تعتبر الكفالة الحل الوحيد أمام الكثير من العائلات التي لم تتمكن من إنجاب أطفال، خاصة وأن التبني أمر محرم شرعا وممنوع قانونا، ومع تزايد الأطفال مجهولي النسب،وللحد من الاختراقات القانونية، أجريت تعديلات في القوانين، واتخذ المشرع قانون الكفالة كبديل وحيد للتبني، وفي هذا الصدد أكدت السيدة فاطمة الزهراء.ح مديرة مركز الطفولة المسعفة بالأبيار أنه تمت كفالة 250 طفل خلال سنة 2011. يعتبر إنجاب الأبناء حلم كل الأزواج، ولكن الكثير منهم لا يتمكنون من تحقيقه إما لمرض ما أو لإصابة أحدهما بالعقم، وبالمقابل هناك أطفال كثر بحاجة إلى الحب والرعاية وهم بحاجة لعائلة تضمهم وتعتبرهم كأبنائها، فالأبوة ليست فقط في إنجاب الأطفال، ولكن في رعايتهم وكانت ظاهرة التبني موجودة في المجتمع قبل سن قانون الكفالة، فبعض العائلات كانت تتبنى أطفالا غير شرعيين دون علم الجهات الرسمية، وهناك من اتجه إلى تزوير أوراق الحالة المدنية للطفل، فاختلطت أنسابهم، وقد قام قانون الكفالة بتسهيل المهمة على العائلات التي تريد أن تتكفل بالأطفال المحرومين من حنان وعطف العائلة، بالإضافة إلى حماية الحقوق الاجتماعية للأطفال بدون هوية وإعطائهم إسم العائلة المتكفلة بطريقة قانونية، وبالرغم من أن قانون الكفالة أصبح كبديل للتبني، إلا أنه مازالت هناك بعض العائلات تقوم بنظام التبني بطرق غير شرعية. عائلات مازالت تتبنى أطفالا رغم اطلاعها على حكم الشرع والقانون مع أن قانون الكفالة سمح للعديد من العائلات للتكفل بالأطفال بطريقة قانونية، إلا أنه هناك بعض العائلات مازالت تتبنى أطفالا غير شرعيين تجدهم في الشارع مهملين وتحتفظ بهم دون إعلام الجهات الرسمية وتسجلهم باسمها في أوراق الحالة المدنية، تقول السيدة حسينة: «يئست من الإنجاب ومن العلاج فوجدت طفلة رضيعة غير شرعية تركتها أمها أمام منزلي فأخذتها واعتبرتها وكأنها ابنتي الحقيقية وسجلتها باسم زوجي في أوراق الحالة المدنية، وقد أدخلت هذه البنت الفرحة على أسرتي». أما السيدة إيمان فتقول: «تقدمت بطلب التكفل بطفل إلى أحد مراكز الطفولة ورفضوا طلبي، لأنني غير متزوجة، وهم يفضلون منح الأطفال للمتزوجين، وعندما طالت الإجراءات قمت بتبني طفلة رضيعة من عائلة فقيرة مقابل مبلغ مالي وسجلتها باسم عائلتي». قضايا التبني المتداولة في المحاكم ورأي القانون فيها يقول الأستاذ محمد.ب، محام لدى مجلس قضاء العاصمة: «مع أنه أجري تعديل في قانون الأسرة واستبدل التبني بقانون الكفالة، إلا أنه مازال هناك العديد من قضايا التبني المتداولة في المحاكم، ومنها قضية تبن كشفت عند النزاع عن الإرث بين أقارب العائلة وهي لعائلة غنية حرمت من الإنجاب، فقامت بتبني طفل بطريقة غير قانونية وزورت أوراق الحالة المدنية، وكتبت الطفل باسمها، وكتب الإرث باسم الطفل، ما أدى إلى أن أحد أقارب العائلة المتنازع معها على الإرث قام بكشفهم أمام المحكمة، فقام القاضي بإلغاء التبني، وتوبعت العائلة قضائيا، وفي هذه الحالة يعتبر الولد ابنا غير شرعي للمتبني، ويتم إخراجه من الميراث، لأن التبني ممنوع في القانون، وهناك قضية أخرى لعائلة تقيم في فرنسا تبنت طفلا غير شرعي من الجزائر، ومنحته لقبها بطريقة غير قانونية وتوبعت قضائيا وألغي التبني». ومن جهة أخرى، يضيف الأستاذ، «أن هناك الكثير من العائلات من تجد أطفالا غير شرعيين في الشارع دون إخبار الجهات الرسمية وتتحايل على القانون وكأن الأم التي وجدت الطفل هي من أنجبته ويسجل الطفل باسم هذه العائلة في أوراق الحالة المدنية،وفي هذا السياق هناك قضية لعائلة وجدت رضيعا حديث الولادة في الشارع فأخذته واعتبرته وكأنه ابنها، وقامت بالتحايل على الجهات الرسمية وسجلت الطفل باسمها في الأوراق، ولما رجعت الأم الحقيقية، ولم تجد ابنها الرضيع أبلغت الشرطة، وبعد التحريات تم العثور على العائلة وألغي التبني وتوبعت العائلة قضائيا». ويضيف الأستاذ «أن الكثير من القضايا هي لعائلات مازالت إلى الآن تتبنى أطفالا معلومي النسب من عائلات فقيرة مقابل المال وتغير لقب الطفل الأصلي إلى لقبها، بالإضافة إلى العائلات التي تجد أطفالا غير شرعيين في الطريق وتتحايل على القانون وتسجلهم باسمها، بالإضافة إلى بعض العائلات التي تعيش في بلدان أجنبية وتتبنى أطفالا غير شرعيين من الجزائر وتزور أوراق الحالة المدنية في الجزائر، وفي بعض الأحيان يتم تهريب الأطفال إلى الخارج بطرق غير قانونية، ومنه لا يجوز لأي مسلم أن ينسب فلانا إليه ويسجله تحت لقبه واسمه في سجلات الحالة المدنية، لا مباشرة أمام ضابط الحالة المدنية ولا بموجب حكم قضائي، وكل تصرف مخالف لذلك يمكن أن يعرض فاعله إلى اتهامه بالتزوير ومعاقبته بمقتضى قانون العقوبات»، وعن القوانين يقول الأستاذ: «إن القانون والمشرع الجزائري منعا التبني بصفة قطعية، فلا يوجد حق لهذه العائلات بطلب التبني إلا إذا ثبت وجود علاقة أو صلة دم مع المولود، فالاسم العائلي ليس فقط عبارة أو كلمة توثق على أوراق الهوية، وإنما تدل على تاريخ الفرد، وباعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الثاني الذي يحكم المسائل المعروضة على القضاء عملا بأحكام المادة الأولى من القانون المدني، ويحرم التبني شرعا وقانونا وذلك بنص المادة 46 من قانون الأسرة الواردة في الفصل الخامس تحت عنوان النسب، فهي بذلك تؤكد أن نسب الولد يلحق لأبيه لا لغيره متى توفرت أركان وشروط الزواج الشرعي، إذن فالمشرع الجزائري ثابر على محاربة فكرة تحريف وتزييف الأنساب، إذ أنه لا يمكن إلحاق أي طفل سواء كان معلوم الأب أو مجهول النسب أو كان ابن زنا إلى نسب الغير ولو أبدى رضه بذلك، لأن ذلك يعتبر تعديا على ألقاب الغير، وقد أكد القضاء الجزائري في عدة قضايا متعلقة بحالات التبني، وأصرت المحكمة العليا في العديد من قراراتها على إلغاء التبني وإبطال أية وثيقة تتضمن هذه الحالة سواء كانت صادرة عن جهات رسمية وطنية أو عن جهات رسمية أجنبية، وذلك بسبب مخالفتها للنظام العام الجزائري، وبارتفاع عدد الأطفال مجهولي النسب وغير الشرعيين، ولتحقيق رغبة العديد من العائلات المحرومة من الأطفال في التكفل بالأطفال، وضعت الجهات الرسمية قانون الكفالة كبديل للتبني الذي كان منتشرا داخل المجتمع بالإضافة للتقليل من الاختراقات القانونية للعائلات المنتهجة لنظام التبني، وقد اعتمد أسلوب الكفالة للتكفل بهذه الشريحة من الأطفال من الناحية القانونية، وكوسيلة ملائمة لحماية الأطفال المتخلى عنهم،والمولودين عن علاقة خارج الزواج، وتقول المادة 116 «الكفالة هي عبارة عن التزام على وجه التبرع للتكفل التام بقاصر من نفقة وتربية ورعاية بموجب عقد شرعي»، وقد شجع المشرع على التكفل بالأطفال فاقدي الرعاية الوالدية بالسماح بتغيير اسم المكفول، ونص على حق الشخص الذي كفل قانونا ولد قاصرا مجهول النسب من الأب أن يتقدم بطلب تغيير اللقب باسم هذا الولد ولفائدته وذلك قصد مطابقة اسم المكفول مع إسم الكفيل مراعاة للحفاظ على حقوقه الاجتماعية، وفي حالة ما إذا كانت أم الولد معروفة فينبغي أن ترفق موافقتها المقدمة في شكل عقد شرعي طبقا للمرسوم المؤرخ في 13 جانفي 1992، أما بالنسبة للطفل المعلوم النسب من جهة الوالدين، فلا يجوز لضابط الحالة المدنية أن ينسب الطفل للكافل في الأوراق أو تسجيله باسم الكافلين بالدفتر العائلي، ويجب أن يحتفظ الولد المكفول بنسبه الأصلي إن كان معلوم النسب طبقا للمادة 120،ويشترط لصحة كفالة الطفل المعلوم النسب رضا الوالدين البيولوجيين، ويعتبر وجود الطفل داخل العائلة تبعا لنظام الكفالة من أفضل الحلول التي توصل إليها القانون إلى الآن لحماية الأطفال بدون هوية وذلك أفضل من تواجده داخل أحد المراكز الخاصة بالإيواء إلى أن يصل عمره 18 سنة، ولا يستطيع الاندماج في المجتمع أو التواصل بطريقة طبيعية». التبني محرم في الشريعة الإسلامية يقول الدكتور عبد الله بن عالية، أستاذ في الشريعة الإسلامية: «إن الإسلام حرم التبني، بمعنى ضمه إلى نسب الإنسان وإعطائ حقوق البنوة، وقد منع التبني، لأنه ينتج عنه اختلاط في الأنساب وتجريد الطفل من نسبه الأصلي، ويقول الله تعالى: «أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم»، فرابطة المودة والرحمة النابعة من صلة الرحم الأصلية لا تتجسد في القرابة عن طريق البنوة مهما بلغت درجة الإنسانية، ويقول الشيخ أبو زهرة رحمه الله: «إن الأبوة والأمومة ليست ألفاظا تتردد ولا عقدا يعقد، ولكنها حنان وشفقة وارتباط لحم ودم»، فتحريم التبني هو غاية في حد ذاته، إذ يمنع توريث من ليس له حق الإرث، لأن الميراث له شروطه وأحكامه منها القرابة مثلا، وفي تحريمه عدم الاعتداء على حقوق الغير، لأن إقرار التبني وثبوت التوريث يجعل منه تعديا على تركة الغير بغير وجه حق، وهذا من شأنه أن يثير الضغينة والأحقاد بين الأقارب الحقيقيين، فتحديد رأي الإسلام متوقف على تحديد المدلول المعني من التبني، فإن أردنا منه الرعاية والاهتمام بالطفل سواء اللقيط أو اليتيم أو بأمثاله من هذه الشريحة في المجتمع والاعتناء بتربيته والإنفاق عليه، فهذا النوع من التبني يشجع عليه الإسلام، وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين»، فهذا التبني ليس هو الذي حرمه الإسلام، لأنه لا يثبت به تزوير في النسب ولا حرمة زواج ولا إباحة اختلاط ببنات المتبني ومحارمه ولا استحقاق إرث، وإنما هو رعاية وتربية وإنفاق، وله أن يهب له ما يشاء من ماله في حياته وأن يوصي له في حدود الثلث من تركته بعد وفاته، أما إن أردنا من التبني ما هو شائع اليوم من جعل الطفل يحمل اسم العائلة ويكون له حقوقها ويدخل في نسبها ويستحق من الإرث ويحجب الأصلاء من الأقرباء الحقيقيين ويختلط عندما يكبر مع زوجة المتبني اختلاط الأبناء ومع بناته اختلاط الأخوات، فكل ذلك محرم أشد التحريم، لأنه تزوير وكذب وظلم». مركز الطفولة المسعفة بالأبيار يفتح أبوابه للعائلات المتكفلة ولمعرفة تفاصيل دقيقة حول الكفالة وشروطها وعن مدى اهتمام الأزواج بكفالة الأطفال، توجهنا إلى مركز الطفولة المسعفة بالأبيار في العاصمة، حيث تقول السيدة «فاطمة الزهراء.ح»، مديرة المركز: «عرفت الدار إقبالا كبيرا من العائلات المغتربة بالخارج المحرومة من الأطفال والأزواج المصابين بالعقم، وهذا التزايد في طلبات الكفالة يرجع إلى التسهيلات الموفرة لإجراءات التكفل، وكذا بسبب إدخال تعديلات على المواد القانونية التي تنص على الكفالة، وهناك تقريبا 250 طفل عرفوا طريقهم إلى أحضان عائلات عن طريق الكفالة السنة الماضية، ومعظم المتكفلين هم من المغتربين بالخارج، وهناك شروط قانونية يجب أن تتوفر في الكفيل أن يكون المتقدم جزائريا مسلما يمتلك مسكنا لائقا ووظيفة، وتقوم الدار بمعية وزارة التضامن بإيفاد لجنة تقوم بمعاينة الوضعية الاجتماعية والصحية والاقتصادية للزوجين، وتقوم الدار بتحقيق اجتماعي مسبق حول العائلة، لأن الدار تحرص أن يعيش الطفل في كنف والدين يوفران له الحنان والعطف قبل المستلزمات المادية، وتشكل فئة الإناث الفئة الأكثر طلبا من العائلات مقارنة بالذكور، وأغلب العائلات تفضل الرضع والمواليد الجدد من أجل تسهيل عملية تعود الطفل على العائلة»، وترى السيدة فاطمة «أنه يجب على المجتمع تغيير نظرته الدونية لهذه الفئة التي لم يكن لها دخل في الوضع الذي آلت إليه ووجدت نفسها فيه، ويجب مد يد العون أولا بتقبلهم وسط المجتمع وعدم النفور منهم أو اعتبارهم عارا أو لا يجب التقرب منهم، وكذا تشجيع العائلات التي فقدت الأمل في الإنجاب بالتقرب من دار الطفولة المسعفة ومحاولة إعطاء طفل صغير حضنا عائليا لا يمكن للدار مهما كرست من مجهودات أن توفره لهم». رأي الأخصائيين النفسيين في قرار الكفالة ولعلم النفس وجهة نظر في الموضوع، حيث تقول السيدة معمري، أخصائية نفسية بمركز الطفولة المسعفة بالأبيار: «إن قرار الكفالة لا يتم إلا بشروط، وعلى الراغبين في الكفالة التوجه إلى المصلحة الاجتماعية لتكوين ملف يدفع إلى مديرية النشاط الاجتماعي، ثم يسجل طلب العائلة المتقدمة بطلب الكفالة رسميا، وبعدها يحول الملف إلى دار الطفولة المسعفة، وتبدأ حينها عملية ملاحظة الدوافع ودراسة النواحي السلوكية والنفسية للمتكفلين، حيث يخصص لهم لقاء مع أخصائي نفساني، ويرى فيها مدى تحمل الزوجين للمسؤولية وحجم إدراكهم لصعوبة ومشقة التربية»، مضيفة «أن الرغبة في التكفل ليست الأهم، ولكن تبيان مدى تقدير المقبلين على الكفالة لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم وتقديرهم للأطفال واستعدادهم لإسعادهم»، وتضيف «أنه يجب على الأسرة المتكفلة أن لا تكذب على الطفل وتقول له أن أمه البيولوجية قد توفيت، وهي في الحقيقة على قيد الحياة، فالطفل عندما يصل إلى سن ال18، ويطرح السؤال على والديه وأصله ونسبه الحقيقي، فما عليهم سوى مساندته والبحث معه عن والديه الحقيقيين، فالطفل عندما يعرف الحقيقة في مرحلة متأخرة، وخاصة في سن المراهقة تتكون لديه أزمة هوية، لتولد هذه الأزمة فقدان الثقة في والديه ويصبح متمردا يمتنع عن الدراسة وربما يهرب من البيت».