أشار الدكتور عماد بن عامر نائب رئيس المجلس العلمي لولاية الجزائر أن الإنحراف سلوك مكتسب ولا يمكن أن يكون فطريا في الإنسان، لأن الله سبحانه وتعالى خلقه على فطرة الاستقامة مما يدفع بالتساؤل عن مصدر الانحرافات التي باتت تهدد المجتمع وأهمها المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ويؤثر فيه لدرجة تجعله ينحرف عن الصراط المستقيم، وقد ركز الدكتور خلال مداخلته حول الموضوع على عامل الوقاية من الانحراف وأيضا ما تعلق بمسألة العلاج في حال وقع هذا الإنحراف وفقا للمنظور الشرعي. أسلوب الوقاية من الانحراف توفير للجهد والوقت والمال علاج الآفات الاجتماعية والسلوكيات الخاطئة عادة ما يأخذ الكثير من الوقت والجهد إضافة إلى المال، لذا يجب أن نتعلم كيف نقي الطفل من أن يتبع سبيل الانحراف وفي هذا السياق وضح ذات المتحدث أن العملية تبدأ أساسا من تنشئة الفرد منذ صغره تنشئة صحيحة ومساعدته على بناء شخصية سوية وهذه المهمة تقع على كل مؤسسات المجتمع بهدف الحفاظ على الفطرة السوية التي خلق عليها الإنسان. الإسلام سباق في العناية بالفرد منذ صغره علاقة الأم بجنينها ومدى تأثير ذلك على سلوكياته مستقبلا، كانت من أهم النقاط التي تطرق إليها الدكتور عماد بن عامر، مستدلا بذلك أن صحة الأم كثيرا ما تنعكس على صحة الجنين، لذا فهي مطالبة أن تعتني بصحتها لفائدة الجنين، والأمر نفسه بالنسبة لأخلاقها وسلوكاتها، حيث بين العلم أن حاسة السمع لدى الجنين تسبق أي حاسة أخرى في الظهور والنمو، فقراءة الأم مثلا للقرآن عندما تكون حاملا تؤثر كثيرا على الجنين الذي تحمله في رحمها ما يفسر أن الكثير من الأمهات اللائي دأبن على قراءة القرآن خلال فترة الحمل فقد تمكن أبناؤهن في فترة معينة من العمر من حفظ قسط لا بأس به من القرآن وأحيانا تحدث معجزات أين نجد أطفالا يحفظون من القرآن رغم أنهم في سن الطفولة المبكرة. دين الإسلام كان الأسبق للعناية بالإنسان منذ أن كان جنينا في بطن أمه، يقول الأستاذ عماد بن عامر وهو يشير إلى تحريم الإجهاض بكل صوره إلا في حالات الخطر على صحة الأم، ومنع تقسيم التركة والميراث حتى بعد ميلاد الجنين، ليضيف أن النصوص الإسلامية متوفرة بما فيه الكفاية للعناية بذلك المولود الذي خرج إلى الدنيا، يقول في هذا الإطار: »حثت المرأة دوما على العناية بطفلها وقبل أن يرضع من لبنها فهو يرضع من شخصيتها وأخلاقها وقد أمرت بالاعتناء بمأكله ومشربه وصحته، وكما أمر الأب بحسن اختيار اسم ولده فكثير من الأولاد نشأوا معقدين نفسيا بسبب أسماء سموا بها وتكفيك جلسة واحدة لتقف على قضايا الإهمال العائلي وقضايا الإعتداء الناجمة في الأصل عن أمور غرسها الآباء في أبنائهم«.إحداث توازن بين النواحي الجسدية والروحية والعقلية للطفل باتت ضرورة حتمية باعتبارها أهم الدعائم التي تكون شخصيته مستقبلا وفي حال حدث أي خلل في التوزان بين تلك الدعائم فتح باب الإنحرافات الإجتماعية على حد قول نائب رئيس المجلس العلمي لولاية الجزائر. وقد أثبتت كل النظريات النفسية والاجتماعية الحديثة نفس ما جاء به القرآن الكريم بخصوص أهمية ذلك التوازن في صقل شخصية الطفل وتجنبه الانحراف. مفهوم الذات الإيجابي والتعبير عن النفس عاملان مهمان في تفادي الانحراف تكلم الأستاذ عماد بن عامر عن أهمية مفهوم الذات الإيجابي الذي تتجلى ملامحه بالفخر بمختلف الإنجازات، إذ يعتبر ذلك محفزا نفسيا قويا للطفل، يساعده في بناء شخصيته مستقبلا إضافة إلى تعليمه كيف يكون مؤثرا في غيره بمعنى أن يحمل صفات القيادة في أي مجال من المجالات. زيادة على ضرورة بناء الذات الإيجابي، أشار المتحدث إلى عامل الإستقلالية بمعنى أن نربي الطفل أن لا يكون تابعا لأحد بما فيها والديه، لأنه في حال عدم تحميل الطفل للمسؤولية سينشأ متكلا على غيره في القيام بأموره، كما أشار إلى وجوب تعليمه أن لا يعلق فشله على الآخرين وكيف يتحمل الإحباط ويتفادى الانعزالية أو الانطوائية كونها من أهم أسباب الانحراف وفي هذه النقطة تحديدا أشار المحاضر إلى ضرورة أن نعلم أطفالنا كيف يعبرون عن مختلف إنفعالاتهم في حال أحسوا بالظلم والقهر، لأن الكبت من أهم الأسباب النفسية التي تدمر الإنسان وتؤدي به إلى الانحراف. العلاج بعد وقوع الانحراف إن مهمة القضاء على الانحرافات تقع على عاتق كافة مؤسسات المجتمع المدني والنظامي فكلها معنية بعلاج الانحرافات السلوكية وبهذا الخصوص قدم الأستاذ عماد بن عامر في حصره لدور هذه المؤسسات تصنيفا يشمل الدور المؤسساتي أو النظامي الذي يقع على مؤسسات الدولة التي تتكفل بحفظ النظام والقضاء على السلوكيات الخاطئة مع ضبط وسائل الإعلام حتى لا تبث ما من شأنه أن يدعو للرذيلة والعنف، بالإضافة إلى الدور الدعوي الذي يقع على عاتق الأسرة، المدرسة والمسجد ومما يقع على وسائل الإعلام من خلال توفير النصح والإرشاد وحملات التوعية التي تتم بالتنسيق بين مختلف مؤسسات الدولة والعدالة، حيث أكد أن هناك العديد من المرشدات من يذهبن إلى مؤسسات إعادة التربية بهدف توجيه المساجين، لأن الإنسان قد يتجاهل القانون ولكنه يخضع للسلطة الروحية المستمدة من الشريعة، وبغية تحقيق أفضل النتائج دعا نائب رئيس المجلس العلمي المرشدات أن يحصن أنفسهن بالعلم قبل أن يترجمنه في مسيرتهن الإرشادية.