يصدم العديد من الحاصلين على شهادات جامعية عندما لا يجدون عملا مناسبا لهم لمدة طويلة بعد تخرجهم، وهذا ما يجعلهم يبحثون عن أي فرصة للعمل وتوفير مصروفهم اليومي حتى وإن لم يتناسب مع مؤهلاتهم العلمية. يعاني العديد من حاملي الشهادات نتيجة فشلهم في الحصول على منصب عمل يناسب تخصصهم فتضيع آمالهم في ضمان مستقبلهم الوظيفي، ويصبح حاجز البطالة هاجسا يطاردهم فيشعرون أن سنوات التعب التي قضوها في الدراسة ضاعت في الفراغ فيستسلم بعضهم إلى اليأس والبعض الآخر يضحون بشهادتهم الجامعية ويفضلون أن لا يبقوا مكتوفي الأيدي والسعي للحصول على منصب عمل لتوفير لقمة العيش حتى وإن كان هذا المنصب لا يتناسب مع خبراتهم العلمية، ولمعرفة رأي حاملي الشهادات في هذه الظاهرة، قمنا بمحاورة بعضهم، فسلمى هي إحدى المتخرجات من الجامعة منذ سنتي،ن وقد ضاعت آمالها في الحصول على منصب عمل يناسب تخصصها، حيث تقول: »أنا حاصلة على شهادة الليسانس في علم النفس منذ سنتين، وبحثت عن منصب عمل يتناسب مع تخصصي، ولكني لم أجد إلا الأعمال التي لا تناسب مستواي العلمي، لذلك فضلت أن أمكث في البيت وأمارس هوايتي في الخياطة وأصبح لدي الكثير من الزبونات، وأنا أعرض عليهن موديلات كثيرة من وأزياء متنوعة«. أما سمير فهو الآخر أحد الحاصلين على شهادة عليا وهو أحد المعارضين لفكرة العمل في غير تخصصه، حيث يقول: «أنا أحمل الماجستير في علم النفس، وأنا بصدد البحث عن عمل يناسبني منذ ثلاث سنوات ولم أجد، لذلك قررت أن لا أعمل في منصب آخر لا يتناسب مع مؤهلاتي، لأن هذا سيشعرني أنني لم أدرس في حياتي وأنا أعارض فكرة العمل في غير مجالي«. وبالرغم من أن البعض من الحاصلين على شهادات فقدوا الأمل في الحصول على منصب يناسب تخصصهم، إلا أن هناك من الشباب الذين تخلوا عن شهاداتهم وفضلوا البحث عن عمل خارج إطار تخصصهم لتحدي شبح البطالة أو لتوفير لقمة العيش، ففريد هو أحد الحاصلين على ليسانس في العلوم السياسية، وبالرغم من رحلة بحثه الطويلة للحصول على منصب يناسبه والتي انتهت بالفشل، إلا أنه لم يستسلم لليأس وقرر تحدي شبح البطالة، حيث يقول فريد: «بعد تخرجي مباشرة من الجامعة بحثت كثيرا عن عمل، ولكني لم أجد أي فرصة، فقررت أن لا أستسلم لليأس وأن أتكون في مجال صنع الحلويات، لأن صديقي عرض علي العمل في محله، وعندما انتهيت من فترة التكوين عملت في محله لأكتسب خبرة، ثم طلبت قرضا من أحد البنوك وفتحت محلا لصنع الحلويات خاصا بي وأنا ناجح في عملي». نموذج آخر من الشباب الحاصلين على مؤهلات عليا، ولكنه لم يجد عملا يناسبه، هو أمين الحاصل على ماجستير في التجارة، ولكنه فشل في الحصول على فرصة عمل في مجاله وهو يقول: «بحثت عن عمل في مجال دراستي لمدة سنة ولم أجد، ولكنني فضلت العمل كبناء، لأني أعارض أن يظل الشاب بدون عمل بحجة أنه لم يجد عملا يناسب تخصصه ويتكل على عائلته في توفير مصروفه وقررت أن أضحي بشهادتي ولحسن حظي كانت لدي خبرة في البناء تعلمتها من أحد أقاربي بالرغم من أن الكثير من أصدقائي استغربوا أنني أعمل في هذا المجال، ولكن كلامهم لا يهمني«. ومن جهة أخرى، هناك من الحاصلين على شهادات عليا دفعتهم الظروف المعيشية السيئة إلى التضحية بشهاداتهم العلمية لضمان لقمة العيش، فسمير شاب وجدناه يعمل في محطة بنزين وهناك سمعنا من أحد العاملين أنه متحصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي ويتقن ثلاث لغات، وهذا ما جعلنا نستغرب عمله في هذا المجال فقررنا أن نعرف منه هذا الأمر، حيث يقول: «بحثت عن عمل في تخصصي، ولكني لم أجد أي فرصة فقررت أن أضحي بشهادتي وأن أعمل في هذا المنصب عندما عرضه علي أحد أقاربي، لأن ظروف عائلتي المعيشية سيئة، وهذا ما دفعني إلى مساعدتهم بأي طريقة، وأنا لا أخجل من عملي مادمت أكسب المال بالحلال، مع أن هذا المجال متعب وأضطر أن أعمل ساعات إضافية لأوفر المزيد من المال بالإضافة إلى أن الكثيرين ينظرون إلي وكأنني غير متعلم، وفي بعض الأحيان نظرة احتقار، لأن عملي بسيط، ولكن هذا لم يؤثر على نفسيتي«. لا يقتصر تغيير مجال التخصص عند البحث عن عمل على الذكور فقط والدليل على ذلك وجود شابات متحصلات على شهادات جامعية يعملن في مجلات لا تتناسب ومستواهن الدراسي، وفاطمة صاحبة ال25 سنة واحدة منهن والتي فضلت العمل في مجال لا يناسب تخصصها في سبيل توفير مصروفها اليومي، وقد وجدناها في أحد المحلات الخاصة ببيع الملابس النسائية، حيث تقول: «تحصلت على الليسانس في الأدب العربي منذ سنتين، ولكنني لم أجد أي فرصة في مجال دراستي. في البداية كنت معارضة أن أعمل في غير تخصصي، ولكني تقبلت الأمر عندما وجدت الكثير من الجامعيات يعملن في غير مجالهن بالإضافة إلى أنني قررت العمل لأوفر مصروفي اليومي، لأني لا أحب فكرة الاتكال على أسرتي«. شابة أخرى دفعتها الظروف المعيشية السيئة للعمل خارج مجال دراستها هي سلمى التي وجدناها تعمل عند إحدى الحلاقات تساعدها في غسل شعر زبوناتها، وسمعنا هناك أنها متحصلة على شهادة ليسانس في التسيير والاقتصاد، وعندما سألناها قالت: «طرقت أبواب العديد من المؤسسات للحصول على فرصة عمل، ولكنني وجدت أن بعضها يضع شروطا مبالغا فيها، وما زاد من استغرابي أن إحدى الشركات رفضت طلبي للعمل مع أني حاصلة على شهادة جامعية وقبلت طلب إحدى الفتيات، لأنها متبرجة ومظهرها لائق، وأنا كنت متحجبة، وعندما عرضت علي جارتي العمل في صالون حلاقتها قبلت العمل لأوفر لقمة عيشي ولأساعد عائلتي مع أن الكثير من الزبونات يعتقدن أن مستواي التعليمي محدود، إلا أنني مضطرة للعمل هنا، لأني لم أجد أي عمل آخر«. ومن جهة أخرى، هناك من جعله اليأس يندم على سنوات تعبه في الدراسة التي ذهبت في الفراغ بعد رحلة بحث عن عمل دامت سنوات دون جدوى، حيث يقول كريم: «أنا متحصل على ليسانس في هندسة الكمبيوتر وطرقت جميع أبواب الشركات للبحث عن عمل، ولكني لم أجد أي عمل في مجالي، ولحسن حظي أني تعلمت حرفة النقش على الخشب من والدي، فاضطررت أن أعمل في احدى ورشات النجارة لأكون نفسي وأضمن مستقبلي وأصبحت متساويا مع من لا يحمل أي شهادة، ووجدت أن حرفتي نفعتني أفضل من شهادتي، وأظن أن الشهادة الدراسية لم تعد تجدي نفعا وندمت أني ضيعت وقتي في الدراسة«. تخجل الكثير من الفتيات اللواتي يملكن شهادات جامعية من الإعلان عن العمل الذي يمارسنه، خاصة وأنه لا يتناسب مع مستواهن العلمي فيخفين الأمر عن الجميع، وهو ما أكدته أمينة التي تقوم بغسل الأطباق في أحد المطاعم: «أنا خريجة معهد الترجمة، ومع هذا لم أجد أي فرصة عمل بعد رحلة بحث دامت سنتين، ولكني لم أستسلم وقررت أن أعمل لأوفر لقمة عيشي فاخترت أن أغسل الأطباق في أحد المطاعم عوض أن أعمل كنادلة، لأني أخاف أن يراني أحد من جيراني أو معارفي ويستغربون من الأمر». أما جمال صاحب ال25 سنة فلم يكتف بشهادة الليسانس، وأكمل الماجيستير في إدارة الأعمال، وإن ما يميز هذا الشاب هو تمتعه بإرادة قوية، هذا الشاب الذي وجدناه يعمل في أحد المحلات لبيع الأواني الفخارية وهو مقعد على كرسي للمعؤقين، علمنا بالصدفة من حديثه مع أحد أصدقائه أنه متحصل على ماجستير في إدارة الأعمال فدفعنا الفضول أن نعرف سبب عمله في مجال في غير تخصصه رغم أنه متحصل على شهادة عليا، حيث يقول: «تعرضت لحادث مرور تسبب في إعاقتي الحركية عندما كنت في السنة الرابعة في الجامعة، ولكن هذا الأمر لم يمنعني من مواصلة مشواري الدراسي، بل زادني إصرارا لأتحدى إعاقتي حتى حصلت على شهادة الماجستير منذ ثلاث سنوات، ولكن لم يحالفني الحظ في الحصول على عمل في تخصصي فقد قصدت الكثير من المؤسسات ولكن أصحابها كانوا يعتقدون أنني لا أستطيع فعل أي شيء وينظرون إلي نظرة شفقة، وجميعهم رفض طلبي، لأنهم ينظرون إلى المعوق نظرة خاطئة، ولكني بقيت دائما متمسكا بالإرادة القوية ومؤمن بأن المعوق يستطيع فعل ما لم يفعله الإنسان العادي، لذلك لم تؤثر نظرتهم لي على معنوياتي، بل رغبت أن أغير هذه النظرة للمعوق وقررت أن أستغل حرفتي التي تعلمتها من والديو وقررت أن أطلب قرضا صغيرا من البنك لأفتح ورشة صغيرة لصناعة الأواني الفخارية وفتحت أيضا محلا لأبيع فيه منتجاتي، وقررت أيضا أن أدخل معي في الورشة أشخاصا من ذوي الاحتياجات الخاصة يستطيعون العمل لمساعدتي بالإضافة إلى أخي الذي كان دائما يقف إلى جانبي في الورشة، وأنا أعتز أني أملك شهادة جامعية ولكن حرفتي ساعدتني أكثر«. حالة أخرى تدعو للاستغراب هي لشاب حاصل على ماجستير في الأدب العربي، ولكننا علمنا من ساكني الحي أنه يعمل في مجال النظافة فقررنا أن نقترب منه لمعرفة سبب عمله في هذا المجال الذي لا يتناسب مع مستواه العلمي وهو يقول: «تحصلت على شهادة الماجستير منذ أربع سنوات وبمجرد تخرجي من الجامعة بحثت عن عمل في تخصصي، ولكن لم أجد أي فرصة وبمجرد أن عرض علي أحد أصدقائي العمل في مجال النظافة، في البداية رفضت الفكرة، ولكن بعد ما شعرت باليأس في الحصول عن عمل يناسبني لم أجد خيارا سوى أن أقبل بهذا العمل وأنا لا أشعر بالخجل مادمت أعمل بنشاط لكسب لقمة عيشي ولأضمن مستقبلي مع أن الكثيرين يستغربون عندما يعلمون أني أحمل شهادة جامعية، ولأن الكثير يعتقد أن العاملين في هذا المجال لا يملكون مؤهلات علمية، وأنا سعيد في هذه المهنة، لأني أساعد في الحفاظ على نظافة المحيط«.