تفاقمت في السنوات الاخيرة ظاهرة العنف المدرسي وتطورت من عنف بين التلاميذ الى عنف مسلط على المعلمين، مما يثير الكثير من المخاوف في أوساط عمال قطاع التربية من انعكاساتها الخطيرة، لا سيما وأنها تستهدفهم داخل وخارج المؤسسات التعليمية، وفي نفس الوقت ما يزال عنف المعلمين ظاهرة ملحوظة رغم القوانين التي سنتها وزارة التربية والتعليم، الامر يستدعي تجنيد كافة الاطراف المعنية وتحليل أسباب العنف المدرسي لاحتوائه، خاصة وأن عدواه قد انتقلت الى الحرم الجامعي. من أهم مظاهر العنف المدرسي العصيان، السب الشتم، أعمال التخريب وتكسير الزجاج والطاولات، فضلا عن الاعتداء المباشر على الاستاذ، وبالمقابل يتعرض التلاميذ أحيانا الى الإساءة اللفظية في حالة التأخر أو عدم أداء الواجبات المدرسية، بل وأحيانا لمجرد عدم قدرة التلميذ على استيعاب الدرس... وهي معادلة معقدة تسفر عن ضحايا ومذنبين من كلا الطرفين. صف الحمير
وبيت الفئران .. لمن يخطئ! وكثيرا ما يهتز الوسط المدرسي على وقع حوادث العنف الممارس ضد التلاميذ، وبهذا الخصوص تؤكد شهادات بعض رجال القانون أن عدة أولياء أقاموا دعاوى قضائية على معلمين لإنصاف أبنائهم من عصي انهالت عليهم أو ضربة يد خلفت أذى كبيرا، بينما كشفت لنا شهادات بعض الاولياء أن التلاميذ ما يزالون يتعرضون الى عدة أنواع من العنف الجسدي من شد الشعر، وقرص الاذن، والضرب على أصابع اليدين، إضافة الى الصفع على الخد، وفي هذا الشأن تقول السيدة (كهينة.ل) أم لطفلين "إن الواقع المدرسي ينذر بتفاقم ظاهرة العنف المسلط على التلاميذ، والتي تحكم على العديد منهم بالفشل في المهد.. فما يرويه أبنائي عما يحصل من عنف في المدرسة يجعلنا أمام مواقف مبكية ومؤلمة، لأنها تستهدف مستقبل الابناء الدراسي أساسا، حيث أن الأمر يتعلق بمرحلة عمرية جد حساسة تنعكس آثارها مباشرة على التحصيل الدراسي للأبناء"، وتستطرد محدثتنا: "تصوروا أن احدى المعلمات بإحدى ابتدائيات الحراش تدمج كل تلميذ لم يسعفه الحظ في استعياب الدرس في صف أطلقت عليه اسم "صف الحمير"! .. وأن معلما آخر بنفس المنطقة يعاقب تلاميذه من خلال وضع أحذيتهم في أفواههم والطواف بهم عبر الاقسام! وما خفي اعظم، ويحتاج الى تحرك صارم من المجتمع المدني الجزائري لكبح جماح الاساليب الوحشية التي يتعامل بها بعض المعلمين مع التلاميذ، والتي تحول بعض المدارس الابتدائية الى أماكن للتعذيب النفسي". أما السيدة (جازية. أ) أم تعمل، فترى أن أساليب العقاب التي يسلطها المعلمون على تلاميذ الابتدائيات مازالت دروسها تستقى من الطرق الترهيبية القديمة التي لا تأخذ بعين الاعتبار القدرات العقلية والخصائص النفسية للطفل في هذه المرحلة، والتي تترك أثرا بالغا في النفس، تعد الفوبيا أهم أعراضه.. وهو ما تعاني منه حاليا ابنتي التي تدرس في قسم السنة الاولى بسبب معلمتها التي تهددها باستمرار بإدخالها في "بيت الفئران"!.. إن مثل هذه الاساليب غير السوية التي تدخل في خانة العقاب النفسي تعلن قبل كل شيء عن مشكلة الافتقار الى تكوين المعلمين في مجال علم النفس البيداغوجي، مما حال دون تطبيق النصوص القانونية التي تحظر العنف بكافة أشكاله". والواقع أن هناك عدة دعوات حالية في اوساط المختصين تدعو الى إلغاء الضرب والعقاب الجسدي واستبداله بأساليب أخرى غير قائمة على العنف، إذ تدعمت بإصدار وزارة التربية والتعليم لقوانين تمنع العنف ضد التلاميذ، باعتبار أن الضرب تعسف في الصغر قد يولد العنف في الكبر، إلا أن المعطيات في المؤسسات التربوية، تؤكد أن محاربة هذه الظاهرة تتطلب المزيد من التحسيس في وسط الشركاء الاساسيين لقطاع التربية، خاصة وأن المختصين في علم النفس يؤكدون أن ممارسة العنف ضد التلميذ يخلف لدى هذا الاخير عقدا نفسية، ودفعه الى عدم الرغبة في الدراسة والتسرب المدرسي بعد أن تتكون لديه فكرة أن المدرسة مرتع للعقاب، والذي يترك أثرا بالغا في نفسه في مرحلة الابتدائية.
تلاميذ ينتقمون من أساتذتهم وعلى صعيد آخر يظهر الواقع اليومي باستمرار تزايد حالات تعرض الاساتذة والمساعدين التربويين والمراقبين للعنف من طرف التلاميذ، فرغم غياب إحصائيات دقيقة تكشف حقيقة الظاهرة، إلا أن الاخبار التي تتناقلها وسائل الاعلام بهذا الخصوص كافية لكشف الستار عن المنحى التصاعدي الخطير الذي اتخذته الظاهرة، خاصة وأنها توغلت في الوسط الجامعي الذي اهتز مؤخرا في مستغانم على وقع حادثة اغتيال الاستاذ محمد شهيدة (58 سنة) داخل مكتبه من طرف أحد طلبته. وفيما أظهرت تصريحات بعض الطلبة والاساتذة المستجوبين أن ممارسة العنف ضد الاستاذ ظاهرة نادرة في الوسط الجامعي، تبين على خلاف ذلك أن عمال قطاع التربية مستهدفون كثيرا في الاكماليات والثانويات، وفي هذا السياق جاء على لسان السيد (عمر.ك) صحفي أن ثانوية الدغافلة بالرويبة شهدت منذ فترة عملية اعتداء استهدفت سيارة أحد الاساتذة نفذتها مجموعة من التلاميذ باستخدام الحجارة، للانتقام من الاستاذ الذي عاقبهم، في حين ذكر السيد (سفيان. ب) مدرس سابق للغة الانجليزية أن زميلا له بإحدى إكماليات العاصمة تعرض الى عنف من طرف مجموعة من الشبان حرضهم أحد التلاميذ، مما سبب له كسرا، وادعى التلميذ المحرض أن السبب يكمن في تحرش الاستاذ بإحدى التلميذات، في حين كشفت التحقيقات أن الأمر يتعلق بثأر مرده إلى تشدد الاستاذ في التعامل مع التلميذ. وتشهد من جهتها السيدة (نجية.ي) أستاذة في مادة العلوم الطبيعية بإحدى اكماليات مدينة الرغاية، أن بعض المؤسسات التربوية أصبحت تربة خصبة للعنف المدرسي الذي يتجلى بين التلاميذ تارة، في حين يكون مسلطا على الاستاذ تارة أخرى.. والملفت في المسألة هو استفحال ظاهرة حمل الاسلحة البيضاء، لا سيما السكاكين والمداور، "سبق أن سجلنا واقعة اعتداء بالسلاح الابيض ضد تلميذ على مستوى الاكمالية، حيث أن عددهم الهائل يصعب عملية المراقبة، والحقيقة أن عنف بعض التلاميذ بات يخلف رعبا كبيرا في وسط الاساتذة، خاصة وأن البعض يتوعدونهم بالاعتداء، ونتيجة لذلك كثيرا ما تسجل حالات رشق بالحجارة ضد الاساتذة ينفذها بعض التلاميذ الراسبين في شهادة التعليم المتوسط". وتضيف الاستاذة المستجوبة بأن عنف التلاميذ ضد الاساتذة أو عمال قطاع التربية بصفة عامة لا يرتبط بالضرورة بردود أفعال انتقامية، وهو ما يلاحظ غالبا في نهاية السنة الدراسية التي تسود فيها موجة عنف عامة تسفر عن أعمال كسر وتخريب داخل المؤسسة التعليمية وعمليات اعتداء بالحجارة ضد المراقبين ومساعديهم، وكذا ضد الاساتذة، إذ يغتنم التلاميذ فرصة انعدام المراقبة بعد انتهاء العام الدراسي، لأن ذلك يجنبهم العقاب. "وهو الأمر الذي تسبب في اصابة مساعد المراقب بالاكمالية التي أدرس فيها على مستوى عينه في نهاية السنة الدراسية الفارطة".
ضعف الشخصية ويرى الاستاذ الجامعي بن عصتمان، مختص في علم النفس أن العنف ضد الاساتذة في الحرم الجامعي ليس بالظاهرة المستفحلة، إذ يشهد حالات نادرة من العنف اللفظي ترتبط بوعي الطالب بالدرجة الأولى وبنوعية التكوين الذي تلقاه، أما الحالات المتعلقة بالعنف الجسدي فيرجع سببها الى جملة من العوامل منها النفسية كشعور الطالب بالظلم جراء تسلط الاستاذ وهضمه لحقه، مما يدفعه الى القيام بعدة محاولات لتسوية المسألة، لكنه قد يجد نفسه في طريق مسدود يهدده بخطر الرسوب عندما تستنفد كل الحلول أمامه، ولذلك يندفع تحت تأثير ضعف الشخصية وعدم القدرة على تحمل المشكلة الى ممارسة العنف الجسدي ضد أستاذه كآخر حل للمشكلة. كما يعود عنف الطالب الجامعي في بعض الحالات الى الاحتقار الذي قد يتعرض له أثناء الحصص الدراسية، مما يشكل لديه عقدة نفسية قد تقوده الى ضرب الاستاذ. ويمكن أيضا أن تعكس الظاهرة التنشئة الاجتماعية للطالب وبالضبط حالات اللااستقرار العائلي التي مربها خاصة إذا كان ينتمي الى وسط أسري مفكك، حيث يجعله هذا الامر غير قابل لتحمل مواقف الاهانة، ونتيجة ذلك هي أذية الاستاذ بمجرد الوقوع في موقف محرج. أما العنف الذي يمارسه تلاميذ الاكماليات والثانويات ضد الاساتذة أو عمال قطاع التربية بصفة عامة، والذي انتشر بصفة ملحوظة، فيعود أساسا الى سوء أخلاق التلميذ من جهة والى تبعات المراهقة التي تلاحقه من جهة أخرى، فالتلميذ في هذه المرحلة الحساسة يتصور نفسه شخصا مثاليا، وبموجب ذلك يرفض التعرض للإهانة والملاحظات الجارحة، حيث أنه يكون في حالة نفسية غير مستقرة نظرا للتغيرات النفسية والفيزيولوجية التي تطرأ عليه. في حين يترجم العنف الممارس ضد التلاميذ ضعف شخصية بعض الاساتذة الذين يفتقرون الى القدرة على التحكم في بعض المشاكل التربوية كاكتظاظ الاقسام، ونقص التكوين البيداغوجي المرتبط بالجانب السيكولوجي للتلاميذ لمعرفة خصائص المراحل النفسية التي يمرون بها، غير أن هذا لا ينفي أن يكون عنف الاستاذ إسقاطا لمشاكله الخاصة كالمشاكل العائلية التي تضعه في حالة لا استقرار نفسي يسفر عن ظهور ممارسات عنيفة.