تصر فرنسا الرسمية في كل موعد انتخابي لعب ورقة اغتيال رهبان تيبحيرين السبعة من طرف الجماعة الإسلامية المسلحة في 1996، وهذا من أجل كسب أصوات المدافعين عن قانون تمجيد الاستعمار، لكن هذه المرة عادت لتنفخ في الرماد مجددا من خلال دفع القاضي ترفيديتش اليهودي الأصل، للمطالبة بفحص جماجم حفنة صغيرة من الفرنسيين، والإصرار على التشكيك في تورط الجيش الجزائري في القضية، للضغط على الجزائر التي تحضر لخمسينية الاستقلال، وحملها على نسيان مجازر الجيش الفرنسي في حق الشعب الجزائري. بالرغم من أن القضية مرت عليها أكثر من 17 سنة، لا تزال الدوائر الفرنسية المحسوبة على دعاة تمجيد الاستعمار، تفتح الملف من حين لآخر وتحاول بشكل أو بآخر الضغط على الجزائر لحملها على فتح علاقات بين البلدين مبنية على المستقبل دون الخوض في الماضي، ولقد عاد القاضي الفرنسي مارك تريفيديتش منذ أيام ليطلب الحضور إلى الجزائر من أجل إخضاع جماجم الرهبان السبعة المدفونة في تيبحيرين لفحص الطب الشرعي، بحجة مطالبة عائلات الضحايا بالتحقيق مجددا لمعرفة الحقيقة، لكن فتحه في هذا الظرف بالذات يتزامن مع حملة الانتخابات الرئاسية في فرنسا، حيث تعد هذه القضية ورقة انتخابية يفتحها ساركوزي في كل مرة يذكر فيها جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والهدف بطبيعة الحال هو تحويل أنظار الرأي العام الفرنسي والجزائري عن حقيقة فرنسا الاستعمارية، وخلق ضجة من أجل حفنة من رجال الدين ثبت أنهم ضحية الجماعة الإسلامية المسلحة، بينما تغلق آذانها في كل مرة يفتح فيها ملف مجازرها في الجزائر. الرهبان السبعة.. قتلتهم »الجيا« لكن فرنسا أرادت توريط الجيش يعود تاريخ القضية إلى 27 مارس 1996، وهو اليوم الذي تعرض فيه رجال الدين الفرنسيين إلى عملية اختطاف من قبل مجموعة إرهابية تنتمي للجماعة الإسلامية المسلحة التي كان يتزعمها في تلك الفترة جمال زيتوني الذي تبنى العملية، ثم عثر على رؤوسهم ملقاة على حافة الطريق، لكن هذه الحقيقة حاولت فرنسا إنكارها بزعم أن الجيش الجزائري هو من تورط في العملية، وقد نقل موقع «ميديا بارت» الفرنسي شهادة الملحق العسكري بالسفارة الفرنسية بالجزائر، وقد روج هذا الملحق لفرضية تورط الجيش في القضية والتعتيم المفروض من قبل السفارة الفرنسية. عقب عملية الاختطاف التي وقعت بتيبحيرين بولاية المدية، كثر اللغط بشأن هوية منفذي العملية، وقد سارعت الأوساط الفرنسية لاتهام النظام الجزائري بالتورط فيها، لكن البيان الذي أصدرته الجماعة الإسلامية المسلحة «جيا» يوم 18 أفريل 1996، والموقع من طرف أميرها جمال زيتوني، جاء منافيا لكل ما قيل قبل هذا التاريخ. فقد أعلن مسؤوليته عن الاختطاف واشترط إطلاق سراح عناصر له، كما طالب التفاوض مع فرنسا بشأن الرهبان، غير أن رفض هذه الأخيرة وتماطلها في الاستجابة لشروط زيتوني، أفضى إلى التصفية الجسدية للرهبان السبعة يوم 23 ماي 1996 حسب بيان للجيا، ثم عثر على رؤوسهم على حافة الطريق بالمنطقة بعد أسبوع على مقتلهم، ورغم هذا بقيت بعض الأوساط الفرنسية ترجح فرضية تورط الجيش واستعانت في ذلك ببعض الضباط الجزائريين الذين فروا نحو الخارج واستعملهم القاضي جون لويس بوغيير كشهود، لكن القضية توقفت لفترة قبل أن يعيدها القاضي مارك تريفيديتش الذي خلف سابقه في 2007. شهادات مفبركة لضباط فارين لتضخيم الملف ضد الجيش الجزائري كانت شهادات الضباط الجزائريين المزعومين تروج لسيناريو واضح منذ البداية وهو توريط الجيش الجزائري مهما كلف الثمن، واستند فرنسا بشهادات بعض الضباط الفارين من الجزائر سنوات التسعينات، لتعزز نظرية تورط الجيش في مقتل الرهبان، وذهب هؤلاء حسب رواية القضاء الفرنسي، إلى التشكيك بأن الجيش قتل الرهبان وقطع رؤوسهم ولبس التهمة للجماعة الإسلامية المسلحة، ولا يدري أحد كم كان الثمن الذي قبضه هؤلاء من فرنسا حتى تستقبلهم وتوفر لهم الحماية على أراضيها، فشهاداتهم كلها كانت تصب في خانة الاتهام دون تقديم قرائن مادية حقيقية، ما يغذي فرضية المؤامرة من خدمة أصحاب فكرة تمجيد الاستعمار من الأقدام السوداء التي تريد العودة للجزائر بأية طريقة، لكن الشهادات هذه يرى القاضي تريفيديتش بأنها لا تكفي لذلك يريد القدوم للجزائر للاستماع للمزيد منها، وتمادى لأكثر من ذلك حيث طلب فحص الجماجم، وتصويرها بمعية خبراء قضائيين. الأقدام السوداء تضغط على عائلات الرهبان لخلط الأوراق على خمسينية الاستقلال إعادة فتح الملف من جديد بعد طلب من محامي الطرف المدني، جاء بناء على شهادة الملحق العسكري بالسفارة الفرنسية بالجزائر، حيث قرر المحامي باتريك بودوين أخذ شهادته محل الجد، وذهب في تصريح لميديا بارات للتكشيك في صدق الطرف الجزائري حول القضية، كما يتهم السلطات الفرنسية بالصمت حيال الملف الذي يعتبره حساس، وطلب إعادة تكييفه من جديد بناء على الوثائق المتعلقة به، إلى جانب طلب موجه للقاضي الفرنسي لاستدعاء مسؤولين فرنسيين، لكن من زاوية مغايرة، فإن الحقيقة من وراء فتح قضية رهبان تيبحيرين من قبل الطرف المدني في هذه الفترة بالذات، وكذا الطلب الذي تقدم به القاضي مؤخرا، ينم في الواقع عن مخطط جديد للأقدام السوداء وممجدي الاستعمار الفرنسي للضغط على الجزائر التي تعكف حاليا على التحضير لخمسينية الاستقلال، وهذا التاريخ طبعا يعني لفرنسا الرسمية الكثير، يضاف إلى هذا إرادة هؤلاء في طمس الحقائق بشأن جرائم فرنسا الاستعمارية في حق الشعب الجزائري.