعية المواد الاستهلاكية من غذاء، وألبسة وألعاب وغيرها، وهو ما سيضمن الدقة في الرقابة والحد من انتشار الأمراض لاسيما السرطان. سليم بلقاسم مستشار مكلف بالإعلام في وزارة الصحة: "مخطط الدولة لمكافحة السرطان بعيد المدى ولا يمكننا الحكم عليه حاليا" نفى سليم بلقاسم، عدم مقدرة الدولة على تسطير خريطة واضحة وفعالة للحد من انتشار مرض السرطان، وقال إن البروفيسور مسعود زيتوني، وهو أحد الأطباء المشرفين على صحة الرئيس بوتفليقة، وضع برنامجا من أجل تتمة مخطط مكافحة السرطان حسب تعليمات الرئيس، والتي أشرف على إعدادها منذ سنة، وتتضمن اقتراحات لتحسين العلاج الكيمياوي بعد استيراد أكثر من 50 جهازا تزود بها حوالي عشرة مراكز جديدة، بهدف التخفيف عن المراكز الحالية، وأوضح المتحدث أنه لا يمكن الحكم على الخريطة إلا بعد مضي وقت من الزمن، خاصة وأنها سلمت لوزارة الصحة ودخلت حيز التنفيذ منذ شهر فقط. ويرى بلقاسم، أن تفشي مرض السرطان يعود إلى ازدياد معدل العمر وارتفاع نسبة السكان، وبرر قائلا: "السرطان يودي بحياة 13 بالمائة من الأفراد على المستوى العالمي، ومن المعروف أنه كلما ازداد معدل العمر في المجتمع تظهر الأمراض المرتبطة بالتقدم في السن، وكلما ارتفع عدد السكان فإن نسبة الإصابات مرشحة للإرتفاع". وفي الوقت الذي ينتظر فيه آلاف المرضى لوصول موعد حصولهم على فرصة لإجراء العلاج بالأشعة الذي يستغرق سنوات، وضع المستشار المكلف بالإعلام بوزارة الصحة أمله في مراكز البحث التي ينتظر استكمالها لضمان الكشف المبكر عن المرض مع توفير أجهزة العلاج. عبد النور كتاب رئيس جمعية الأمل لمرضى السرطان: "قلة توفر أجهزة العلاج والأدوية تحصد ألاف الأرواح يوميا" امتعض عبد النور كتاب، رئيس جمعية الأمل لمساعدة مرضى السرطان، من عدم بلوغ الدولة لتغطية حاجات كامل مرضى السرطان على مستواها فيما يخص التداوي بالأشعة، وقال إن أكثر من 20 ألف مريض يحتاج للتداوي بالأشعة والمراكز المتوفرة على المستوى الوطني لا يسعها استيعاب سوى 8 آلاف مريض ليبقى الآخرون دون علاج، وهو ما يساهم في ارتفاع نسبة الوفيات، ويشكل عقبة أمام نجاح العلاج. وأضاف قائلا: "الناس تموت بشكل رهيب بسبب نقص الأجهزة، ونحن كجمعية طالبنا مرارا بضرورة توفيرها واقترحنا على الجهات المعنية التكفل بعلاج المرضى، من خلال توقيع اتفاقيات مع الخواص لتوفير العلاج بالأشعة وتقليص نسبة الوفيات، إلا أن مطلبنا لم يجد له صدى". وأكد المتحدث أن بناء مراكز العلاج لا يعني شيئا في ظل انعدام الأجهزة اللازمة، مشيرا إلى العدد الهائل من المرضى الذين تقدم لهم مواعيد لأجراء علاج كيماوي وإشعاعي، بعد إجراء العملية والتي تستغرق أعواما يعاني خلالها المريض وقد يموت في صمت قبل أن يحين موعد علاجه، واعتبر الأمر غير منطقي، خاصة وأن التداوي بالأشعة بعد العملية يعد أمرا حتميا يجب الالتزام به لضمان نجاح العلاج. وعن مساهمة جمعية الأمل في مكافحة السرطان، قال كتاب إن جمعيته تعنى بمساعدة المرضى غير المؤمنين بتحديد مواعيد العلاج في المستشفيات، وتوفير الأدوية، والإقامة "بدار الأمل" للمرضى القادمين من مختلف ولايات الوطن. ودعا المتحدث الجمعيات الناشطة في هذا المجال، إلى التحلي بروح المسؤولية وتكثيف جهودها لنشر الوعي ومد التوجيهات "لأن دورنا الأكبر يتمثل في التحسيس والتوعية حتى نساهم في التقليل من ضحايا هذا المرض وتفادي تسجيل حالات أخرى جديدة التي تصل حاليا إلى 42 ألف حالة سنويا"، كما نبّه من خطر سرطان الثدي الذي تصاب به 10 آلاف حالة جديدة، ويسجل وفاة 3500 امرأة سنويا.