بعد التقديرات شبه المؤكدة، والتي تتحدث عن حسم إميانويل ماكرون وزير الإقتصاد الفرنسي، وكذا مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان، لسباق الإنتخابات الرئاسية في دورها الأول، توالت ردود الأفعال من سياسيين فرنسيين ومرشحين للرئاسة، مؤكدين على دعمهم لماكرون في سعي لمواجهة مرشحة اليمين المتطرف لوبان. فقد أبدى كل من مانويل فالس، وكذا المرشح بونوا هامون دعمهم لماكرون في الدور الثاني المقرر في ماي المقبل. كشفت مؤسسة إيبسوس عن تقدم المرشح إيمانويل ماكرون بنسبة (23.7 %) متفوقا على مارين لوبان، ممثلة الجبهة الوطنية، والتي حازت (21.7 %)، مما سيتيح لهما التأهل للدور الثاني من الانتخابات، والمزمع عقده مطلع شهر ماي المقبل. من جهة أخرى كشفت وسائل إعلام فرنسية أن نسبة المشاركة بلغت 77 بالمائة في نهاية اليوم الإنتخابي، وذلك في انتظار صدور الأرقام الرسمية. فرنسا تخاف من اليمين كلهم وراء ماكرون ولكن لوبان تصمد وتتأهل أكدت النتائج الرسمية فوز المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، وقد دعا مرشحا اليمين واليسار التقليديان الخاسران إلى التصويت لماكرون في الجولة الثانية المقررة في 7 مايو/أيار المقبل. وأعلنت وزارة الداخلية الفرنسية مساء الأحد أنه بعد فرز عشرين مليون (أي أكثر من نصف الناخبين المشاركين) تتصدر لوبان بنسبة 24.35%، يليها ماكرون 22.19%، ثم فيون 19.63%، وملانشون 18.09%. لكن الوزارة أوضحت أن العشرين مليون صوت لا تشمل أصوات المدن الكبرى. وفي انتظار استكمال الفرز وإعلان النتائج الرسمية الأولية أظهرت عمليات سبر لآراء الناخبين لدى خروجهم من مكاتب التصويت تصدر ماكرون -مرشح حركة إلى الأمام وزير الاقتصاد الاشتراكي السابق- بأكثر من 23% بالأصوات وبفارق نقطتين تقريبا على لوبان التي نالت أكثر من 21%، في حين قدمت مؤسسة كانتار سوفريه تقديرا مخالفا إذ أظهرت نتائجها تساوي ماكرون ولوبان بواقع 23%. ووفق عمليات سبر الآراء التي قامت بها مؤسسات متخصصة -بينها "إبسوس" وإيفوب" ومحطات تلفزيونية فرنسية- نال مرشح حزب الجمهوريين فرانسوا فيون (يمين الوسط)، ومرشح حركة فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون (أقصى اليسار) أكثر بقليل من 20%، في حين حصل مرشح الحزب الاشتراكي بونوا آمون على 6%. وبشكل عام، فإن المؤشرات الأولية المعلنة لا تختلف كثيرا عما توقعته استطلاعات الرأي في الأسابيع الماضية. وجاء صدور المؤشرات بينما تتواصل عمليات فرز الأصوات بعد إغلاق آخر مكاتب الاقتراع في الثامنة بتوقيت فرنسا (السادسة بتوقيت غرينتش)، وقد تجاوزت نسبة المشاركة 77%، وهي أقل من النسبة المسجلة في انتخابات 2012. رئاسيات 2017 كانت كبيرة وعنيفة على كل المستويات انتخابات فريدة من نوعها تعتبر هذه الانتخابات فريدة من نوعها، حيث لم يتأهل فيها مرشحا التيارين التقليديين، اليمين واليسار، للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وتنافس 11 مرشحا حصل ثلاثة منهم على أقل من 1%. ودعي لهذه الجولة 47 مليون ناخب فرنسي، وأجري الاقتراع في ظل انتشار نحو ستين ألفا من قوات الأمن والجيش تحسبا لأي طارئ بعد ثلاثة ايام من الهجوم الذي أسفر عن مقتل شرطي وتبناه تنظيم الدولة الإسلامية. ومباشرة بعد ظهور المؤشرات على تصدره الجولة الأولى قال ماكرون لوكالة الصحافة الفرنسية إن ما حدث يطوي بوضوح صفحة من الحياة السياسية الفرنسية. وأضاف أن الفرنسيين عبروا عن رغبتهم في التجديد. من جهتها، قالت لوبان في كلمة أمام أنصارها مساء أمس إنها ستدفع من أجل التغيير. ودعت الفرنسيين إلى الوحدة. أما ميلانشون فقال إن النتائج مبنية على استطلاعات ولم تظهر بعد نتائج المدن الكبرى. مارين لوبان تلقي كلمة في أنصارها بعيد تأكيد عمليات سبر آراء تأهلها للجولة الثانية. الخوف من تكرار مفاجأة ترامب التصويت لماكرون وقال مرشح اليمين فرانسوا فيون في كلمة له إنه لا خيار سوى التصويت لماكرون في الجولة الثانية. واعتبر أن فوز مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان سيؤدي لانهيار البلاد، متهما إياها بالتطرف وعدم التسامح. كما قال فيون إنه المسؤول الوحيد عن الهزيمة. ودعا أنصاره إلى الاستعداد للانتخابات التشريعية في جوان القادم. كما دعا المرشح الاشتراكي بونوا آمون إلى التصويت لصالح ماكرون. ووصف في الأثناء هزيمته بأنها عقاب للحزب الاشتراكي. وفي الإطار نفسه، دعا رئيس الوزراء برنار كازنوف ووزير الخارجية جان مارك آيرولت إلى التصويت لماكرون في الجولة الثانية. وقالت الرئاسة الفرنسية مساء أمس إن الرئيس فرانسوا هولاند هنأ مرشح حركة إلى الأمام بفوزه في الدور الأول. وفي سياق ردود الفعل، قال دافيد راشلين مدير الحملة الانتخابية لمارين لوبان إن تأهلها يحول الجولة الثانية إلى ما وصفه باستفتاء على العولمة. أما النائبة في الحزب مارشال لوبان فقالت إن تأهل عمتها انتصار للوطنيين، حسب تعبيرها. ظاهرة المرشح في الرئاسيات الفرنسية كيف صنع الإعلام ماكرون تنفرد الانتخابات الرئاسية الفرنسية -التي ستجرى دورتها الأولى في 23 أبريل الجاري- بخاصية أساسية، وهي انعدام القطبية الحادة التي ميزت الرئاسيات الفرنسية خلال مختلف مراحلها، وذلك لأول مرة في تاريخ الجمهورية الخامسة. إن انتهاء التنافس القطبي الثنائي بين معسكر اليمين ومعسكر اليسار يتجلى -بأوضح صورة- في بروز ظاهرة المرشح مانويل ماكرون الذي يعدّ فعلا مفاجأة الانتخابات الرئاسية الحالية. هذا المرشح الأوفر حظا للفوز بالرئاسيات لم يكن -إلى وقت قريب- معروفا لدى عامة الفرنسيين أو لدى أبرز المراقبين، وهو ما يشجع على قراءة هذه الظاهرة الفرنسية سياسيا، وبحث الجذور الحقيقية التي أفرزت المشهد الانتخابي الجديد وصاغت خصائصه. لم يكن لأبرز مراكز البحوث ومعاهد سبر الآراء أن تتوقع بزوغ نجم هذا الشاب وبهذه السرعة في سماء الحياة السياسية الفرنسية، التي ظلت لعقود وفية لثنائية كبار السياسيين من اليمين واليسار. ففي شهر مارس 2016 أعلن ماكرون دعمه لترشح الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا هولاند لرئاسيات 2017، لكنه بعد ذلك بشهرين أنشأ حركة "إلى الأمام" معلنا عزمه الترشح إلى الرئاسيات، وقد عُدّت هذه الخطوة -عند المعسكر اليساري حينها- خيانة للعائلة الاشتراكية الفرنسية الموسعة. لم يكن المصرفي الشاب بغريب عن المشهد السياسي الفرنسي؛ فقد شغل منصب "وزير الاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمي" خلال 2014-2016، وتولى قبلها منصب نائب الأمين العام للرئاسة 2012-2014، وهي كلها خطوات مكنته من التموقع داخل المشهد الكبير لآليات الممارسة السياسية الفرنسية. ماكرون تكريس للرأسمالية العالمية التكوين البنكي والرؤية العولمية يندرج تكوين ماكرون ضمن الخط الكلاسيكي الذي يضبط سلّم التدرج الوظيفي في الحياة السياسية الفرنسية. فالخلفية المالية والمصرفية للمترشح الرئاسي تبدو ذات وزن حاسم في هذا الصعود الصاروخي أمام منافسين بالحجم الثقيل. يضاف إلى ذلك مروره بالمؤسسة المالية الأبرز في فرنسا وفي العالم، وهي مؤسسة "روتشيلد" الذائعة الصيت في صياغة السياسة ونحت السياسيين بأوروبا كلها، وهو أيضا خريج "المعهد الوطني للإدارة" وخريج المدرسة اليسوعية الخاصة. بناء على هذا المسار؛ يمكن تصنيف المرشح الفرنسي الجديد على واجهتين، أما الأولى فتجعل منه منتوجا كلاسيكياً لمسار رجل السياسة الفرنسي من جهة الدراسة والتكوين، وكذا من جهة التجربة السياسية. وأما الثانية فتُظهره في صورة المرشح الأبرز للرئاسيات، وفيها يبدو عنصر المفاجأة أكثر جلاءً باعتبار قصر تجربته السياسية مقارنة ببقية المرشحين، وحتى صغر سنه (39 سنة) مقابل كبار الساسة المخضرمين. لا يمكن من ناحية أخرى أن نغفل أن الظاهرة السياسية للمرشح ماكرون لا تستمد وجودها في الحقيقة من المرشح نفسه بقدر ما تستمده من خصوصية السياق الفرنسي انتخابيا وسياسيا واقتصاديا، ومن خصوصية السياق الأوروبي والدولي بشكل عام. أي أن دور العوامل الخارجية كان حاسما في دفعه إلى مقدمة السباق الانتخابي فجأة. في السياق الداخلي؛ مثّل فشل الرئيس الاشتراكي هولاند في الخروج بفرنسا من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، عاملا دافعا للمرشح الجديد من أجل تحقيق هدفين لا ينفصلان: يتمثل الأول في الإبقاء ولو رمزيا على انتمائه الاشتراكي، باعتبار صدوره أولا من البوابة الاشتراكية للحياة السياسية الفرنسية بعد أن منحه الرئيس الحالي فرصة دخول المعترك السياسي العام. وأما الهدف الثاني فيتثمل في القدرة على مغادرة المعسكر الاشتراكي بما يسمح له بعدم تحمل تبعات النتائج الكارثية لحكم الاشتراكيين، والقدرة على المناورة أيضا داخل المعسكر اليميني المقابل. أما من زاوية المعسكر اليميني فقد أعطت الفضائح المالية والإعلامية للمرشح فرانسوا فيون دفعة كبيرة لحظوظ ماكرون من أجل احتلال مركز متقدم في الرئاسيات القادمة. فإلى حدود أسابيع قليلة ماضية كان فيون يعد الأوفر حظا للفوز بقصر الإليزيه قبل أن "يُغتال إعلاميا وانتخابيا" كما عبر هو عن ذلك في مناسبات عديدة، مؤكدا تحالف قوى عديدة لمنعه من الوصول إلى كرسي الرئاسة.