سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الموت أو الإعاقة الدائمة مصيدة تترصد ضحاياها من عمال صيانة الطرقات السريعة »السلام اليوم« تخترق جدار الصمت لقوات التدخل السريع المعسكرة عبر طرقات العاصمة
»تغفل على روحك تديك الكروسة«، »واحد يفريني يخلعك«، «نشتغل في الطرقات والعمل على ربي»، هي تنهيدات تحمل أوجاعهم، صرخوا بها على استحياء، رافضين مثلث الموت الذي يطاردهم، «الحڤرة» والاستغلال اللذان صبا الملح على الجرح فزاداه نزيفا، هم يعتبرون أنفسهم مسبلين، كيف لا وقد أوكلت لهم مهمة تمشيط الطرقات السريعة بالعاصمة التي تعج بالمجانين كما المبتدئين من حملة رخصة السياقة، هم رجال المطافئ وقوات التدخل السريع يكونون في الموعد بمجرد بلوغ نداء التدخل لتهديم بنايات المواطنين المرحلين والمشاركة في عمليات الترحيل وخلال وقوع الكوارث الطبيعية مسامعهم حتى وإن كانت هذه المهام لا تمت بصلة لدورهم في صيانة الطرق الوطنية والولائية، هم كذلك عمال صيانة الطرقات المتوزعين عبر إقليم مقاطعات الجزائر العاصمة الثلاث عشرة. وللوقوف على هذا الواقع المليء بالتوجسات الدائمة و»التزوفير» اللذان يصارعهما عمال صيانة الطرقات بالعاصمة بصمت، كانت ليومية «السلام اليوم» زيارة ميدانية لمخيمات هؤلاء قادتها إلى آحد مآرب أول ماي الواقعة أسفل الجسر المتاخم للطريق الوطني رقم خمسة ببلدية سيدي امحمد الذي يستقبل عددا من العمال، لنضبط بعدها وجهتنا ناحية مستودع قطاع الأشغال العمومية المتواجد ببلدية حسين داي الذي يحتضن هو الآخر مجموعة من عمال الورشات وصيانة الطرقات، كما كان لنا رصد لشهادات حية على لسان المعنيين حول حياة البؤس والحرمان الواقعين في شراكهما المنسوجة بخيوط متشعبة حالت الحاجة الماسة التي جاءت بهم إلى العاصمة دون الانعتاق منها بتوديع مصدر الرزق الذي تشوبه الصعوبات والمخاطر. تحصي مديرية الأشغال العمومية لولاية الجزائر العاصمة أزيد من 2300 عامل يشتغل في صيانة الطرقات وموزعين عبر ورشاتها المختلفة المنتشرة في أنحاء قسيماتها الثلاث عشرة، ويزاول هؤلاء العمال وظائفهم بصفة تعاقدية، فمنهم من يملك عقود عمل في إطار تشغيل الشباب، ومنهم من يشتغل بموجب عقد لمدة محدودة أو لمدة غير محدودة، تصنف هذه الفئة العمالية في الرتبة الأولى من سلم الرواتب، حيث لا تتعدى رواتب العديد من العمال 13 ألف دج، كما هم محرومون من الكثير من المنح والامتيازات بالرغم من حساسية نقاط عملهم، التي تشكل الطرقات الولائية والوطنية السريعة مسرحا لها. تطليق شبح البطالة بولاياتهم الداخلية يصطدم باغتصاب غول طرقات العاصمة ليومياتهم تصطدم أحلام العديد من الشباب القادم من الولايات الداخلية للوطن إلى العاصمة بحثا عن مصدر رزق يخلصهم من جحيم البطالة التي نخرت كيانهم بمحدودية فرص العمل المفتوحة أمامهم نتيجة تواضع مستواهم الدراسي وعدم حيازة الكثير منهم على شهادات علمية أو تكوينات متخصصة تؤهلهم بأن يتبوأوا مناصب شغل ترتقي إلى مستوى طموحاتهم، حيث وأمام وضعيتهم المعيشية الصعبة التي تحتم عليهم القبول بما أتيح لهم من عمل وإن كان الأمر يعني بالنسبة لهم «التزوفير» المدقع، فإنهم يرضون بما لم يرض به شباب العاصمة ورأوا فيه تقليلا من هيبتهم، إذ تتوجه غالبا هذه الفئة العمالية النازحة من الولايات الداخلية إلى شغل مناصب كعمال نظافة عبر شوارع وأزقة العاصمة، كما قد يتوجه البعض الآخر للعمل عبر طرقاتها الفرعية والسريعة، كما هو حال عمال صيانة الطرقات الذين وجدوا أنفسهم مرتمين في أحضان الطرقات السريعة بما تحمل من مخاطر وتهديدات لسلامتهم وأمنهم، حتى بات كابوس الموت رميا بمقدمة سيارة مقبلة بسرعة جنونية في كل خطوة، بل في كل دقيقة ترتحل فيها أقدامهم لتمشيط حوافي الطرقات الهاجس اليومي الذي يطاردهم بلا هوادة. وتتدرج قائمة المنغصات التي يكابر عمال صيانة الطرقات ليلا نهارا، بل مع تعاقب الصيف والشتاء في تحملها حفاظا على مصدر رزقهم الوحيد بالرغم من أنه لا يعود عليهم إلا بأجر زهيد بعيد عن الأجر القاعدي المحدد من طرف الدولة الجزائرية مؤخرا بثمانية عشر ألف دج وقبلها بخمسة عشر ألفا. كما أبدى بعض العمال الذين تبادلنا معهم أطراف الحديث تأسفهم الشديد للإهمال الذي يعانون منه، والذي يتجلى في أبسط صوره في توكيل مهمة قيادتهم إلى أشخاص غير مؤهلين يتم انتقائهم عشوائيا تطبيقا لقاعدة «كل واحد قبيح يصبح شاف شونتي» –حسبهم-، الأمر الذي ينتهي في كثير من الأحيان إلى تسجيل حوادث عمل نتيجة تخاذل هؤلاء في الوقوف على توعية العمال، فضلا عن غياب الوسائل الناجعة للوقاية من خطر التعرض إلى حوادث المرور المميتة، مضيفين في سياق حديثهم أنهم يشعرون وكأنهم مخلوقات غير آدمية نتيجة الرمى بهم في شاحنات النظافة غير المغطاة والأمطار الغزيرة تتهاطل فوق رؤوسهم، مؤكدين أنهم يعاملون كسلع تكدس فوق الشاحنات تلقى عبر الطرقات بسرعة لتعاد الكرة مع فريق آخر من العمال، حيث أن كل هم المسؤولين هنا ضمان وصول عمال الصيانة لمواقعهم دون النظر في توفير شروط العمل الحافظة لكرامتهم رأفة بحياتهم التي يتهددها الموت أو التقاعد المسبق فوق كرسي متحرك. الموت القادم بسرعة... خطر يتربص بعمال صيانة الطرقات »عايشين مع الخوف«، «العامل حسبوه برويطة فقط»، «اللي تعرضو للحوادث شحمة وكلاها الڤط»، هي ومضات مما باحت به سرائر محدثينا من عمال صيانة الطرقات بالعاصمة التي تعري واقعا مريرا يتجرعون علقمه باستمرار، في ظل قصر البصر الذي حال دون رؤيتهم بعين الرأفة أو على الأقل الأخذ بعين الاعتبار مجازفاتهم اليومية بالنفس وسط لهيب الطرقات السريعة، حيث يزاول عمال صيانة الطرقات مداوماتهم وخطر الموت يتربص بكل من غفل ذهنه أو استغرق في العمل دون أن يأخذ حذره، إذ أحصت مؤخرا مديرية الأشغال العمومية لولاية الجزائر بعد الاحتجاجات الأخيرة التي شنها عمال القطاع، منددين بالواقع المزري الذي يتخبطون فيه ومطالبين بتحسين ظروف العمل أزيد من 68 حادث مرور تعرض له العمال عبر قسيماتها المتمثلة في زرالدة، الشراقة،الدرارية، بئر توتة، بئر مراد رايس، بوزريعة، باب الوادي، حسين داي، سيدي امحمد، الحراش، براقي، الدارالبيضاء، الرويبة، كما سجلت سبعة عمال من بين هؤلاء لقوا حتفهم بين سنوات 2007 و2011. ويضيف ذات التقرير أن هناك من تعرض إلى إعاقات دائمة ببتر رجليه أو بفقدان البصر. وبالرغم من حساسية مواقع عمال صيانة الطرقات الذين تضعهم وجها لوجه مع خطر الموت، إلا أنهم محرومون من منحة الخطر، التي تعد مطلبا أساسيا بالنسبة لهم نظير حوادث العمل المميتة التي هم عرضة لها وسط طرقات العاصمة السريعة، ليحال كل معطوب منهم إلى التقاعد المبكر وبكفيه منحة هزيلة لا تعوض الضرر الجسدي الذي لحق به أو تشفع له على السنين الطوال التي قضاها حاملا نعشه بيده. الأمراض تنخر أجساد عمال صيانة الطرقات الحديث عن منحة الخطر المحروم منها عمال صيانة الطرقات يقودنا للحديث عن منحة لا تقل أهمية عنها وترتبط أساسا بطبيعة عملهم الذي يجر ما أمامه وما خلفه، حيث يناشد هؤلاء الوصاية بمنحة العدوى على غرار عمال النظافة بالبلديات، كيف لا ومشاهد أكياسهم البرتقالية الملتقطة للقارورات والأكياس وعلب العصائر ومعلبات أخرى قد تخفي في داخلها ما قد يهدد صحتهم تسيطر على زوايا طرقات العاصمة، فضلا عن تجندهم الدائم لإجلاء الحيوانات الضالة المقتولة عبر الطرقات، إذ زيادة عن خطر الموت الناجم عن قطع الطرقات السريعة هرولة دون وسائل حماية أو وقاية هم عرضة للإصابة بأمراض نتيجة احتكاكهم بهذه الحيوانات المتعفنة. هذا وفي حالات كثيرة يتقمص عمال صيانة الطرقات دور عمال النظافة، الأمر الذي يجعلهم مهيئين لاستقبال الأمراض في ظل غياب وسائل الوقاية اللازمة، حيث يروي محدثونا في هذا الصدد كيف أن كل أعضاء الفريق العامل عبر إحدى الطرق التي شهدت انقلاب شاحنة نظافة تكفلوا بنقل مخلفاتها أصيبوا بوعكات صحية أجبرتهم على أخذ فترة نقاهة نتيجة تأثير حجم النفايات المتراكمة والانبعاث الحاد للروائح الكريهة منها، حيث يقول محدثونا من تكفل بتعويض هؤلاء عن الضرر الذي لحق بهم في ظل افتقادهم لمنحة العدوى؟ التحايل والتزوير لتغطية الخروقات القانونية في حق عمال صيانة الطرقات يعتبر قطاع الأشغال العمومية البقرة الحلوب التي تدر خدمات تطوعية بسواعد عمالها الخاضعين للكلمة السحرية «شبيك لبيك» لفائدة القطاعات الأخرى بالبلديات التي تفرض عليها الضائقة أو العجز الاستنجاد بهم، كما هو حال عمال صيانة الطرقات، الذين يجدون أنفسهم في أوقات كثيرة يمشطون داخل المدينة بين الأحياء والشوارع، حاملين معاول تهديم البنايات المرحل أصحابها وإزالة أثرها حتى لا تدب الحياة بها ثانية، أو ممسكين بالمناجل بين الأشجار لإزالة الحشائش الضارة وتخليص المواطنين من لسعات الناموس، هم كذلك حاضرون في حملات تزيين المدن التي تتجمل لإخفاء عورات سياسة البريكولاج عند استقبال الضيوف، كما في حملات الإغاثة والمساعدة عند غضب الطبيعة زلزالا أو فيضانا أو حتى تساقطا للأمطار وتهاطلا للثلوج فعل فعلته بالمدينة. ولكن أمام اعتراف الجميع بفضل عمال صيانة الطرقات في المساهمة في مهام ليست باختصاصهم، يبقى التحايل على القانون والتزوير وتزييف الحقائق من جانب المسؤولين الصفة السائدة في حالة تعرض أحدهم إلى حوادث عمل في تلك الأماكن، حيث يؤكد مصدر نقابي أن العديد من التقارير حورت من حادث ناجم مثلا عن المشاركة في تهديم البنايات إلى سقوط العامل من شاحنة العمل، كالحادثة التي كاد على إثرها أن يلقى أحد العمال حتفه العام المنصرم أثناء عملية تهديم بنايات المرحلين ببلدية القصبة لولا خوذة الرأس التي انقسمت إلى اثنين لقوة سقوط أجزاء من السقف، أين وضع المسؤولون في تقريرهم عن الحادث أن المعني كان يشارك في وضع الحمولة بالشاحنة سقطت عليه حجرة؟، والحوادث المماثلة كثيرة كما يقول محدثنا لتبرير الاستغلال الفاحش لهذه الفئة العمالية، التي تلعب دور الدمية في يد المسؤولين كما يضيف، نتيجة المجاملات وتبادل الخدمات الذي يتم بينهم على حساب هؤلاء، كما حدث مؤخرا في قسمة الحراش، أين دفع العمال لطلاء أحد الفنادق، وكشف ذات المتحدث أنه نتيجة لنظرة الاستصغار والاحتقار التي تشربت منها ضمائر بعض المسؤولين، أصبحوا لا يأبهون بكيل الإهانات للعمال، الذين ليس أمامهم إلا ابتلاعها بصمت خوفا من ردة الفعل التي قد تكلفهم خسارة مصدر رزقهم. وقاحة بعض أشباه المسؤولين جردتهم من آدميتهم بتوصيفهم ب»القطط« ينقل لنا بعض عمال صيانة الطرقات الذين هم على أعتاب التقاعد بعد ما قضوا سنوات طويلة خدمة للطريق شهادات تكشف مدى الصورة النمطية المرتسمة على طبيعة عملهم في الورشات وحوافي الطرقات منذ سنين طوال، والتي تعكس النظرة الاحتقارية التي يحملها بعض أشباه المسؤولين على عمال بسطاء رمت بهم أمواج الحاجة العاصفة في أحضان ظروف عمل قاسية، حيث يقول محدثونا ونبرة الأسف بادية على محياهم «تصوروا أنه كان يشار إلينا بتسمية القطط»، مسترسلين بالقول أن بعض أشباه المسؤولين كما يصفونهم كانوا لا ينادوننا بأسمائنا في أحاديثهم البينية، بل كان يخاطب أحدهما الآخر «هل أحضرت قططك»، حيث جردونا من آدميتنا قصرا ونحن «الدمية» التي تقول «شبيك لبيك» ليس خوفا، بل احتراما لعملنا النبيل بالنسبة لنا والحقير في نظرهم، وعن سبب التسمية، يقول محدثونا أن محدودية دخل العامل في الورشات وعلى حواف الطرقات الذي تستنزفه مسؤوليات العائلة حال دون أخذ وجبة صحية، مكتفين باحتساء الحليب مع قطع الخبز. خبز وحليب و»ڤازوز»... وجبتهم اليومية مفترشين حواف الطرقات لا تخفى على أنظار كل شخص من مستخدمي الطرقات أو في كل مكان يمر به تكون فرق أصحاب الزي البرتقالي معسكرة ناحيته وفي وقت تكون فيه عقارب الساعة متوقفة عند موعد الغداء، الوجبة الروتينية لهؤلاء التي لا تعرف التنوع ولا احترام السعرات الحرارية، لأن الموعد يعني بالنسبة لهؤلاء إيقاف الجوع وفقط، حيث كشف بعض عمال صيانة الطرقات الذين استوقفناهم للحديث عن يومياتهم أن قطع الخبز وأكياس الحليب فضلا عن «الڤازوز» تعد وجبتهم الرئيسية في كل الأوقات، وهم يفترشون أطراف الطرقات، ولا يتذوقون أطعمة أخرى التي لا تخرج هي الأخرى عن نطاق «الڤرانتيتة» أو طبق الفاصوليا، إلا في حالات استثنائية، أما إكرام النفس بقطعة دجاج لا يتم إلا مرة في الشهر أو أكثر. وتقاطعت انشغالات كل العمال الذين تبادلنا معهم أطراف الحديث ناقمة على منحة الأكل الهزيلة المخصصة لهم، والتي لا تتعدى سقف 14.5 دج منذ سنة 1991، متسائلين كيف يعقل أنهم لايزالون خاضعين لنفس التعليمة الوزارية الصادرة في 29 ماي 1991 التي حددت منحة الأكل أنذاك بالرغم من المتغيرات التي طرأت على الساحة الاقتصادية والاجتماعية الوطنية طيلة 21 سنة. الإقامة تحت جسر بالطريق الوطني رقم خمسة أقرب إلى جحور الجرذان إذا كانت يوميات عمال صيانة الطرقات تنقضي ساعاتها الأولى على ضفاف الطرقات، فإن لياليهم وأوقات فراغهم تقبض عليها إقامات تسد راحتهم وتنغص معيشتهم، حيث وأمام سياسة اللامبالاة في توفير أماكن الإيواء اللائقة التي ينتهجها القائمون على قطاع الأشغال العمومية الذي يشغل أعدادا كبيرة من القادمين من خارج العاصمة، وجد هؤلاء أنفسهم مرميين في إقامات تفتقد لأدنى أساسيات وشروط العيش الكريم، أغلبها عبارة عن مستودعات أو مآرب مخصصة للعتاد، وهو الواقع الذي وقفنا عنده خلال الزيارة الميدانية التي قادتنا إلى إقامة عمال صيانة الطرقات الواقعة بمأرب واقع تحت الجسر المحاذي للطريق الوطني رقم خمسة ببلدية سيدي امحمد، حيث تشبه هذه الإقامة التي تحتضن تسعة عمال نفقا مظلما، تنتعش بداخله رائحة الرطوبة الخانقة، كما يعم الظلام المكان طيلة الوقت لولا تشغيل الإنارة العمومية مساء عبر الطرقات التي تسمح لهم بإنارة المأرب الذي هو أصلح كجحر للجرذان منه مأوى لبشر، كما يعد هذا المربع الذي تم التفضل به على العمال على حد تعبير أحدهم مكانا للمبيت، الطبخ والاستحمام وحتى الراحة التي لا ينعمون بها وسط ظلامية المكان وغزو الجرذان له لغياب أسباب النظافة، هذا فضلا عن انعكاسات موقع المأرب المناطح للطريق السريع، ما جعلهم عرضة لاستنشاق الدائم للغبار ورائحة الزيوت التي زادتها ضوضاء مرور القطار بالقرب منهم جحيما حتى باتت أسماعهم مشوشة على حد قول أحد المقيمين القادمين من منطقة «السيقارا» بولاية ميلة ولا تفصله إلا 15 يوما عن التقاعد بعد 30 سنة قضاها خدمة للطريق، و ضيف «نحن عايشين في المزيرية والأمراض، لا شمس لا هواء، حاملين الرطوبة الخانقة وفيضان مياه الأمطار المستمر على المأرب، زيد في الشهر نتذوق قطعة لحم، والأمر لو كان تغفل على روحك في الطريق تديك الكروسة»، وكانت تنهيدات الأسف والألم آخر ما ختم به محدثنا كلامه. شاليهات مستودع حسين داي القاتمة صدأ تنخر أجساد العمال «منذ 23 سنة وأنا أعمل، حيثما رحلت أو ارتحلت تبقى ظروف الإقامة ذاتها»، هو ما أفصح به أحد العمال في إجابته عن تساؤلنا حول أماكن إيوائهم وهو الذي خبرها لأكثر من عشريتين من الزمن، الوجهة الثانية التي قصدناها بعد وقوفنا على الواقع المزري الذي يطبع إقامة العمال بأحد مآرب سيدي امحمد كانت شاليهات عمال الصيانة الواقعة بمستودع حسين داي، التي لا تختلف قتامة عن سابقها، اختصرها أحد العمال بقوله «الحدايد من فوق، القطرة، الرطوبة، الجرذان، البق، التريسيتي سارقينها»، ليضيف بنبرة الغضب «حتى المرحاض أو الحمام ما كانش»، حيث يضطر العمال في حالات كثيرة إلى الخلود إلى النوم بأجسادهم المتسخة وبملابسهم المبللة بعد نهارا طويل تشربت فيه ثيابهم مياه الأمطار. موتى ينقلون فوق شاحنات النظافة... وأهال يستقبلون ذويهم بعد 48 ساعة بالزي الذي ودعوا به الحياة مشهد آخر من مشاهد مسلسل المعاناة الذي يطارد عمال صيانة الطرقات حتى بعد مماتهم، هي صورة نقلها إلينا محدثونا وعلامات التوجع على الواقع المرير ترسم تفاصيل محياهم. يقول أحد العمال في شهادته أنه تفاجأ للتعامل المهين الذي تعرضت له جثة زميل له فارق الحياة بعد حادث مرور تعرض له وهو يؤدي مهامه، حيث لم يكلف المسؤولون أنفسهم عناء إحضار سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى، مكتفين بالاستعانة بشاحنة النظافة، جابت بجثته المستشفيات قبل أن تستخرج وثيقة وفاته ويرحل إلى أهله بولاية المدية فوق نفس الشاحنة بعد 48 ساعة من وفاته وبملابس العمل المتسخة والحذاء الشتوي اللذين ودع بهما الحياة، حيث لم يكرموا روحه بإزالة تلك الملابس عنه على الأقل؟ «ما كنت قادما إلى العاصمة استلفت 200 دج وأنا الآن أغادرها أستلف ذات المبلغ» آخر ما قاله أحد العمال وهو يحزم أمتعته مودعا مدينة الأحلام والآلام لحظة الوداع وحصد ثمرة شقاء السنون لا يعنيا كثيرا بالنسبة إلى المشتغلين في صيانة الطرقات على غرار باقي أقرانهم في قطاع الأشغال العمومية، بالنظر إلى منحة التقاعد الضعيفة التي سيتقاضونها، وهو الأمر الذي زادهم تحسرا على واقعهم المهني الذي لا يقوى على انتشالهم من هموم الحياة، حيث ينقل لنا في هذا الشأن أحد العمال شهادته على آخر لحظات أحد العمال المتقاعدين وهو يحزم أمتعته للعودة إلى ولايته بنبرة الأسف والدموع تكاد تنهمر من مقلتيه لولا كبرياء عنفوان، حيث يقول لن أنسى ما قاله لي، إذ كدت أترك العمل لما سمعت قوله «لما كنت قادما إلى العاصمة استلفت 200 دج وأنا الآن أهم لمغادرتها أستلف ذات المبلغ». رئيس نقابة عمال قطاع الأشغال العمومية «غول سعد الدين»، يؤكد «عمال صيانة الطرقات فئة محرومة... والقطاع على فوهة بركان» كشف رئيس النقابة الوطنية المستقلة لعمال قطاع الأشغال العمومية المنضوية تحت لواء النقابة الوطنية لمستخدمي الإدارة العمومية «سناباب» أن عمال القطاع محرومون من أبسط حقوقهم، كما يعملون في ظل ظروف غير مريحة وجب تحسينها، خاصة فيما يتعلق بالأمن عبر الطرقات، مبديا استيائه الشديد من التهميش الذي يطال هذه الفئة العمالية المحرومة التي لم تستفيد من أي زيادات كما لم تحظ بالمنح التي تعد هي صاحبة الأولوية فيها على عكس عمال العديد من القطاعات الأخرى، مناشدا الوصاية بضرورة إعادة الاعتبار لعمال قطاع الأشغال العمومية والاستجابة لمطالبهم الملحة في استحداث منح الخطر والعدوى، فضلا عن ضرورة إعادة النظر في منحة الأكل التي لا تتجاوز 14.5 دج، مشيرا في سياق حديثه أن القطاع على فوهة بركان يكاد ينفجر إذا لم يتم تحقيق المطالب المشروعة المرفوعة من طرف عماله الذين يفتقدون إلى قانون أساسي. العمال يهددون: «سنفضح الواقع المر المسلط علينا أمام العالم برفع قطع الخبز» أمام منغصات العمل العديدة التي يعيشها عمال قطاع الأشغال العمومية بولاية الجزائر، وافتقادهم لكثير من الامتيازات والحقوق على غرار غياب منحة الخطر بالرغم من طبيعة عملهم على مستوى الورشات والطرق السريعة التي قد تجعلهم عرضة لحوادث مرور مميتة، فضلا عن الراتب الزهيد الذي يتقاضونه ومنحة الأكل الضعيفة التي لا تكفي لشراء أي نوع من الوجبات السريعة المعروفة، يهدد عمال القطاع بالخروج في احتجاجات تحمل شعارات رفع الغبن عنهم وتمكينهم من أبسط حقوقهم المهنية والاجتماعية، وإعادة الاعتبار لعمال القطاع من خلال تمكينهم من قانون أساسي وإلغاء ما أسموه بالشروط التعجيزية في الترقية والتصنيف في سلم الرتب، مؤكدين أن سلاحهم هذه المرة سيكون رفع قطع الخبز التي كانت وماتزال تمثل بالنسبة للكثيرين «اللوڤو» الخاص بهذه الفئة العمالية المحرومة.