من المظاهر التي تميز العديد من الأحياء هي تلك التجمعات الشبابية التي عادة ما تتمركز داخل الأحياء وفي مداخل العمارات وأسفل الشرفات، إلى هنا يبدو الأمر عاديا، خاصة لما نتحدث عن شباب بطال لا شغل له، وعن أحياء تغيب فيها مرافق للتسلية، ولكن ما يندى له الجبين أن يتخلل تلك التجمعات مناوشات ويعلو الكلام الفاحش ليسمعه كل من بالحي، وقد تأخذ هذه التجمعات منحى آخر يصل إلى قضايا متداولة في أروقة المحاكم. يعتبر التجمع ميزة أي جماعة، وهو دليل على أن الأفراد الذين ينتمون إليها يتميزون بصفات تكون مشتركة تجمعهم، يتبناها كل واحد حتى يضمن عضويته داخل تلك الجماعة خوفا من العزلة، هذا عموما هو التحليل السوسيولوجي لأحد أهم ميكانيزمات الجماعة التي ينتظر منها المجتمع أن تكون لها مشاركة فعالة، وإن لم تكن كذلك عليها على الأقل أن تقيهم شرها. المتجول في بعض أحياء العاصمة يلاحظ ذلك الكم من المراهقين الذي يفضلون التجمع في أماكن باتت الملتقى بالنسبة لهم لتكون النتيجة مشاكل تكاد تكون لامنتهية مع سكان الحي الذين يمقتون الظاهرة، بل منهم من قرر الرحيل لهذا السبب تحديدا، يقول مراد، يقطن بأحد أحياء بلدية جسر قسنطينة «لا شغل لأغلب شباب هذا الحي سوى الجلوس على أحجاره والاتكاء على أسواره لترقب كل من الذاهب والآتي لاسيما من الجنس اللطيف وهم لا يكلون ولا يملون، بل منهم من قضى سنوات من حياته وهذه العادة السيئة تلازمه»، وما يزعج أغلب سكان الحي غياب الاحترام يقول ساكن آخر من ذات الحي: «لا أحد يستحي منهم ويبتعد عن الطريق عند مرور إحدى السيدات فهم يملأون مدخل الحي حتى أصبحت الكثير من نسائه يتجنبن المرور منه ويفضلن البحث عن مدخل آخر لا يضمن أنه خال»، ويضيف قائلا: «أكثر ما يثير سخطي أن منهم من يجلسون في مدخل العمارة دون إبداء أي احترام لكل من تمر بهم والعكس تماما إذا خرجت امرأة من نساء بيت أحدهم فإنه يهرول لطرد أصدقائه من المدخل إلى غاية مرورها»، ويعلق قائلا: «هل هم أكثر كرامة منا ونساءهم أجدر بالاحترام من نسائنا؟». والأدهى من كل هذا، عندما يحاول أحدهم طرد أولئك الشباب فإنهم يرفضون الانصراف بدعوى أنهم من أبناء الحي وليس لأحد الحق في منع تجمعهم فيه وغيرها من الحجج التي تجعل الجميع يصرف النظر عنهم حتى لا تتطور الأمور إلى مشاحنات وشجارات حسب ما يؤكد سكان الحي. «شرفات ونوافد ممنوعة من الفتح» هذا ما تؤكده الكثير من السيدات لاسيما من تقطن الطوابق السفلية من العمارات، تقول إحداهن: «منعنا ابني من فتح النوافذ وحرمنا من دخول الشمس إلى البيت، والسبب هو تلك التجمعات الشبابية التي تجتمع قرب العمارات في الكثير من الأحياء وما نسمعه من كلام قبيح يجعل كل واحد منا ينصرف إلى مكان ما»، وتضيف قائلة: «تثور ثائرة ابني إذا وجد واحدة من أخواته أخرجت رأسها من النافذة، فهو يؤكد أن لديه من يطلعه بذلك في حال غيابه عن البيت»، وتعلق قائلة: «تحولت حياتنا إلى جحيم بسبب تلك التجمعات»، أما السعيد فقد قرر الرحيل من الحي الذي يقطن فيه بسبب المشاكل التي تثير الشجارات في كل مرة في بيته وبين أبنائه، وإذا عرف السبب بطل العجب، حيث يذكر السعيد أن شجارا نشب بين أبناء الحي دفع الجميع للاستفسار حول ما جرى، والنتيجة هي قيام ابنه بلكم إحدى أخواته لما رفع رأسه إلى الشرفة وشاهدها واقفة فيها، وليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها العراك بينهما، حيث يقول: «قررت الرحيل من هذا الحي لعلي أضع حدا لكل تلك الخلافات التي تسببها تجمعات أبناء الحي التي تفرض علينا نمطا محددا من الحياة». السيناريوهات تكاد تكون واحدة في أغلب الأحياء، والسبب في كل مرة ما ينتج عن تلك التجمعات الشبابية، فهذا حطم وجه أخته، لأنها تطل من النافذة وهم متجمعون تحتها، وآخر صار يرميهم بقارورات زجاجية ليصرفهم من مكانهم، في حين تتطور المناوشات بين هؤلاء الشباب وبعض سكان الحي ممن يرفضون ذلك التجمع، خاصة وأن منهم من يأتي بأصدقائه الغرباء عن الحي ليقضوا أوقاتهم في الحديث أو لعب الدومينو وغيرها تحت الشرفات، كما في حين كان الأجدر به أخذهم إلى مقهى أو مكان عام على حد قول بعض السكان، ويذكر الكثير منهم جرائم وقعت، منهم مراد، الذي قال أن أحد سكان الحي الذي يقطن فيه خرج ليطرد جماعة من الشباب كانت قد أقامت كوخا في الحديقة التي تقع أسفل نافذة بيته مباشرة، وكانت أصواتهم وكأنهم معه في البيت، فنشب شجار بين الساكن وأحدهم، أخرج فيه هذا الأخير سكينا وطعنه لتدخل كلا العائلتين في قضية كانتا في غنى عنها. البطالة وغياب المرافق أهم الأسباب اقتربنا من بعض الشباب لنستفسر منهم عن سبب هذه العادة التي تنال سخط الجميع، فأجمع أغلبهم أن وقت الفراغ كبير، وليس لديهم أين يقضونه، خاصة أن جل من يهوى تلك التجمعات هم من الشباب البطال، كما اشتكى بعضهم من قلة مرافق التسلية في أحياء وانعدامها في أحياء أخرى، وندرة مقاهي الانترنت وقاعات الألعاب التي يلجأون إليها، ولو توفرت فهم لا يملكون المال لدخولها،هو واقع مرير لشباب وجدوا من التجمع ملاذا للترويح عن النفس، حتى وإن نالوا سخط السكان، لأنهم لا يملكون البديل.