هل ترمي المبادرات السياسية المطروحة من قبل تنسيقية الانتقال الديمقراطية وقطب التغيير والأفافاس للضغط على السلطة ودفعها الى تقديم تنازلات لفائدة المعارضة؟ أم أن كثرة المبادرات سيشتت المعارضة ويكسب السلطة مساحة المناورة؟ لقد دأبت السلطة على إدارة ظهرها لكل المبادرات السياسية التي لا تخرج من رحمها وتتعامل معها بمقولة “مرفوضة جملة وتفصيلا”، غير أنه حتى وإن كانت بعض المعطيات والمؤشرات على غرار الوفرة المالية قد تمنح السلطة مساحة من حرية التحرك، من خلال قدرتها على شراء السلم الاجتماعي مثلما فعلت منذ عدة سنوات، إلا أن عدم اعترافها بأي دور للمعارضة وعدم قبولها لمطالبها، من شأنه أن يجلب لها متاعب زيادة عن المتاعب المتولدة عن الوضع المتدهور في دول الجوار، فكسب “الهدنة” مع الجبهة الداخلية لم يعد في نظر المتتبعين خيارا بقدر ما هو فرض غير قابل للتجزئة. طرحتها تنسيقية الانتقال الديمقراطي والأفافاس وقطب التغيير ثلاث مبادرات سياسية تنتظر فتاوى السلطة إذا كانت تنسيقية الانتقال الديمقراطي قد سبقت الجميع وأرسلت أرضية مبادرتها الى السلطة، فإن الأفافاس فضّل التريث لغاية استجماع شروط تحقيق “الإجماع الوطني”، قبل دعوة السلطة والمعارضة على حد سواء للمشاركة فيها، بينما لا يزال قطب التغيير في اتصالات من أجل بلورة مبادرته السياسية، ما يعني أن الدخول الاجتماعي مرشح لمزيد من الحراك السياسي بين السلطة وخصومها. موازاة مع انشغال السلطة بتحضير مسودّة المشاورات حول التعديل الدستور الذي ينتظر أن يكشف عنه في الخريف المقبل، سارعت أحزاب المعارضة من جهتها إلى تحضير مشاريع لمبادرات سياسية لوقف “الأحادية” في التفكير التي تميز أداء الرئيس في عهدته الرابعة. وضمن هذا السياق جهّزت أحزاب ما يسمى ب“تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي”، أرضية مبادرتها السياسية بعد شهرين من انعقاد ندوة زرالدة، وهي مبادرة تدعو الى “التغيير” السلمي، ولكن من خارج أي دور للسلطة فيها، وهو عكس ما ترمي إليه مبادرة “الاجماع الوطني” التي صادق عليها المجلس الوطني للأفافاس في دورته يوم 9 أوت الجاري، حيث أكد عضو الهيئة المدير محند أمقران شريفي، أن الأفافاس ليس “هاويا في السياسة وهو يريد التأسيس للإجماع الوطني لا الاستحواذ عليه. مشيرا إلى أن “الأفافاس قبل الندوة سيكون مسهلا يتصل بجميع الأطراف، وأثناء الندوة سيكون دوره ضابط لإيقاع النقاش، وبعد الندوة سيقوم بمتابعة نتائجها وتطبيقها على الميدان”، وفي ذلك انتقاد لندوة زرالدة، مما يعني أن حزب الدا الحسين رسم خطا بينه وبين مبادرة تنسيقية الانتقال الديمقراطي وفضّل اعتماد طريق ثالث. وتكون هذه الرسالة التي بعثت من خلال المجلس الوطني للأفافاس وراء رد فعل رئيس حركة حمس عبد الرزاق مقري وعضو تنسيقية الانتقال الديمقراطي الذي قال إن مبادرة الأفافاس “تكون ذات جدوى إذا كانت لها إضافة على ما قام به إجماع المعارضة في ندوة مزافران”. مشيرا أنه “يكون مرحب بها إذا استطاع الأفافاس أن يقنع السلطة الحاكمة على الذهاب فورا لما يضمن الحريات والانتقال الديمقراطي على أساس متفق عليه وفق معايير عالمية لا لبس فيها ولا تحايل.. “، مما يفهم منه أن مقري يرى أن الأفافاس قدّم طوق النجاة للسلطة من خلال عرض مبادرته دون تلقيه أي ضمانات بجلوسها الى الطاولة مع معارضيها. من جانبه، وحتى وإن أبدى قطب التغيير الملتف حول منسقه علي بن فليس، استعداده لمواصلة الاتصالات مع قيادات تنسيقية الانتقال الديمقراطي بعد مشاركته في ندوة زرالدة، غير أنه أعلن أنه هو الآخر بصدد تحضير مبادرة سياسية بمعية الأحزاب المنضوية في قطب التغيير سيطرحها على المعارضة السياسية قريبا. وترتكز هذه المبادرة حسب رئيس الفجر الجديد الطاهر بن بعيبش على “ضرورة فتح حوار بين السلطة والمعارضة دون أي جدول أعمال يفرضه طرف على الآخر”، وهي بالتالي أقرب الى الأفافاس منها الى تنسيقية الانتقال الديمقراطي، مما يجعل أمام السلطة مساحة للمناورة ما بين العروض المقدمة لها واختيار ما خف مطلبه وقل وزن تنازلاته، لكن هذه المساحة في التحرك تجعل السلطة أمام الأمر الواقع وليس بمقدورها رفض كل المبادرات بصيغة “جملة وتفصيلا”. اتفقت في التصريحات واختلفت في الآليات والإجراءات المعارضة تواجه السلطة بصفوف مشتتة عندما عقدت المعارضة وهي مكتملة بالجزائر، ندوتها للانتقال الديمقراطي، بمبادرة “تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي” شهر جويلية الفارط، كان ثمة توجه، ولو في الأذهان، إزاء مرحلة مقبلة، تنسى فيها أطياف المعارضة تشتتها عبر الالتفاف على مبادرة موحدة، تواجه بها السلطة القائمة، وبدا خلالها، بالنسبة للمشاركين في ندوة “خيمة مازافران” على الاقل، أن الانفراد بالمبادرات السياسية من أجل التغيير لن يصبح له معنى، مثلما كان يحدث في السابق، غير أنه أسابيع بعد لقاء التيارات المتناطحة بالأمس، على أمل الضغط على السلطة لقبول الانتقال الديمقراطي، انفردت أطياف سياسية بمبادرات”خاصة” أو أنها احتفظت ببنود مبادرات طرحتها بالموازاة، رغم أنها شاركت في ندوة زرالدة وصاحت خطابات التوحد رغم اختلافات ظهرت للمشاركين غير ذات تأثير على مستقبل معارضة ظهر حينها مشرقا. وفي وقت تنحو “تنسيقية الحريات والإنتقال الديمقراطي” للمضي في تنظيم ندوتها الثانية، يسعى حزب” جبهة القوى الإشتراكية” إلى تحقيق مبادرة “الإجماع الوطني” والأفافاس الفصيل الوحيد الذي يستعمل مصطلح “الإجماع” فيما يراه حلا مناسبا للانسداد الحاصل، بينما يفضل فيصل آخر “التوافق الوطني” على غرار أحزاب التنسيقية، زائد بعض الأحزاب كجبهة “التغيير” لعبد المجيد مناصرة، ويضاف إلى هاتين المبادرتين، “قطب التغيير” المتحفظ إزاء بعض طروحات التنسيقية، خاصة ما تعلق ب“الدستور التوافقي”. والواضح أن مساع كانت بدأت من قبل أطياف المعارضة، من أجل تقريب وجهات النظر والاتفاق على حد أدنى من شروط “الوحدة”، إلا أن هذه المساعي لم تعرف مداها رغم أن مختلف أطياف المعارضة تعرف أن السلطة ممكن أن تستثمر في اختلافات المعارضة وتناطح أهدافها، لما تقدّم باقات مطالب متضاربة وغير منسجمة، وبالتالي تصفع نفسها بنفسها وتصل السلطة على تشتت لا يخدمها ولا يخدم الحراك السياسي المعارض الذي بدأ قبيل الانتخابات الرئاسية الماضية وتصاعد بمجرد ما أعلن الرئيس بوتفليقة ترشحه لعهدة رابعة. وطرحت تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، أرضيتها بصيغتها النهائية، قبل أيام، وستكون هذه الارضية “امتحان” للتنسيقية ليس فقط مع السلطة، ولكن مع الأطياف المعارضة التي شاركت في ندوة مازافران، ولملمت شتات المعارضة قياسا بنوعية الحضور على الاقل. ورغم أن الرئيس الأسبق للحكومة، مولود حمروش، أيد ما سيق من تشخيص للأزمة، حينها، إلا أنه أعلن فيما بعد تمسكه بمبادرته الشخصية التي تتلخص في تدخل الجيش، من أجل تأمين عملية الانتقال الديمقراطي وضمانه بأقل التكاليف، كما وضع مفاتيح حل الأزمة في يد الثلاثي”بوتفليقة وقايد صالح والجنرال توفيق”. هذا الطرح، لم يعجب الكثير من شركاء حمروش، حتى من الذين جلسوا إلى جانبه في الندوة، ومنهم علي بن فليس، بينما يسوق الأفافاس، فكرة أن التغيير لا ينبغي أن تنفرد به المعارضة، لأنه لو تم ذلك سيكون مصير البلاد الفوضى، كما هو حاصل في ليبيا، وأن التغيير يجب أن يشرك فيه النظام القائم، وأن كل تجارب التحول الديمقراطي الناجحة، تمت بإشراك النظام، لكن كيف ذلك، هذا ما يفترض أن تكشف عليه “ندوة الإجماع الوطني” للأفافاس. حوار الباحث والأكاديمي أرزقي فراد ل”الخبر” “أخشى أن يكون الهدف من تعدد المبادرات هو التمركز حول الذات” على ماذا يدل تعدد المبادرات السياسية، سواء تلك المطروحة من قبل السلطة (دستور توافقي) أو المعارضة (الانتقال الديمقراطي، الإجماع الوطني، قطب التغيير) في هذه المرحلة؟ يمكن أن نعتبر من الناحية النظرية، تعدّد المبادرات السياسية ظاهرة صحيّة، تنسجم مع الفلسفة الديمقراطية التي تقرّ حق الاختلاف. ولا شك أن السعادة ستملأ الجميع لو نجحت مبادرة من هذه المبادرات، في إقناع الحكام بضرورة تغيير النظام الشمولي القائم، العاجز عن بناء دولة عادلة بمعاييرها النوفمبرية. لكن إذا عدنا إلى الواقع، سنجد أن استمرار النظام السياسي الشمولي، يعود بالدرجة الأولى إلى انقسام المعارضة على نفسها لاعتبارات إيديولوجية. وعليه فالتغيير السياسي مرهون بتوحيد صفوف المعارضة، وقد تمّ ذلك في ندوة زرالدة المنعقدة في جوان الماضي، التي نجحت في لمّ شمل كل الأطياف السياسية، وفي تحقيق نجاح تاريخيّ. فالمطلوب الآن العمل على دعم هذا المكسب في الدخول السياسي القادم. هل كثرة هذه المبادرات عامل قوة أو ضعف بالنسبة للمعارضة في سعيها للضغط على السلطة لتحقيق الانتقال الديمقراطي أو الإجماع الوطني؟ الكل يعلم أن الانقسام ضعف، والاتحاد قوة. وما دامت ندوة زرالدة قد نجحت في تشخيص الداء وهو الاستبداد، وفي تحديد الدواء المتمثل في دمقرطة الدولة والمجتمع، فإن كل خروج عن منطق هذه الندوة الوحدوي، قد يؤثر سلبا على مشروع التغيير السياسي المنشود. وأذكّر أن الشعب الجزائري أيام الاستعمار، قد سجّل وثبة سياسية كبرى أعادت له سيادته عندما نجح في توحيد جهوده النضالية. ولا شك أن حراك أصحاب المبادرات الجديدة سيكون له معنى، إذا جعلوا أرضية ندوة زرالدة منطلقا له. هل تلمسون فروقا جوهرية بين هذه المبادرات؟ أم أن نقاط الاتفاق هي الغالبة فيها بما يمكن من الوصول إلى مبادرة جامعة بين كل التكتلات في الأفق؟ لا أرى خلافا جوهريا بين هذه المبادرات، بدليل أن أصحابها قد حضروا ندوة زرالدة، وقدّموا اقتراحات حظيت بالتقدير. فالكل يدعو إلى التغيير السياسي السلس. وإلى وضع دستور جديد يكرّس السيادة الشعبية ويبني دولة ديمقراطية عادلة، يتمتع فيها الجميع بالمواطنة. الكل متفق على وجوب فتح الحوار مع السلطة قصد إشراكها في رسم معالم هذا التغيير السياسي المنتظر، وعلى وجوب نبذ منطق العنف وعدم النفخ في كير تصفية الحسابات. لذا لا أفهم هذا التشظي الذي أصاب المعارضة من جديد، وأخشى أن يكون الهدف من تعدد المبادرات هو التمركز حول الذات. لقد أكدت التجارب البشرية أن التغيير السياسي مرهون بتغيير موازين القوى، وعليه فلا مناص من توحيد الجهود. أمّا من يراهن على غير منطق نكران الذات، وعلى غير منطق النضال السلمي الموحّد، فحاله كحال من يطارد طيف دخان. الجزائر: حاوره محمد سيدمو رئيس جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة ل”الخبر” “مبادرة الأفافاس سياسية أما البقية فمجرد تكتلات تنظيمية” ما هي ملاحظاتكم على المبادرات السياسية المطروحة في الساحة كتصور لحل “الأزمة السياسية” في البلاد ؟ الملاحظ أن هذه المبادرات تحولت إلى تكتلات تنظيمية (تنسيقية الانتقال الديمقراطي وقطب التغيير)، وهذا من شأنه أن يزيد من الاستقطاب. طبعا أنا لا أعترض على التكتل الذي يمثل من وجهة نظري حالة صحية وليست مرضية، فهو يعبر عن وجود حراك وقلق ورغبة في مستقبل أفضل، وهو يمثل أيضا مرحلة من مراحل تطور العمل السياسي. لكن ما أقصده أن الأصل في المبادرة السياسية هو أن يلتف حولها الجميع ولا تكون معبرة عن فصيل أو تكتل معين. لذلك، من بين ما هو مطروح في الساحة السياسية، أعتقد أن مشروع الإجماع الوطني الذي يتبناه الأفافاس ويدعو للجمع بين السلطة والمعارضة في ندوة يشترك الجميع في التحضير لها وتنشيطها دون شروط مسبقة، يمثل فعلا مبادرة سياسية وليست تكتلا، وهي شبيهة بمشروع “التوافق الديمقراطي” الذي سبق وطرحناه. هل تعدد التكتلات والمبادرات سيضعف من جبهة المعارضة في سعيها للضغط على السلطة ودفعها لتقديم تنازلات ؟ إن محاولة جمع المعارضة على السلطة أمر صعب أن يتحقق، لذلك نحن نطرح جمع السلطة والمعارضة على طاولة الحوار دون شروط مسبقة. التكتلات ليست ظاهرة جديدة في الجزائر، فمباشرة بعد إلغاء المسار الانتخابي في التسعينات، نشأ تكتل يجمع بين الأفالان والفيس والأفافاس، ثم جاء بعده تكتل 7+1 الذي دعا إلى المصالحة الوطنية، ثم مجموعة الأربع، وتلتها مجموعة 10+1. هذه التكتلات هي من ديناميكية الحياة السياسية. لكن ما هو مطلوب في هذه المرحلة هو التوافق، فالتكتل ضد السلطة يتطلب ثورة لإسقاطها، ومادام الجميع يرفض التغيير عبر الثورة، فعلى المعارضة إذن أن تتوافق مع السلطة لتحقيق انتقال ديمقراطي سلس. الخوف كله من أن تتحول هذه التكتلات إلى استقطابات، خاصة في هذه الفترة التي تعتبر فيها فرصة التوافق ممكنة أكثر من أي وقت مضى. السلطة تتهم جزءا من المعارضة برفض الحوار. والمعارضة تعتقد أن السلطة تنفذ دائما أجندتها. كيف السبيل لإعادة الثقة بين الطرفين؟ أعتقد أن هناك قابلية لدى السلطة ينبغي عدم تضييعها، فدعوتها إلى دستور توافقي يعني أنها تنازلت عن منطق الأقلية والأغلبية، فالتوافق يعني أن الجميع متساوون ويتحاورون حول الأولويات. صحيح أن محاولات السلطة للحوار في السنوات السابقة كانت فاشلة، لكن الواضح أن السلطة بحاجة لأن تصنع لنفسها صورة جديدة، ومن ثم لا يجب على المعارضة أن تحكم على المستقبل بسوابق الماضي، وعلى السلطة بالمقابل التي تعتبر المسؤولة الأولى عن الوضع أن تقدم أمارات الجدية. الأحزاب المقاطعة عليها أن تعود للحوار من أجل التوافق، لأن إحراج السلطة عملية سهلة، وإذا كان ذلك فعلا ما تصبو إليه سيكون الهدف حينها تافها. لذلك ينبغي على الجميع تقديم تنازلات لحوار شامل جامع وجاد. الجزائر: حاوره محمد سيدمو