يبدو التيار الديمقراطي المعارض في الجزائر بما تبقى منه الأقرب لتقديم تنازلات في المرحلة الحالية لتجاوز الأزمة السياسية في البلاد ومواجهة المخاطر الأمنية التي تهدد الجزائر من خلال الذهاب إلى توافق وطني بين كل الفعاليات السياسية بما فيها السلطة، بعد تصلب أظهرته بعض أحزاب التيار الإسلامي من خلال شروط قدمتها للذهاب إلى الحوار، منها المنضوية في تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي حصرت مجمل خطاباتها في أزمة الشرعية وتفعيل المادة 88 من الدستور . وظهر خطاب الأفافاس الذي فرض نفسه للذهاب إلى إجماع وطني، أكثر ليونة من أي وقت سابق من خلال عرضه لحوار بدون شروط على حد وصف الحزب، وإقراره بتجاوز الأزمة لشخص رئيس الجمهورية وأن المشكلة في النظام وأكبر من تغيير الأشخاص، وهو ما يستدعي حسبه، تحقيق إجماع وطني لتدارك الوضع وإيجاد حلول سلمية قبل فوات الأوان، ثم تسليمه أن الأزمة يجب أن تحل في إطار سياسي بعيدا عن تدخل الجيش "الذي يجب أن لا يتجاوز ممارسة مهامه الدستورية المتمثلة في حماية التراب الوطني"، ما يخول لأقدم حزب في المعارضة إمكانية جمع الفعاليات السياسية للذهاب إلى التوافق، خاصة بعد أن أظهرت السلطة تجاوبا ولو شكليا مع المبادرة، وكذا طبيعة الدور الذي يريد أن يلعبه الأفافاس في محاولة إقناع كل الأطراف بضرورة التنازل من أجل مصلحة البلاد، وهو ما يمكن أن يسمح له باستقطاب جزء من المعارضة خاصة من التيار الديمقراطي الذي تراجع دوره منذ موقفه من الرئاسيات الماضية، عكس صاحب موقف "لا للانتخاب ولا للامتناع ولا للمقاطعة" (الأفافاس) الذي عاد ليفرض نفسه من خلال مبادرة الإجماع الوطني لدفع السلطة لقبول الحوار، ورغبته في قيادة قاطرة المعارضة نحو هذا الإجماع، وكذا بعض الشخصيات الوطنية والإسلامية التي أبدت تجاوبا للجلوس مع خصوم الأمس من التيار العلماني. وظهر غياب بعض الشخصيات الوطنية المحسوبة على التيار الديمقراطي أمثال مولود حمروش وسيد أحمد غزالي عن الساحة مؤخرا والذين أداروا ظهرهم لتنسيقية الانتقال الديمقراطي، بمثابة حجب لموقفهما بشأن تدخل الجيش لضمان مرحلة انتقالية وهو ما بدأ من خلال توضيح حمروش من عنابة أن دعوته ليست لتدخل الجيش في السياسة بل لمصاحبة مشروع التغيير. من جانب آخر بدا موقف رئيسا الحكومة السابقين كرفض لمبادرة الانتقال الديمقراطي، وبالتالي رفض شروط أصحابها، ما يمكن أن يجذب الشخصيتين للانخراط في مبادرة الأفافاس. أما بالنسبة لقطب التغيير بقيادة علي بن فليس، الذي وضع قدما في تنسيقية الانتقال الديمقراطي، فقد بدا أكثر تصلبا في مواقفه من باقي التيار الديمقراطي.