ما إن انطفأت أضواء الجولة الأولى من من الانتخابات الرئاسية الفرنسية حتى بدأت تتكشف خيوط اللعبة. وأن إيمانويل ماكرون سيكون ئيس فرنسا القادم بلا منازع فليست مارين لوبين إلا "الشيطانة الضرورية" التي ستسمح له باعتلاء الحكم بقوة لأنه مرشح البنوك واللوبيهات المالية وكذلك مرشح إسرائيل. كيف بشاب ظهر إلى السياسة منذ أقل من سنتين أن يكتسح الساحة بهذه السهولة؟ آخر فصول اللعبة السياسية ماكرون ولوبين الى الدور الثاني من الانتخابات الفرنسية صعد الشاب إيمانويل ماكرون والسيدة جون مارين لوبين الى الشوط الثاني من الانتخابات الفرنسية في شوطها الأول. وهذا سقط الحزبان الرئيسيان من اول سباق ليصعد شاب حديث السن بالممارسة السياسية والسيدة المتطرفة ابنة المتطرف حسب اوصاف صحفية. إيمانويل ماكرون الشاب الصاعد هو أصغر المتسابقين إلى قصر الإيليزي، يبلغ من العمر 39 سنة، عمل مصرفيا لدى بنك روتشيلد. انتسب ماكرون المنحدر من بلدة آميان في الشمال الفرنسي للحزب الاشتراكي عام 2006، عينه فرانسوا هولاند بعد انتخابه رئيسا مستشارا اقتصاديا، قبل أن يمنحه حقيبة الاقتصاد عام 2014 في حكومة مانويل فالس. أساس ماكرون في العام 2016 حركة سياسية أطلق عليها اسم "إلى الأمام"، استقال من منصبه الحكومي وقرر الترشح للانتخابات الرئاسية. يحظى بدعم من وزير الدفاع جان إيف لودريان، ورئيس الوزراء السابق مانويل فالس، استطاع رغم حداثة سنه، وقصر تجربته إقناع نسبة 23.7 بالمائة من أصوات الفرنسيين للتصويت لصالحه. فما هي خلفيات هذه القصة؟ المجموعات المالية المحيطة بمرشح المصارف من أين جاء ماكرون بكل هذه الأموال لتمويل حملته؟ نجح إيمانويل ماكرون في اجتياز اختبار الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية بعد أن رسم صورة إيجابية كجنتلمان حداثي يبدي عزمه لوضع حد لهيمنة "الرجال أنفسهم والأفكار ذاتها"، في إشارة للذين حكموا فرنسا سابقاً. وقد تبلورت شخصية هذا الزعيم بشكل إيجابي في وقت قياسي، وتشكلت صورته كمرشح "رئاسي" بفضل حركته البعيدة كل البعد عن الأحزاب السياسية التقليدية. ولكن في الوقت ذاته، يواجه ماكرون، الذي يعتبر كثيرون أنه يجسد أفضل خطة أو نظام لفرنسا، رهاناً اقتصادياً نظراً لصعوبة تمويل الحملة الانتخابية الرئاسية، التي تُستثنى منها المساعدات الحكومية، على الرغم من أنها تستوجب إنفاق مبالغ مالية ضخمة. ورغم صورته الإيجابية كرجل متمرد على النظام إلا أن تهم القضاء وصلت لماكرون، فقد جرى فتح تحقيق بحقه بتهمة المحاباة، خلال زيارة قام بها إلى لاس فيغاس في يناير 2016، بينما كان وزيراً للاقتصاد. وتضمن التحقيق، اشتباهاً بحدوث خلل في تنظيم هذه الرحلة إلى لاس فيغاس التي عهد بتنظيمها إلى عملاق الاتصالات الفرنسي "هافاس" دون استدراج عروض من قبل الوكالة الترويجية التابعة لوزارة الاقتصاد الفرنسية "بيزنس فرانس"، حسب ما جاء في تقرير لموقع نُون بوست. منذ نشأتها في أبريل/نيسان 2016، تمكنت حركة إيمانويل ماكرون من جمع مبلغ لا يستهان به في رصيدها، يقدر بحوالي ثمانية ملايين يورو. وقد ساهمت حوالي 30 ألف جهة مانحة خاصة في تمويل الحركة وتأمين هذا المبلغ. في المقابل، أثار هذا النوع من التمويل شكوك خصوم ماكرون في السباق الرئاسي. من جانبه، لطالما وصف جان لوك ميلونشون، وزير الاقتصاد السابق، ماكرون، "بالمصرفي الشاب". أما مرشح الحزب الاشتراكي بنوا هامون، فقد تحدى المرشح الوسطي أن ينشر قائمة الجهات المانحة لحزبه. علاوة على ذلك، اتهم هامون ماكرون بتكوين شبكة حوله، تتكون أساساً من "القوى الاقتصادية والمصرفية وجماعات الضغط الخاصة". وترى الصحيفة أنه في حقيقة الأمر، في حال ألقينا نظرة عن كثب على فريق إيمانويل ماكرون، فسيتبين لنا أن كلا المرشحين السابقين لم يكونا على خطأ في شكوكهما. جميع روائح إيمانويل ماكرون تفوح بالمال والأعمال وراءه لوبي بنكي إسرائيلي قوي في واقع الأمر، نجد على رأس قائمة الحاشية المقربة من ماكرون كريستيان دارنيات، الرئيس السابق لبنك "بي إن بي باريبا"، والمسؤول عن جمع تبرعات الحملة الانتخابية لماكرون. وفي المرتبة الثانية، نجد فرانسواز هولدر، التي أسست برفقة زوجها فرانسيس هولدر سلسلة المخابز الشهيرة 'بول'، والمسؤولة السابقة في حركة تجمع رجال الأعمال الفرنسيين التي تعرف باسم "ميديف". وفي الوقت الراهن، تشغل هولدر منصب الممثلة الوطنية لحركة "إلى الأمام". وتضم القائمة العديد من الأسماء البارزة الأخرى، على غرار المصرفي السابق في مؤسسة مورغان ستانلي، برنار مراد، المتخصص في قطاع الاتصالات. وبرنار مراد، البالغ من العمر 41 سنة، هو رجل أعمال فرنسي من أصول لبنانية. ومن المثير للاهتمام أن رجل الأعمال الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراهي، قد عينه في سنة 2015، على رأس مجموعته الإعلاميّة "ماغ آند نيوز كو". ويرد أيضاً على لائحة المحيطين بماكرون، ماثيو لين، رجل الأعمال والمفكر الليبرالي، وصاحب شركة "ألتير مايند" المتخصصة في الاستشارات والإستراتيجيات. ويضاف إلى هذه القائمة اسم مؤسس موقع ميتيك، مارك سيمونسيني. على العموم، تبرع كل عضو من شبكة أصدقاء ومستشاري، ماكرون، الذي يظهر في صورة المرشح الأوفر حظاً في السباق إلى قصر الإليزيه. خلافاً لذلك، دعم أكثر من 160 عضواً من هذه المجموعة مغامرة ماكرون بمبالغ تتجاوز 5 آلاف يورو. على علاقات متينة مع بنك روتشيلد ومسؤولين كبار هكذا جمع إيمانويل ماكرون الأموال بحسب ماتيو ماغنوديكس، الصحفي العامل بصحيفة "ميديابار" الفرنسية، والمسؤول عن مراقبة حملة إيمانويل ماكرون الانتخابية، تمكن زعيم "إلى الأمام" وفريقه، من جمع جزء هام من ثروة الحركة بفضل التظاهرات والحفلات الخاصة. ويشارك في هذه الحفلات جمهور على استعداد لدفع مبالغ لا يستهان بها. ومن المرجح أن الجمهور نفسه قد شارك في احتفال ماكرون بفوزه في الجولة الأولى من الانتخابات، ليلة الأحد الماضي في المطعم الباريسي، "لا روتوندي". بغض النظر عن منصبه السابق في بنك روتشيلد، هناك تساؤل يطرح نفسه ويتمثل في "كيف تمكن ماكرون من تكوين علاقات وصداقات مع هذه النخبة الاقتصادية؟". في واقع الأمر، يعود تاريخ بداية تكوّن هذه الشبكة من الصداقات، إلى سنة 2008، إبان تعيين ماكرون ضمن لجنة خبراء النمو الاقتصادي في فرنسا، التي يرأسها جاك أتالي، وذلك بتزكية من قبل الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي. ومن الواضح أن مشاركة ماكرون في هذه اللجنة، مهدت الطريق بالنسبة لهذا المرشح الوسطي لربط علاقات بكبار رجال الأعمال في الساحة الاقتصادية الفرنسية. ومن بين هذه الأسماء يمكن الحديث عن بيتر برابيك، رئيس شركة نستله متعددة الجنسيات، وكلود بيبر، مؤسس شركة أكسا للتأمين، وسيرجي وينبرغ، رئيس صندوق الاستثمار "واينبرغ كابيتال بارتنرز". على العموم، يتقن ماكرون أبجديات وقواعد لغة مجال الأعمال والاستثمارات، مما سمح له بتحويل حركته إلى "شركة ناشئة"، يصفق لها ويدعمها جزء كبير من النخب الاقتصادية والأحزاب التقليدية. وفي الأثناء، تسعى هذه الأطراف إلى وضع حد لتطرف لوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في الشهر المقبل. جميع تصرفاته أخبرت عن ذلك بوضوح ماكرون: مرشح إسرائيل ما هو القاسم المشترك الأكبر بين جاك أتالي، الذي يعمل مستشاراً للرؤساء الفرنسيين منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وعائلة روتشيلد، التي تمتلك أقوى مجموعة مالية في العالم، وباتريك دراهي رئيس أهم إمبراطورية إعلامية في أوروبا؟ الجواب واضح بالنسبة لأولئك الذين يدّعون الاهتمام في شؤون العالم: إسرائيل. في الواقع، لأنهم جميعاً مرتبطون ارتباطاً وثيقاً ويلعبون دوراّ رئيسياً في القضية الصهيونية. الأول يحلم بأن تكون “القدس عاصمة العالم”، ويؤثّر دائماً في اتجاه السياسة الخارجية الفرنسية بما يخدم المصالح الصهيونية، ويهمس في آذان رؤساء الدولة الفرنسية. اسم روتشيلد، من الممكن أن يحدث خلط بينه وبين إسرائيل، لدرجة أنّ هذه السلالة عملت في الماضي بإنشاء وصيانة وتطوير الكيان الاستعماري. أمّا بالنسبة لرجل الأعمال الفرنسي الإسرائيلي باتريك دراهي، الذي لا يخفي عمله من خلال مجموعته الإعلامية الفائقة والقوية والتي تعمل في خدمة المصالح الإسرائيلية. ولكن هناك نقطة مشتركة ثانية بين هذا الثلاثي قائمة على السياسة / المال / وسائل الإعلام، قلة من الناس يشتبهون بهم، باستثناء أولئك الذين يتابعون عن كثب مثل هذه الحالات: إنّه المرشح الجديد في وسائل الإعلام الفرنسية، المرشح الرئاسي إيمانويل ماكرون. هذا الشخص، تمّ تقديمه ودعمه على حساب بنوك روتشيلد وتحت توصية أتالي، ثم تمّ وضعه على مدار وسائل الإعلام من قبل دراهي، إنه الفائز المعلن في الانتخابات. في الواقع نحن نشهد الآن تصنيع جميع أجزاء المرشح، الذي لم يتم انتخابه بعد، والذي لا ينتمي لأي حزب، والذي يُقدّم على أنه رجل جديد يسعى لمكافحة النظام، في حين هو في الواقع نتاج نقي منهم. كيف استطاع ماكرون، الذي لا يمثل أي شيء، أن يحظى بمثل هذه التغطية الإعلامية؟ من الواضح أنّ لرعاته هدفاً ذا شقين: تعزيز قبضة القلة الحاكمة المالية على السياسة الاقتصادية لبلدنا، وذلك باستخدام ليبرالي متشدّد يُدعى ماكرون. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لإخضاع فرنسا أكثر لمصالح الكيان الإسرائيلي. وهذه النقطة الأخيرة سنناقشها هنا. لأن ماكرون مؤيد لإسرائيل عن قناعة، على الرغم من تكتمه عن هذه المسألة حتى هذه اللحظة. فليس هناك أي شك في أنّه رجل تابع للصهيونية. لإثبات ذلك يكفي أن نلقي نظرة على الذين أطلقوا حملته الانتخابية، والداعمين لها، ومن هم المسؤولون عنها، والاستماع إلى أقواله. فقد كان على العقول المستنيرة في الصيف الماضي إدراك مدى عمق العلاقة بين القضية الصهيونية وإيمانويل ماكرون، من خلال حلقة من برنامج “الدعوى” الذي أخفى في الواقع قضية “القمصان” الموالية لفلسطين. ومن خلال زيارة إلى ليونيل، منطقة هيرولت، حيث كان آنذاك وزيراً للاقتصاد، أسقط عبارة صغيرة كرّر منها فقط الجزء الثاني من قبل وسائل الإعلام. حين تم توقيفه من قبل اثنين من المعارضين لمشروع قانون العمل، وقال أنّه فقد صبره وسمحوا له أخيراً بالذهاب: "أنت لن تخيفني بقميصك. وأفضل طريقة لدفع تكاليف الدعوى، هي أن تعمل". "الحرية لفلسطين". هذا ما كُتب على قمصان الإضراب وتحدثت جميع وسائل الإعلام عن "الدعوى"، ولكن لم يتم التأكد من المحادثة بين الوزير وصاحب القميص. في الواقع، المرشح الرئاسي، خلال سفره إلى لبنان في أوائل يناير أعرب عن "رفض مقاطعة إسرائيل" و"الضغط" ضد الكيان الصهيوني. وقبل ذلك بعام، دعت مؤسسة فرنسية إسرائيلية 9 فبراير 2016، إيمانويل ماكرون- الوزير الفرنسي للاقتصاد والصناعة والشؤون الرقمية – وصف الدعوات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية بأنّها "بغيضة". بعد ذلك المساء، قام نيكول جيدج، رئيس المؤسسة الصهيونية المتشددة، بتقديم الوزير على أنّه "صديق عظيم لإسرائيل".