400 أمر بالتوقيف في حق مهاجرين مسّنين عادوا للموت في وطنهم كشفت أرقام ومعلومات متطابقة، أن عشرات الجزائريين المغتربين، تنتظرهم بالجزائر، متابعات قضائية وأحكاما بالسجن، بمجرّد أن تطأ أقدامهم أرض الوطن في العطلة الصيفية أو غيرها، فمن المطارات والموانئ يُقتادون عادة حسب الحالة والتهم والحكم، إلى مخافر الشرطة وأروقة العدالة. بهذا الصدد، أكد الحقوقي وعضو المجلس الدستوري سابقا، الأستاذ عمار رخيلة، في تصريح ل "الشروق"، أن الكثير من المهاجرين العائدين إلى أرض الوطن في الآونة الأخيرة يتفاجؤون بمتابعات قضائية صدر فيها أمر بالقبض ضدهم وعقوبات بالسجن خلال سنوات خلت دون أن يكونوا على علم بها، وقال إن قضايا كثيرة متابعون بها منذ مرحلة العشرية السوداء أو ما قبلها، 90 بالمائة منها تتعلق بجنح ارتكبت في حق الأسرة التي يعودون إليها وهم في سن طاعنة، كعدم تسديد النفقة أو الإهمال العائلي، والسبب حسبه أن هؤلاء غادروا في سنوات الستينات والسبعينات بحثا عن لقمة العيش أو هروبا من مشاكل اجتماعية. وجلهم من طبقة محدودة المستوى العلمي، فأهملوا العائلة ومنهم من لم يطلقوا زوجاتهم، لكنهم عند شعورهم بكبر سنهم والخوف من الوحدة عادوا فاصطدموا بمتابعتهم قضائيا. وقدرت بعض المصادر القضائية، ل "الشروق" أن أكثر من نصف مليون قضية أمر بالقبض ضد مهاجرين جزائريين عادوا إلى أرض الوطن أفرغت في 5 سنوات الأخيرة، منها 400 قضية ضد مسنين صدرت فيها عقوبات في سنوات تعود منها إلى التسعينات. وتتعلق التهم خاصة بالإهمال العائلي وعدم تسديد النفقة، إلى جانب قضايا أخرى تتعلق بالنصب والاحتيال وانتحال الهوية واختلاس أموال من شركات عمومية، وقد وقفت "الشروق" على قضية مهاجر سافر إلى فرنسا إبان الاستقلال وكان يعيش بهوية جاره لغاية اكتشف أمره وتم القبض عليه العام الماضي في مطار هواري بومدين وعلل سبب إقدامه على ذلك بأنه خلال الاستعمار الفرنسي في الجزائر خاف من أن يجند للحرب في ألمانيا فانتحل اسم جاره المتوفي، وبقي منذ ذلك الزمن تحت ظل هوية شخص آخر وبشهادة ميلاد مزوّرة، وفي سياق شبيه بذلك ستعالج محكمة الجنايات في العاصمة في دوراتها الجنائية القادمة قضية أشبه بالقصص الخيالية بطلها مهاجر عاش في السعودية بشهادة ميلاد مزوّرة على اسم عائلة ثرية في الجزائر فاستفاد من 7 ملايير سنتيم كنصيب من ثروة هذه العائلة، وحدثت أمور كشفت عن التزوير فراسلت السلطات السعودية سفارتها في الجزائر، وتوبع المتهم الذي تم القبض عليه من طرف الانتربول وتحويله للجزائر. وحسب ما يدور في المحاكم هذه الأيام، فإن المتابعات ضد المهاجرين أصبحت تتزايد نظرا لعودتهم خاصة المتقدمين في السن، وجنحة الإهمال العائلي اقتصرت عليهم فيما تراجعت على صغار السن، وتتعلق بأحكام صدرت منذ سنوات، غير أن القانون- يوضح الأستاذ عمار رخيلة- صارم ويلزم بإفراغ الأمر بالقبض حتى ولو سجن المتهم 24 ساعة فقط، مشيرا إلى أن عودة المهاجرين بعد مرحلة من الحياة في أوربا، يجعلهم يتفاجؤون بذلك. وأكد متحدث "الشروق"، أن الإهمال العائلي والذي يعني قانونا، ترك مقام الأسرة لمدة تتجاوز الشهرين والتخلي عن الالتزامات الأدبية الأبوية والتربية والإنفاق عمدا، لا يتعلق بالشخصيات العسكرية والمسؤولين الذي تضطرهم ظروف العمل للغياب عن الأسرة، مضيفا أن نسبة من المهاجرين الذين شملتهم الهجرة الجماعية في السبعينات للبحث عن العمل، ترك زوجاتهم وأولادهم بعد فترة من العيش في أوروبا، دون أن يدرك هجم المسؤولية، وما يمكن أن يترتب عنها، خاصة منهم الذين لم يطلقوا نساءهم، فصدرت ضدهم أحكام عن النفقة أو الإهمال العائلي. وتنص المادة 331 من قانون العقوبات، أن مدة السجن تتراوح بين شهرين إلى سنة وغرامة 25 ألف دج إلى 100 ألف دج كل من توبع بالإهمال العائلي، وفيما يخص هذا الموضوع شهدت محكمة حسين داي نهاية الأسبوع الماضي، 3 قضايا في جلسة واحدة لمهاجرين تجاوز سن 70 سنة، عادوا إلى أرض الوطن، وكان بينهم مهاجر عاد مؤخرا من بلجيكا فألقي عليه القبض بتهمة الإهمال العائلي. والغريب في القصة أن الزوجة كانت مطلقة منذ سنة 1988 قبل أن ترفع ضده شكوى عن نفس التهمة سنة 2002، لكنه لم يخبرها وعاد للعيش في أحضان الأسرة. أما قضية المغترب الثاني فصدر ضده أمر بالقبض سنة 1999 وعقوبة عام حبسا نافذا عن الإهمال العائلي دائما، وحسب المحامي عمار رخيلة، فإن أغلب هذه المتابعات تنتهي بعقوبات بسيطة لتخلي الأولاد والأم عنها بعد ذلك خاصة وأن المتهم يكون في سن حرج.