أجمع أساتذة جامعيين، في الملتقى الدولي الرابع حول السياسات العامة والحكم الراشد في الجزائر بكلية العلوم السياسية والاعلامية، على أن الجزائر لم ترتقي بعد إلى ترشيد حُكمها في السياسات العامة التي تسطرها، وأن سياسة عدم الإعتراف بالرأي الآخر تجعل من صناع القرار ينفردون بسياساتهم بعيدا عن المعارضة من جهة، وبعيدا عن الوسائل العلمية والأكاديمية من جهة أخرى، كما أن صناع القرار لا يفتحون المجال للجامعة الجزائرية والنخبة للمشاركة في تسطير السياسات العامة. وقال الأستاذ بجامعة الجزائر3 محمد شاطر باش، ل"السلام" على هامش انعقاد الملتقى المنظم من قبل مخبر دراسات وتحليل السياسات العامة في الجزائر والذي احتضنته كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الذهاب نحو تشييد الحكم الراشد في تسطير السياسات العمومية بالجزائر يتطلب ثقافة تقبل الرأي الأخر، معتبرا أن طبيعة نظام الحكم الحالي تجعل تسطير مختلف السياسات يتم بمعزل عن ما يجري بالمجتمع من تغيرات وتطورات، وأن نظام الحكم لم يعي لحد الآن بأن تسطير سياسة رشيدة لابد أن يكون مربوط بأمور علمية وأكاديمية. وفي هذا الصدد، قال المتحدث إن بناء سياسات رشيدة في المجتمع لا يمكن أن يتم بمعزل عن الجامعة الجزائرية وما تجريه من دراسات وأبحاث، وأن الدولة لابد أن تعمل بالمرونة والإعتراف بالرسالة السياسية للجامعة الجزائرية كأحد الآليات الضرورية لترشيد الحكم وصنع السياسات العامة. الجامعة الجزائرية مستبعدة في رسم الخطط وقال الأستاذ محمد شاطر باش إن دور الجامعة في صنع السياسات العامة مغيب بالجزائر، حيث أصبحت الجامعة في الدول المتقدمة المساهم الأول في رسم خطط المشاريع والسياسات العامة وجزء لا يتجزأ من المشهد السياسي للدول المتقدمة، كما احتلت بعض الجامعات مرتبة الفاعل السياسي الأول، وأحد المؤثرين الأوائل في رسم السياسات والقرارات، لكن دور الجامعات لم يرق في الدول العربية ومنها الجزائر إلى دعم مؤسسات صنع القرار السياسي، بسبب عديد المعوقات والتحديات التي جعلت منها غير فاعلة في هذا المجال بسبب طبيعة الأنظمة السياسية وغياب الإرادة السياسية التي تفتح المجال للرأي الأخر، مؤكدا أن رجوع صاحب القرار إلى الجامعات من شأنه أن يُسهم في رفع الوعي السياسي. وأشار المتحدث إلى أن صناعة القرار يفرض على الدولة والقائمين على صناعة القرار لإمتلاك المعرفة، والإعتراف بأن مهام الجامعة ومراكز البحوث لا يقتصر على الجانب التعليمي، بل تقدم أيضا ما يمكن أن يعين صانع القرار على تنفيذ وإقرار السياسات العامة. وقائع لابد من إدراكها.. أوضح الأستاذ الجامعي محمد شاطر باش أن نجاح السياسات العامة بالجزائر وما يقابلها من ترشيد في الحكم لابد أن يأخذ بعين الإعتبار عديد العوامل، وعلى رأسها الفقر والإنفجار الديمغرافي الذي عرفته الجزائر خلال السنوات الفارطة والذي ينبغي أن يتم إدراكه. 15 مليون جزائري في فقر وبحاجة إلى مساعدة اجتماعية ويقول المتحدث أن نجاح أي سياسة لابد أن تأخذ بعين الإعتبار ظاهرة الفقر الموجودة بالجزائر، من خلال مؤشرات البطالة واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، على اعتبار أن أزيد من 15 مليون جزائري يعيشون الفقر وبحاجة إلى مساعدة اجتماعية، في حين يعيش 4 ملايين آخربن أقصى الحرمان، وأن 10 بالمائة من الجزائريين يستهلكون 32 بالمائة من الدخل الوطني، أي 4 ملايين من حوالي 40 مليون نسمة، ما يعني أن ثلث المداخيل تخص فئة قليلة من المجتمع الجزائري، وهي مؤشرات لابد على صانعي القرار أخذها بعين الاعتبار وإلا ستفشل سياساتهم المتبناة في عديد المجالات. صانعو القرار يعيدون إنتاج أنفسهم منذ الإستقلال اعتبر الأستاذ بجامعة تيزي وزو محمد سي البشير أن الطبقة الحاكمة في الجزائر هي نفسها مند عهد الاستقلال وبقيت تعيد إنتاح نفسها عبر السنوات، ولا تشارك غيرها في صنع القرارات وتسطير السياسات العامة، مما لم يسمح بترشيد الحكم بالجزائر، معتبرا أن هذا الأخير هو طريقة لتسيير بلد إما ان تنجح أو تفشل، وتصبح بذلك نموذجا للفشل في العالم، واعتبر أن استمرار نفس النخبة في مراكز صنع القرار، واعتبر المتحدث أن دليل فشل ترشيد الحكم بالجزائر، هو أن الحكومة صرفت من سنة 1999 إلى غاية 2012 أزيد من 688 مليار دولار في برامج للإنعاش الإقتصادي ولم يتحرك الاقتصاد الجزائري قيد أنملة، ولازالت الجزائر تعتمد بصفة كلية على الإقتصاد الريعي، المعتمد أساسا على المحروقات. اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي نموذج فاشل وتوصل الأستاذ محمد سي البشير إلى أن إتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي أحد نماذج الفشل في ترشيد الحكم عبر سياسة تم فرضها من أوروبا على دول المغرب العربي ومن بينها الجزائر. وقال المتحدث أن الإتحاد الأوروبي تعامل مع دول متشرذمة في ضفة جنوب المتوسط لم تنسق فيما بينها، وتبنت سياسات تستجيب للمصالح الأوروبية لا غير وتجعل الدول الموقعة عليها من دون مكاسب، واعتبر أن المفاوضين على هذه الإتفاقية لم يعملوا بقواعد الحكم الراشد، ودخلوا مفاوضات من دون ملفات دقيقة حول مؤشرات الإقتصاد الجزائري، وهو ما جعل هذه الاتفاقية لا تذر على البلاد بأية فوائد تذكر. واعتبر المتحدث أن الاقتصاد الجزائري يسير بطريقة غير رشيدة، ولازال اقتصادا ريعيا وغير تنافسي، وينخره الفساد، ولا يجذب استثمارات، وهو ما جعل أن الجزائر لا تحوز آفاقا للحكم الراشد. إعادة الإعتبار للدولة الراعية وقال الأستاذ بجامعة الجزائر1 محمد يوسفي أن الحكم الراشد يعد ضرورة لتحقيق التنمية في أي بلد، وأن أي سياسة ناجعة هي تلك التي توفق بين مقتضيات الفعالية الإقتصادية والعدالة الإجتماعية ولا يمكن تحقيق السلم الإجتماعي من دون ترشيد الحكم بالبلاد. واعتبر المتحدث أن ولوج البلاد مرحلة ما نحو الرأسمالية لا يعني أنها تتخلى عن الدفاع عن الصالح العام، وأنه لابد من إعادة الإعتبار لمفهوم الدولة الراعية والتي تعمل على التوفيق بين النجاعة الإقتصادية والعدالة الاجتماعية، معتبرا بدوره أن الدولة عند إتجاهها نحو تبني سياسات معينة لابد أن تعمل على الإستشارة ولا تنفرد بتسطير السياسات. 1500 مخبر للبحوث العلمية لا يستغلها صناع القرار قال مدير مخبر دراسات وتحليل السياسات العامة في الجزائر البروفيسور محمد رضا مزو، في افتتاح الملتقى الدولي الرابع حول السياسات العامة والحكم الراشد في الجزائر ودام يومين، أن الملتقى مهتم بأربعة محاور رئيسية حول ترشيد السياسات العامة. استعرضت التجارب الأجنبية في تسيير السياسات العامة وتقييم السياسات المنتهجة ببعض القطاعات، ومكانة ودور مراكز البحث في السياسات العامة. وفي هذا الصدد أوضح مدير مخبر دراسات وتحليل السياسات العامة في الجزائر البروفيسور محمد رضا مزوي أن في الجزائر 1500 مخبر علمي في عديد المجالات، منها المخبر الذي يسيره ويضم 30 باحثا دائما و21 متعاونا إضافة إلى طلبة الماجستير. وتخلل الملتقى ثلاثة ورشات يشارك فيها أساتذة جامعيين حيث تتناول الورشة الأولى النقاش النظري والإبستيمولوجي ودور مراكز البحث العلمي، وتتناول الورشة الثانية محور الحوكمة المؤسساتية، في حين تتناول الورشة الثالثة محور الحوكمة الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية، وسيتوج الملتقى بصياغة توصيات حول السياسات العامة والحكم الراشد بالجزائر. الجزائر رابع أكبر اقتصاد عربي نفطي ذكر معهد التمويل الدولي بالولايات المتحدةالأمريكية، أن الجزائر احتلت المرتبة الرابعة كأكبر اقتصاد عربي في 2012، وبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 197 مليار دولار، بفضل ضخامة إنتاجها النفطي المقدر بحوالي مليوني برميل يوميا، وتصدير 85 مليار متر مكعب من الغاز. ورغم الارتفاع الكبير في عدد السكان في السنوات الأخيرة، حافظت الجزائر على مركزها في لائحة الدول الثرية إذ احتلت المركز الرابع في العالم العربية، وبلغ معدل الدخل السنوي للمواطن الجزائري 4400 دولار، لتحتل الجزائر المرتبة الخامسة عربيا في متوسط الدخل، وحافظت المملكة العربية السعودية على مركزها الأول كأكبر اقتصاد عربي في 2012، وبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 640 مليار دولار، وذلك بفضل ضخامة إنتاجها النفطي الذي بلغ معدله نحو 9.8 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستويات إنتاج المملكة منذ أن بدأت تصدير النفط قبل نحو 70 سنة. واحتفظت دولة الإمارات بمركزها كثاني أكبر اقتصاد في العالم العربي لعام 2012 بعد أن ارتفع ناتجها المحلي الإجمالي نحو 23 مليار دولار بالأسعار الحالية. وأشار المعهد في تقريره إلى أن اقتصاد الإمارات حافظ على مركزه الثاني بعد المملكة العربية السعودية مدة 10 سنوات بسبب النمو السريع والمتواصل في الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام الماضية كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار النفط وتزايد الإنفاق الحكومي وتنوع الاقتصاد وارتفاع وتيرة استثمارات القطاع الخاص. وأشار التقرير إلى أن ناتج الإمارات شكل نحو ربع إجمالي الناتج في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي بلغ 1.482 تريليون دولار العام الماضي. وبلغت نسبة الناتج الإماراتي نحو 13% من إجمالي الناتج في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقال التقرير إن مصر جاءت في المرتبة الثالثة من حيث الناتج الإجمالي الذي بلغ 257 مليار دولار العام الماضي. بينما احتلت الجزائر المرتبة الرابعة بقيمة 197 مليار دولار وجاءت دولة قطر في المرتبة الخامسة بقيمة 182 مليار دولار تلتها دولة الكويت في المرتبة السادسة ب178 مليار دولار. وأكد التقرير أنه رغم الارتفاع الكبير في عدد سكان الإمارات خلال السنوات الأخيرة فقد حافظت على مركزها المتقدم في لائحة الدول الثرية إذ احتلت المركز الثالث في العالم العربية لجهة الدخل الفردي الذي بلغ حوالي45 ألفا و731 دولار عام 2012. واحتلت قطر المركز الأول والكويت المركز الثاني. وتوقع معهد التمويل الدولي أن يواصل اقتصاد دولة الإمارات صعوده ليصل إلى 395 مليار دولار عام 2013 و410 مليار دولار عام 2014.