تحاملت بعض العناوين الإعلامية الفرنسية على الجزائر وبشكل مفضوح، من خلال النبش مجددا في ملف اغتيال رهبان تيبحيرين، وحاولت عبر التشكيك في الرواية الرسمية، تحميل الجيش الجزائري مسؤولية المصير المحزن للرهبان السبعة، وتزامن هذا الهجوم الإعلامي مع اقتراب عرض فيلم »رجال وآلهة« بباريس، وهو الذي يتناول القضية من وجهة نظر بعض الأطراف الفرنسية، في وقت يرجح فيه أن تكون للقضية تأثير سلبي على العلاقات الجزائرية الفرنسية التي تمر منذ فترة بحالة من التوتر المزمنة. اعتبر التحقيق الذي نشر في العدد الأخير من المجلة الأسبوعية الفرنسية »لوفيغارو«، أن قضية اغتيال رهبان تيبحيرين ضمن واحدة من الصفحات السوداء التي تلغّم العلاقات بين الجزائروفرنسا، وحمل المقال الكثير من التساؤلات التي برزت في العنوان الرئيسي الذي حمل تساؤلا محوريا هو: »رهبان تيبحيرين: من يخاف من الحقيقة؟«، بحيث اعتبر صاحب المقال الملف من »أسرار الجمهورية« كونه »يُغطّي 50 عاما من العلاقات بين البلدين«. وإذا كانت »لوفيغارو« قد استاءت من التوقيت الذي جاءت فيه تصريحات الجنرال المتقاعد »فرانسوا بوشواتر« الملحق العسكري السابق في السفارة الفرنسية في الجزائر، التي قال فيها بأن »الجيش الجزائري قتل الرهبان عن طريق الخطأ، عندما قصف مواقع للجماعة الإرهابية التي قامت بخطفهم«، وقدّرت أنه كان من المفروض أن يُدلي بذلك في وقته أي العام 1996، فإنها راحت في المقابل تُقدّم قراءات لمختلف السيناريوهات التي لقي على إثرها الرهبان حتفهم، والغريب في الأمر أن كل الاحتمالات التي أوردتها توجه أصابع الاتهام إلى قوات الجيش بالضلوع في العملية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي معرض هجومها على الجزائر تابع تقرير المجلة التساؤل عن خلفيات ما أسماه إخفاء شهادات من عناصر »الجماعة الإسلامية المسلحة» الجيا « من بينهم المدعو »مسعود سعودي« و »فتحي بوقابوس« الذين اتهما الجيش الجزائري وحاولا تبرئة ذمة التنظيم الإرهابي، يأتي رغم حديث »لوفيغارو« عن وجود شريط مصوّر حول الأحداث، كان بحوزة القاضي »جان لوي بروغيار« المكلف بملف القضية منذ البداية. كما أنها نقلت تصريحا لمحامي اثنين من عائلات الرهبان الذين قضوا في 1996، المُسمى »باتريك بودوين«، الذي تمادى من جانبه بالقول: »كل المؤشرات تؤكد أن الجيش الجزائري ضحّى بحياة الرهبان«، وكال هذه التهم من منطلق أن »الجيش كان يعلم بأن تلك المنطقة تقع تحت سيطرة الإرهابيين«، وعليه فإن السيناريو الذي قدّمه يكمن في أن »الجيش اضطر إلى قصف المنطقة مما تسبب في مقتل الرهبان«. ثم عرضت فرضية أخرى حدّدتها في كون جماعة »الجيا« اضطرت أمام الطوق الأمني والقصف المكثف إلى التضحية بالرهبان وإعدامهم، ورغم ذلك فإنها لفقت التهمة إلى السلطات الجزائرية التي أشارت إلى أنها تلقت تعليمات من باريس بألا تُقدم على ما يُعرّض حياة الرهبان السبعة للخطر، أما السيناريو الأخطر الذي تحدّثت عنه »لوفيغارو« فيكمن في أن »مصالح الأمن الجزائرية كانت تستغل الجماعات الإرهابية« بما وهو اتهام ليس غريبا كونه يعكس مواقف فرنسية مُتطرّفة. ولم تخرج »لونوفال أوبسارفاتور« عن المألوف فنشرت بدورها تقريرا مُفصّلا عن قضية الرهبان لم يكن أقل حدة من ما ورد في مجلة »لوفيغارو«، فقد استغلت هي الأخرى قضية خروج فيلم »رجال وآلهة« إلى قاعات العرض في فرنسا في الثامن من هذا الشهر من أجل النبش من جديد في ملف اغتيال رهبان »تيبحيرين«، ومن بين الأوراق التي حاولت الاستثمار فيها قضية »الهوية الحقيقية« لأمير ما كان يسمى ب »الجماعة الإسلامية المسلحة« جمال زيتوني، حيث تساءلت إن كان فعلا »إرهابيا؟«، كما أنها حاولت توريط الجيش الجزائري بشكل مفضوح في اغتيال الرهبان السبعة عندما وضعت ضمن احتمالاتها أن يكون زيتوني »عونا تابعا لجهاز الاستخبارات الجزائري«. وأكثر من ذلك فإن »لونوفال أوبسارفاتور« استندت في هجومها على الجزائر على وثيقة صادرة عن القاضي »مارك تريفيديتش« الذي يُتابع هذا الملف منذ العام 2007 خلفا لسابقه »جان لوي بروغيار«، لكن الخطير في كل ما نشرته هذه الصحيفة يكمن في وجود وثيقة سرية مُحرّرة في 1996 من طرف مدير الاستخبارات الداخلية الفرنسي حينها، »فيليب روندو«، ولاحظت أن هناك صفحة ضائعة فيه سمّتها ب »الصفحة الغامضة« التي تدّعي بأنها تحمل إشارات إلى وجود علاقة مُباشرة بين جهاز الاستخبارات الجزائري وزعيم »الجيا« جمال زيتوني المتهم المُباشر في قضية اغتيال رهبان تيبحيرين. وزعمت الوثيقة أن »الجيش الجزائري كان يتعامل بنوع من التساهل النسبي مع الجماعات المسلحة لأسباب تتصل بالنظام التكتيكي«، وأشارت إلى أن هذه الإستراتيجية كان تعتمد بالأساس على إحداث تصدعات داخلية بالنسبة لتنظيم »الجيا« عن طريق بروز صراعات بين مختلف الجماعات الإرهابية التي برزت في العشرية السوداء، فيما أوردت شهادة المسؤول السابق للاستخبارات الخارجية الفرنسي، »جاك ديواتر«، الذي ادعى هو الآخر وجود »إشاعات بأن جمال زيتوني قد تمّ توظيفه من طرف الاستخبارات الجزائرية في 1991، لكن لم نتمكّن من الحصول على أدلّة على ذلك« في وقت كان أمير »الجيا« مُجرّد بائع للدجاج في بئر خادم بضواحي العاصمة. وعادت الصحيفة إلى تفاصيل اختطاف الرهبان السبعة بتاريخ 27 مارس 1996، واعتبرت أن قضية تحويل طائرة »آير فرانس« في 1994 كانت لها تداعيات في عدم التنسيق بين جهازي استخبارات البلدين لحلّ مشكلة الرهبان، وأسّست سوء هذه العلاقة على شهادة السفير الفرنسي بالجزائر في تلك الفترة »ميشال لوفيسك« الذي اعترف بأن »الجيا« أوفدت عنصرا لها ومعه شريط فيديو يؤكد بأن الرهبان كانوا على قيد الحياة من أجل التفاوض حول شروط إطلاق سراحهم دون علم مصالح الأمن الجزائرية، في إشارة إلى أن التنظيم الإرهابي »لم تكن لديه نية قتل الرهبان«. واللافت للانتباه أن التناول الإعلامي الفرنسي لقضية اغتيال رهبان دير تيبحيرين قد تفادى هذه المرة الدخول في متاهات التصريحات والتصريحات المضادة، واكتفى في المقابل بترجيح روايات معروفة دأبت منذ البداية على التشكيك في الرواية الرسمية التي تحمل الجيا بقيادة أميرها الوطني السابق جمال زيتوني مسؤولية إعدام رهبان دير تيبحيرين، ثم إن هذه الكتابات التي ركزت بشكل واضح على الشهادات الأخيرة للجنرال المتقاعد فرنسوا بوشولتر، تجنبت الإشارة في نفس الإطار إلى الشهادات القديمة-الجديدة لوزير الخارجية الفرنسي آنذاك، وإلى السفير الفرنسي بالجزائر خلال الفترة التي اغتيل فيها الرهبان، وخصوصا إلى شهادة المسؤول الأول سابقا على مديرية الأمن الإقليمي التابعة للمخابرات الفرنسية إيف بوني الذي سخر من شهادات الجنرال بوشولتر، ودحض روايته بالدليل والحجة واعتمادا على معلومات عسكرية وأمنية لا يرقى إليها الشك، وبين بالحجة الدامغة بأن التطاحنات التي كانت موجودة بين فرعي المخابرات الفرنسية الداخلية والمخابرات الخارجية هي من تسبب في تعجيل الجيا بتنفيذ جريمتها بحق رهبان دير تيبحيرين. ويبدو أن هذه الحقيقة هي التي تجعل الملف يعود إلى الواجهة في كل مرة في إطار حروب داخلية بين مسؤولين حاليين أو سابقين في أجهزة المخابرات الفرنسية، ناهيك عن العوامل الأخرى السياسية أو غير السياسية التي تجعل من ملف اغتيال الرهبان يتصدر صفحات بعض وسائل الإعلام الفرنسية المعروفة بخدماتها لكل السيناريوهات التي تهدف إلى الإساءة إلى الجزائر وإلى الجيش الوطني الشعبي وأسلاك الأمن، خاصة الترويج لأطروحة التشكيك في الجرائم الارهابية التي ارتكبتها الجماعات الإسلامية المسلحة.