تزداد معاناة الكثير من العمال نظرا للازدحام الذي تشهده معظم طرقات العاصمة مع كل صباح, فقد أصبحت التأخرات سببا في اندلاع المشاكل بينهم وبين مسئوليهم إلى حد يصل فيه هؤلاء إلى تحرير تقرير ضد العامل مما قد يكلفه خصما من أجره. ورغم مجهودات الدولة للحد من الزحام, إلا أن نقاطه السوداء لم تتغير في وقت ينتظر فيه آخرون انطلاق المترو لعله يضع حدا للتأخيرات. أكد بعض العمال الذين التقينا بهم أنهم يقضون أكثر من ساعة كاملة في التنقل من مقر السكن إلى مقر العمل وأحيانا تزيد عن ذلك في حال كان الازدحام كبيرا, وما يزيد من تعطلهم كما يقول بعضهم هو تصرفات بعض سائقي الحافلات, تقول منيرة, عاملة في إحدى الإقامات الجامعية ببن عكنون: «أستقل حافلة لنقل الطلبة عند الساعة السابعة صباحا, وإذا تعطلت فقط ببضع دقائق سأجبر على انتظار الموالية وبالتالي أتأخر كثيرا عن بداية الدوام لكون الازدحام كبيرا في الطريق إلى بن عكنون», أما عما يسببه لها هذا التأخر فتقول: «من المفروض أن أسجل حضوري عند تمام الثامنة صباحا, أحيانا أجد تساهلا من المسؤول عن الحضور متأخرة, وأحيانا أخرى أسمع ما لا يرضيني من المسؤولين وأهدد بالخصم من راتبي الذي لا يتعدى مليون ونصف مليون سنتيم». أما بعض العمال الذين وجدناهم على متن الحافلة المتجهة من عين النعجة إلى ساحة أول ماي فهم يتخوفون من الإجراءات التي قد يتخذها المسؤولون ضدهم في حال تعطلهم عن العمل بسبب الازدحام, حيث يقول أحدهم: «رغم أن للعامل في الوظيف العمومي الحق في التأخر لمدة 15 دقيقة عن بداية الدوام, إلا أننا كثيرا ما نسمع تعليقات من مسؤولينا, خاصة وأن التأخر يكاد يكون يوميا بالنسبة لبعض العمال الذين يقطنون بعيدا عن العاصمة». في حين تقول خديجة وهي التي كانت على أعصابها: «كثيرا ما نتلقى إنذارات رغم أننا لسنا مذنبين, فنحن نخرج من البيت في الصباح الباكر, ولكن المشكل يكمن أساسا في ازدحام الطرقات», لتضيف أن تصرفات بعض السائقين تزيد من حدة الأمر فهم لا يحترمون الراكب, فكثيرا ما يمتنع السائق عن الانطلاق حتى تمتلئ الحافلة على آخرها, تقول: «ننتظر في بعض الأحيان أزيد من 20 دقيقة حتى ننطلق, ومع كل موقف ينتظر مدة لا بأس بها, بل ويمشي ببطء كبير لعل وعسى أنه يصطاد بعض الركاب حتى وإن لم يكونوا في المحطة المخصصة للتوقف, أما في العودة فحدث ولا حرج, لا ندخل إلا وقت الغروب, والسبب في كثير من الأحيان أن السائق يريد فعل الخير في الناس الذين لم يجدوا الحافلة التي تقلهم ليشتغل على خط غير الخط الذي من المفروض أن يتبعه, فنحن مثلا في الخط من عين النعجة إلى ساحة أول ماي, ولكن في المساء صاحب هذه الحافلة يتجه من أول ماي إلى ڤاريدي 1 و2 والعافية ثم إلى عين النعجة دون أن يطلع الركاب مسبقا». في حين يقول أستاذ من كلية العلوم السياسية: «أملك سيارة خاصةو إلا أنني لا أصل في الموعد, إلا إذا خرجت قبل طلوع الشمس, وكثيرا ما أصل إلى قاعة التدريس لأفاجأ بالطلبة قد غادروها على اعتبار أن القانون يجبرهم على انتظار الأستاذ لمدة لا تزيد عن 15 دقيقة». نقاط سوداء في طرقات العاصمة هذا ويشتكي العديد من العمال, بل حتى الطلبة من بعض الأماكن التي باتت تشكل نقاطا سوداء من حيث الازدحام, وأصبح الجميع يحاول قدر الإمكان تجنب المرور منها على غرار «لابروفال» بالقبة, الطريق السريع المؤدي إلى ابن عكنون, طريق ابن عكنون إلى حيدرة, والطريق المؤدي من بئر خادم إلى بن عكنون لاسيما على مستوى «لاكوت», ونفس الشيء من باب الزوار إلى العاصمة حسب ما يؤكده بعض الطلبة الذين تعودوا التنقل عبر هذا الخط, وكذلك من بوزريعة أو بني مسوس أو دالي إبراهيم إلى ابن عكنون على مستوى شوفالي. هذا وقد قال بعض الطلبة أن الازدحام قد يكون طيلة ساعات اليوم, ولكنه يبلغ ذروته مع الساعات الأولى من الصباح, وكذلك بعد العصر حين يخرج العمال, والأمر ينعكس سلبا على دراستهم, حيث بدأوا في التأخر عن مواعيد المحاضرات, ولكن الأسوأ عندما تكون أولى ساعات الدراسة مخصصة للأعمال التطبيقية, فبهذا التأخر ضاعت عليهم حصة من جهة, ومن جهة أخرى حسب عليهم غياب لو تكرر لمرتين دون تبرير فسيؤدي بهم إلى الإقصاء من ذلك المقياس, حيث تقول في هذا الصدد إيمان طالبة في معهد التخطيط والإحصاء ببن عكنون: «إن أقبح عذر يمكن أن تقدمه للأستاذ أنك تقطن بعيدا, وأن الزحام هو سبب تأخرك, لأن التأخر عند بعض الأساتذة يساوي الغياب الكلي عن الحصة, خاصة أن التعليمة تقول «لو وجدت الباب مغلقا فلا داعي لأن تطرقه, لأنك ستعرض نفسك للإحراج فقط». مسؤولون لا يقبلون أعذار التأخر؟ وفي الوقت الذي يتغاضى فيه بعض المسؤولين عن تأخرات العمال, يتعسف آخرون في حق العمال المتأخرين رغم أن أغلبهم يؤكدون أن حتى بعض المسؤولين يصلون متأخرين عن الموعد المحدد في الكثير من الأحيان, ولكنهم عندما يحصلون على سجل يضم وقت دخول كل عامل يثورون لذلك ولا يقدرون الظروف. هذا وأكد بعض الناس أن الازدحام زاد مع بداية الدخول الاجتماعي وعودة الطلبة إلى الجامعات, حيث يرى البعض من المواطنين أن حافلات نقل الطلبة تزيد من الازدحام في المناطق التي تتركز فيها, والدليل على ذلك هو قلته في موسم العطل الجامعية, ويتواصل هذا المشهد على الرغم من الحلول التي اعتمدتها الدولة للحد من الازدحام في الجزائر من خلال شق الطرقات وبناء الجسور للتخفيف من وطأة الزحام في العاصمة, وفي الوقت الذي وجد فيه بعض العمال والطلبة القطارات بديلا جيدا عن أي وسيلة نقل أخرى, والدليل على ذلك هو أن إضرابا لمدة يوم واحد شل حركة القطارات, وفشل معها وصول العامل إلى مقر عمله والطالب إلى دراسته, في وقت علق فيه الكثيرون آمالا كبيرة على المترو, وأنه سيحل مشكلة الازدحام في العاصمة, وفي انتظار انطلاق هذا الأخير, يبقى المواطن يتكبد عناء الازدحام الذي جعل الكثيرين يخسرون مناصب عمل بسبب التأخر وطلاب ضيعوا على أنفسهم إجراء امتحانات ومرضى لم يصلوا حسب مواعيدهم الطبية مما أخرها إلى أجل آخر.