حرص المشرع الجزائري على إقرار أحكام لحماية الأسرة من أي فعل يمكن أن يمس بكيانها واستقرارها, حيث استفادت من الحماية القانونية كونها اللبنة الأساسية في تكوين المجتمع. قانون الأسرة والحالة المدنية كانا قد قدما قواعد لتنظيم وبناء الأسرة, حيث تتجلى في العموم في احترام كافة حقوق أفرادها ومعاقبة كل من يتعدى أو يخل بما عليه من واجبات, وبناء عليه صنف الإهمال العائلي من الجرائم التي يمكن أن تسلط على الأسرة. وعن مدى نجاعة هذه القوانين والأحكام في حماية الأسرة من الإهمال العائلي, يقول المحامي محمد رابية أن الهدف الأساسي من تلك النصوص القانونية هو تكريس الحقوق والواجبات داخل الأسرة وقد تضمنتها المواد 330, 331, 332 من قانون العقوبات, وحسب رأيه فقد تمكنت من ذلك رغم وجود بعض التعطيلات التي لا تكون في صالح الطرف المتضرر ومنها أن المرأة لا تستطيع رفع الدعوى قبل شهرين من الإهمال إضافة إلى التكاليف التي يمكن أن تدفعها لكي تحصل على تعويضات مادية, كما يجب عليها انتظار آجال التسديد علاوة على طول مدة الإجراءات, وفي حال عدم التسديد ترفع شكوى يتم بناء عليها استدعاء المتهم وإن امتنع عن ذلك قد يصدر في حقه حكم بالسجن دون أن تأخذ هي دينارا واحدا. أخصائي في القانون يوضح الأركان المثبتة لجنحة الإهمال العائلي أكد المحامي بوستة, أن قضايا الإهمال العائلي لها أنواع صنفها القانون في مجالات, وهي ترك مقر العائلة, إهمال الزوجة الحامل, الإهمال المادي والمعنوي للأطفال وعدم تسديد النفقة التي تعتبر من أبرز القضايا المتداولة حاليا في المحاكم حسب ما أكده ذات المتحدث. ليضيف أن مصير تلك القضايا لا يكون دائما في صالح المرأة المتضررة نظرا لوجود أركان مادية ومعنوية والتي قد يجهلها الطرف المتضرر والذي لابد من توفرها في كل قضية حتى تتمكن المرأة من الحصول على التعويض المالي الضروري. وعن تلك الثغرات القانونية, يوضح بالنسبة لقضايا ترك البيت الزوجي والتي فصلت فيها المادة 330 من قانون العقوبات ففي حال تخلي أحد الوالدين عن مقر الزوجية لمدة تتجاوز الشهرين دون أداء الالتزامات المادية المترتبة على السلطة الأبوية أو الوصاية القانونية بسبب غير جدي, فهي جريمة يعاقب عليها القانون, غير أن المحامي يؤكد على ضرورة توفر كل أركان الابتعاد عن مقر الأسرة, عدم أداء الواجبات العائلية لمدة تزيد عن شهرين مع وجود الأولاد, كما أشار أن جنحة الإهمال العائلي توجب أن يكون الأب أو الأم المهملة على وعي بخطورة اختلالها بالواجب العائلي والنتائج التي يمكن أن تترتب عنها من انعكاسات على تربية وسلامة وصحة الأبناء. ترك المرأة لبيت الزوجية يسقط تهمة الإهمال عن الزوج ولكن ما لا تدركه الكثير من النساء أنه في حالة ترك الزوجة لبيت الزوجية وانتقالها للعيش رفقة أبنائها في بيت أهلها وبقاء المنزل الزوجي فارغا, فهنا لا تقوم تهمة ترك المنزل الزوجي على الزوج في حال أثبت أن الزوجة قد تركت البيت فعلا, يقول المحامي: «هناك قضايا استطاع فيها الزوج أن يتثبت أن الزوجة قد غادرت البيت الزوجي وبالتالي تصبح تهمة ترك المحل العائلي المرفوعة ضده غير ثابتة في حقه». هذا وكفل القانون حماية للمرأة الحامل بالنظر إلى خطورة هذا الإهمال على نفسية الأم من جهة وصحة الجنين من جهة أخرى, إذ يعاقب كل من تخلى عمدا ولمدة تزيد عن الشهرين مع علمه أنها حامل بالحبس ستة أشهر وبغرامة مالية من 500 إلى 5000 دينار, ويشير المتحدث في هذه النقطة تحديدا أن الجريمة لا تقوم بالزواج العرفي لعدم وجود قيام العلاقة الزوجية. أما عن إهمال الزوجة وهي حامل فيقول أن بعض الرجال تملصوا انطلاقا من انعدام عنصر العلم, أي أنهم لما هجروا البيت لم يكونوا على علم أن الزوجة حامل, يقول: «توجد قضايا أثبتت من خلال الملفات المقدمة والوقائع أنها لا تكون جنحة الإهمال العائلي, لأن المادة القانونية تشترط أن هجر الزوج لزوجته معاقب عليه عندما يكون على علم أنها حامل, لأن العقوبة تسلط في حق من يحمل صفة الأبوة, فكثير من سقطت دعواهن, لأن الزوجة لم تكن حاملا». ومن القضايا التي مرت على المحامي في هذا الباب لزوجة حامل تركت بيت الزوجية قبل أن ترفع ضد زوجها دعوى قضائية أنه أهملها عمدا وهو يعلم أنها حامل, إلا أن الزوج تقدم بحكم صادر عن قسم الأحوال الشخصية يلزم فيه الزوجة بالرجوع إلى البيت, وأنها من غادرت بيت الزوجية, ليصدر حكم ببراءته, هذا ويذكر المحامي انطلاقا من الملفات المتداولة أن بعض النساء يدعين الإهمال العائلي للحصول على الطلاق أو الخلع. الإهمال العائلي قد يكون من الزوجة وفي نفس السياق, يؤكد المحامي أن قضايا الإهمال العائلي لا تكون بتقصير الأب فقط, إذ يمكن أن يكون الإهمال من طرف الأم, فكثيرة هي القضايا التي دخلت أروقة المحاكم بسبب هجر الزوجة للبيت تاركة أولادها مع أبيهم بسبب خلافات عائلية, وكثيرا ما تكون في هذا النوع من القضايا الزوجة أجنبية, يوضح في هذا الشأن قائلا: «إن القانون ينص أن التخلي عن كافة أو بعض الالتزامات الزوجية التي تقع على كل من الأب والأم تجاه الزوج أو الأبناء وبذلك تقتضي جنحة الإهمال العائلي بالنسبة للأب, كونه صاحب السلطة الأبوية في التخلي عن التزاماته في ممارسة ما يفرضه عليه القانون مع أولاده وزوجته وتقتضي نفس الجنحة مع الأم, كونها صاحبة الوصاية القانونية على الأولاد عند وفاة الأب», ليذكر المحامي بالالتزامات الزوجية الواضحة التي نصت عليها المادة 78 من قانون الأسرة والتي تنص أن الرعاية وحماية الأسرة تشمل التعليم, التربية, السهر على الحماية وحفظ الصحة, إضافة إلى ضمان حاجياتهم المعيشية التي تشمل الغذاء, الكسوة, العلاج والسكن أو أجرته, وما يعتبر من الضروريات ووفقا للعادة والعرف, ولكن هناك العديد من الحالات, أين ترفع الزوجة دعوى ترك المنزل العائلي على الزوج ولكن لا تقوم الجنحة بحقه, ومنه أحد الملفات, أين ترك المتهم مقر الأسرة, ولكن كان يصرف عليها رغم غيابه, ورغم أن هجره دام لأكثر من شهرين, إلا أن الجنحة لم تقم بحقه. عدم تسديد النفقة أكثر صور الإهمال تداولا في المحاكم عدم تسديد النفقة تكون عقوبتها السجن من ستة إلى ثلاثة أشهر وبغرامة مالية من 500 إلى 5000 دينار كلما امتنع عمدا عن تقديم النفقة ولمدة تتجاوز الشهرين, ولا يكون الإعسار الناتج عن اعتبار سوء السلوك, الكسل أو السكر عذرا مقبولا, مع العلم أن الشخص الذي لديه دين لا يكون ملزما بتسديد إيجار طليقته على حد قول المحامي. على الزوجة إثبات مدة شهرين من عدم أداء الالتزامات العائلية عادة ما تقع الكثير من النساء في إشكالية حساب الشهرين والتي يقول بشأنها المحامي أنها تحسب من تاريخ ترك المقر الزوجي والتخلي عن الالتزامات العائلية إلى تاريخ تقديم الشكوى, وهنا يقع على عاتق الزوجة إثبات مرور مدة شهرين من تركه للبيت وإثبات تخليه عن الالتزامات العائلية, وعن مدى إمكان انقطاع مدة شهرين بعودة الزوج مرة أخرى إلى البيت, يشرح المحامي أن مدة الشهرين المحددة قانونيا يمكن أن تقتطع في حال عودته إلى مقر الأسرة, ولكن يضيف في نفس السياق أنه يجب أن تكون العودة عن نية صادقة, ويبقى للقاضي سلطة التقدير ما إذا كان رجوع ذلك الزوج فعليا أم مؤقتا. هذا ويوضح بوستة أن هناك بعض الظروف الخاصة التي يمكن أن ترغم صاحبها على ترك المحل الزوجي تكون إما ظروفا, مهنية أو صحية, ولكن يشير أن نفور الزوج من المشاكل أو نفور الزوجة من البيت تاركة أطفالها بسبب مشكل مع الحماة لا يعد سببا شرعيا, ويبقى متابعا بجنحة ترك المقر العائلي لمدة تزيد عن شهرين.