تعود الكثير من الناس على وجود بعض الحيوانات الأليفة في بيوتهم لاسيما العصافير والقطط، بل حتى الكلاب التي كان الهدف من جلبها هو الحراسة، إلا أنها تحولت إلى صديق قد يحزن البعض أيما حزن في حال فراقها. لم يمنع عناء تربية حيوان داخل بيت، خاصة إذا كان منزلا ضيقا علاوة على ما تتطلب العناية المستمرة بهذا الحيوان لاسيما ما تعلق بالأمراض التي قد تنتقل إلى أفراد العائلة، إلا أن البعض لا يعير اهتماما لكل هذا، ويبقى المهم بالنسبة لهم وجود حيوان يستأنس به الأطفال وحتى الكبار فيصير يتمتع بمكانة خاصة بين أفراد تلك الأسرة. هذا وتحولت تربية بعض الحيوانات إلى هواية يمارسها الكثيرون وأحيانا تندرج ضمن مظاهر التفاخر والتباهي أو حتى تقليد لنمط معيشي معين، فالمتجول في بعض الأحياء الراقية من العاصمة يلاحظ بعض الناس وهم يتجولون مع رفيق من نوع خاص إنه »الكانيش«،حيث يعد هذا الحيوان الأليف رفيق الكثير من الناس لاسيما الشباب والمسنين، أنيس 22 سنة أحد سكان شارع ديدوش مراد بالعاصمة يملك كلبا من نوع «كانيش»، يقول بخصوصه: «إنه يخلصني من الوحدة التي أعيشها، خاصة وأنني وحيد والدي»، هذا ويبدي أنيس اهتماما كبيرا بمن يعتبره أعز أصدقائه. الإنسان والعصافير علاقة من نوع خاص يمارس الكثير من المواطنين هواية تربية العصافير لاسيما نوع «الكناري»، وما يلاحظ هو التعلق الشديد الذي يجمع بين كل من يمارس تربية الطيور والطيور في حد ذاتها، فهم يحرصون على رعايتها من توفير الأكل والشرب إلى تنظيف أقفاصها، وصدقونا إن قلنا أن هناك من يتحدث معها هذا ما أكده رضا 35 سنة الذي يملك قفصين في كل واحد عصفور، يقول: «أنا أحب رعاية العصافير لدرجة أن كل من العائلة والجيران ممن تضطرهم الظروف إلى ترك عصافيرهم لوحدها يأتون بها إلي، وأحيانا يحدث تجاوب كبير بيني وبين ذلك العصفور فتجدني أتحدث معها، بينما ترد علي هي بزقزقاتها المتواصلة». وهو الحال بالنسبة لرابح 59 سنة، يقول أنه يهوى تربية العصافير ولا يستطيع الجلوس في بيت يخلو من زقزقة العصافير، هذا وتحرص الكثير من العائلات على اقتناء على الأقل عصفورا واحدا ليكون في البيت، فهم يجدون من تغريداته متنفسا يبعث على الارتياح وهذا ما تؤكده فتيحة 42 سنة: «كان لدينا في البيت عصفور من نوع كناري ولكنه مات لأسباب نجهلها، خيم الحزن على البيت في غياب تغريداته ما جعلنا نشتري آخر رغم غلاء ثمنه». وتروي لنا نوال 35 سنة: «كنت أصطاد بعض العصافير التي تدخل إلى البيت وأضعها في قفص لتسلي أبنائي، ولكن أجدها قد توفيت بعد فترة غير طويلة رغم أنني أوفر لها كل ما تحتاج ما يجعل أطفالي يشعرون بالحزن الشديد على فراقها». الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة لنسيمة 25 سنة، فهي لا تستطيع أن تفارق قطتها «نينا» التي تقول بشأنها: «أجد متعة كبيرة وأنا ألاعب قطتي، إنها لا تشغل وقت فراغي فقط وإنما هي جزء لا يتجزأ من العائلة». كثيرا ما تحدث ألفة كبيرة تجمع بعض الناس مع حيوناتهم الأليفة حتى يصبح ذلك الحيوان عنصرا لا يتجزأ من العائلة بحكم أنه من العائلات من تربي الحيوان منذ ولادته ما يؤدي إلى خلق علاقة وطيدة معها تضاهي علاقة الناس مع بعضهم. إن ما يصطلح عليه الألفة، يمكن أن تتكون مع حيوان أليف مما يزيد من احتمال التأثر النفسي الكبير في حال فقدانه لسبب ما، وهذا ما لمسناه في عدة حالات. «جمال» 33 سنة مدمن على تربية العصافير ويهتم بها بشكل خاص، ويصطحبها معه في نزهات في المساحات الخضراء أكثر مما يرافق ابنه، وهذا ما يسبب له حالة من الحزن على فقدان إحداها، حيث يقول «أولي عصافيري عناية خاصة، وفي حال نسيت أمرا أتصل بزوجتي من العمل لتقوم به وأذكرها بتفقدها بين الحين والآخر، وفي حال مرض أحدهم أسعى جاهدا لعلاجه وتقديم الفيتامينات له، أما إذا توفي فذلك اليوم أحزن كثيرا ولا أكلم أي أحد من أفراد عائلتي، ولأنهم يعرفون شعوري جيدا فإنهم يتجنبون الاحتكاك بي حتى أعود لطبيعتي». خديجة وليلى تذرفان الدموع عند تذكر قططهما خديجة 23 سنة، رغم أنها كبرت، إلا أن فقدانها لقططها عندما كانت في الرابعة عشر من العمر لازال يحز في نفسها، والغريب أنها بكت عليهم وهي تتحدث إلينا قائلة: «كانت لدي ثلاثة قطط صغيرة، كنت جد متعلقة بها، أشرف على مأكلها ونظافتها ومنها من كانت تنام معي في نفس الفراش، ولكن لما كبرت زادت فضلاتها في البيت، ما خلق نوعا من الفوضى داخله، لذا قرر كل من أبي وأمي إخراجها من البيت، رفضت بشدة ولكن ما بيدي حيلة، خاصة أنهما كانا يقنعانني في كل مرة أنهم مصدر للأمراض،وبالفعل تم طرد القطط من البيت ولكن ما يثيرني نفسيا حين كانوا يعودون في كل مرة لأسمع مواءهم أمام البيت وكأنهم يسألون «لماذا طردنا»؟، تقول خديجة هذا وعيناها مغرورقتان بالدموع على قططها. ليلى هي الأخرى تبكي قطها الذي توفي في إحدى عيادات البياطرة بعد رحلة العلاج التي حرصت فيها ليلى على علاجه من المرض، حيث أصيب بكيس، أخضعته لتحاليل الدم ولكن البيطرية أكدت أنه ليس مرضا خطيرا ولكن المرض استفحل، تقول عنه «كان اسمه شوشو، ربيته لمدة 13 سنة كاملة، وكنت أعتني به كثيرا وكأنه أحد أفراد عائلتي، ولكنه مرض مؤخرا ومات ما جعلني أفتقده كثيرا»، هذه السيدة ذهبت إلى عملها في اليوم الموالي وعيناها منتفختان من شدة البكاء، ولما سألوها عن السبب أخبرتهم بوفاة قطها، وهو الأمر الذي دفعهم للاستغراب. ولمربي القطط نفس العلاقة الوطيدة التي تجمعهم معها، حيث تقول سلمى أن عنايتها المفرطة بقطها تكلفها الكثير، خاصة ما تعلق بأكلها الخاص وغاسولات التنظيف وغيرها من الأشياء التي تتطلبها العناية الجيدة بالقطط، ما يثير دهشة البعض ويعتبرونها ساذجة لما تصرفه على مجرد قط، إلا أن البعض من هؤلاء المربين يستغنون تدريجيا عنها نتيجة الإصابة ببعض الأمراض التي تكون القطط سببا فيها مثل تساقط شعرها الذي يسبب الحساسية، خاصة إذا كانت تشارك صاحبها نفس الفراش، كما قد يتداخل مع الطعام مما قد يحدث مشاكل صحية خطيرة، وكثيرا ما يفصل في أمر هذه القطط بطردها أو تقديمها لمن يريد تربيتها. جمال، هو الآخر شعر بصدمة كبيرة وشعر بالكآبة تعتريه بعد خيبة الأمل التي مني بها على أمل رجوع قطه الذي كان يمشي خلفه دوما كظله، ولكنه خرج بدون عودة منذ مدة. وحالة مربي الكلاب لا تختلف كثيرا عن سابقيها، فكثيرا ما يشعرون بالحزن على حيواناتهم بعد فقدانهم من كان الحارس الأمين والصديق الوفي، حيث يروي لنا منير 30 سنة، أنه ربى كلبا منذ أن كان صغيرا وكان أنيسه في ساعات الليل الطوال التي كان يقضيها في حراسة السيارات في أحد الأحياء، ولكنه مرض وتوفي بعد مدة وهذا ما آلمه كثيرا. وبدورها باية تروي عن العلاقة التي كانت تربط بين ابنها البكر وكلبه، تقول أنه كان يلقبه ب»حبيبي» ويحرص دوما على توفير أفضل المأكولات له، مضيفة أن فقدانه جعله يتألم كثيرا وعاش أياما منعزلا فيها عن الآخرين. وإذا كان البعض يعشق تربية الكلاب، إلا أن آخرين لا يطيقون حتى النظر إليها وهم يستغربون كثيرا كيف يستطيع هؤلاء التعود على مرافقة الكلاب، خاصة وأنها تصنف عند البعض في خانة الحيوانات الشرسة التي تسبب الأذى للإنسان، فعلاوة على نباحها المزعج فهي مصدر لنقل داء الكلب في حال عضت الإنسان ولم تكن ملقحة. ولا تقتصر تربية الحيوانات على ما تم ذكره سابقا، فنجد من يربي سلحفاة أو تربية الصيصان التي تنتعش تجارتها. ما هي حقيقة التعلق الشديد بالحيونات؟ وعن العلاقة التي تجمع بين الإنسان والحيوان ووصولها إلى حد التعلق الشديد، يفسرها البعض أنها علاقة جد طبيعية يغلب عليها الطابع العاطفي والشفقة على الحيوان، بل وهناك من يراها أنها علاقة لا تختلف كثيرا عن التي تجمع الناس مع أصدقائهم، لذا فهي علاقة عادية من حيث نشأتها ولا يراها أصحابها نتيجة عقدة نفسية، وعن شعور مربي الحيوانات، يقول رابح، هاو لتربية العصافير، أن الفرد يشعر بالراحة النفسية وهو يعتني بحيواناته ويلاعبها، غير أن الحقيقة في هذه الهواية لدى البعض تكمن في الفراغ الذي يكون في نفسية الإنسان بسبب فقدان شخص أو وجود نوع من النقص في حياة الفرد فيعوضه بعلاقة صداقة مع أحد الحيوانات الأليفة حتى لا يشعر بالفراغ والوحدة، غير أن شدة التعلق قد تنعكس سلبا في حال فقدان هذا الحيوان الأليف.