هؤلاء يعتمدون على الفلاحة، وأغلبهم من قبيلة بني بوسعيد “البربرية”، مازالوا يحتفظون سواء بعاداتهم أو تقاليدهم أو لهجتهم التي فقدتها كثير من القبائل البربرية الأخرى بالمنطقة. وبلدية بني بوسعيد كباقي المناطق الجبلية، عانت هي الأخرى من ويلات الإرهاب، حيث كان هدفا للأعمال الإجرامية عدة مرات لممتلكات السكان؛ من مواشي وأموال محل سرقة المجموعات الدموية، إلاّ أن الوضع الأمني تَحسّن بهذه المنطقة منذ صدور قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية... فعدم استفادة المنطقة من مناصب شغل زاد من المعاناة الحقيقية التي يعيشها الشباب، حتى الشبكة الاجتماعية، من جهتها، لم تسلم هي الأخرى من اللامبالاة، وإن توفرت فلم تعد كافية، إذ لا تتعدى 56 منصبا أمام تشغيل 25 منصبا، حيث أكد أغلبية الشباب: “...اضطررنا للتهريب في غياب فرص العمل، ولو وفرت لنا الدولة الشغل لما اضطررنا لذلك”. مقابل هذه المؤثرات السلبية عمدت السلطات المركزية إلى مكافحة التهريب بعدما نخر الاقتصاد الوطني أمدا طويلا، وذلك بمحاولة محاربة أسبابه لدى جل سكان المنطقة بطريقة غير مباشرة، بدءا بالشروع في تنمية المناطق الفلاحية، حيث استفادت منطقة بني بوسعيد من برنامج الأشغال الغابوية الكبرى خلال الفترة الممتدة ما بين 1994 و1996. مشكل السكن يؤرق مضجع السكان خلال الزيارة التي قادتنا إلى المنطقة أول مشكل تم طرحه تمثل في السكن، حيث إن البلدية لم تستفد إلا من حصص ضئيلة جدا في السكن الاجتماعي، لم تلبّ الطلبات التي فاقت 500 طلب. أما السكنات التساهمية الجماعية والفردية فقد استفادت من 18 وحدة و15 أخرى على التوالي، ونظرا لطابع المنطقة الفلاحي وانتشار القرى والمداشر، كانت حصة الأسد في قطاع السكن موجَّهة للإعانات الريفية، حيث أفرجت السلطات المحلية لبلدية بني بوسعيد في الآونة الأخيرة، عن قوائم المستفيدين من حصص دعم البناء الريفي، المقدَّرة ب 197 استفادة، نالت فيها منطقة الزوية، التي تُعتبر المقر الرئيس للبلدية، حصة الأسد، منها ب 70 استفادة، ثم سيدي مبارك ب 30 استفادة، فيما وصل عدد المستفيدين بكل من روبان وإيرا آغريب إلى 23 استفادة. أما بمنطقة محمد صالح وأولاد موسى وحيداس، فقد كانت الاستفادات على الشكل التالي: 23 و20 و12 استفادة على التوالي، وكانت القائمة الأولية شهدت بعض الاحتجاجات. وبعد معاينة الطعون خرجت هذه القائمة التي رغم مساهمتها في التقليل من حدة السكن إلا أنها تبقى بعيدة عن حل الأزمة نهائيا، إذ إن بعض المستفيدين عبّروا صراحة عن رفضهم الاستفادة بهذه الطريقة، نظرا لعجزهم عن بناء الشطر الأول من المسكن، وهو الشرط الرئيس للحصول على الدفعة الأولى من مبلغ الإعانة، و المقدَّرة ب 70 مليون سنتيم. ولا تضم الحظيرة السكنية بالبلدية الحدودية سوى 30 سكنا اجتماعيا، لم يتم توزيعها بعد نظرا لعدم توافق العرض مع الطلب، كما أن الحرب التي تخوضها المصالح التقنية للبلدية مع بارونات البناء الفوضوي، لم تحقق نجاحا، حيث يتم لحد الساعة تشييد منازل فوق أراض للخواص وعلى ضفاف الوادي، ما يشكل خطرا على حياة ساكنيها، وهو ما يجعل المسؤولين المحليين ومواطني بني بوسعيد يراهنون على السلطات الولائية من أجل مضاعفة حصص الإعانات الريفية من جهة، وتخصيص برامج للسكن الاجتماعي، خاصة أن تجربة السكن التساهمي لم تنجح بالمنطقة، ولايزال عدد من سكان بني بوسعيد يسكنون في بنايات غير لائقة وسط غابات جبل عصفور. مشروع 100 محلّ لا يعرف طريقه إلى بني بوسعيد من جهة أخرى وفي سياق ذي صلة، لم يتجسد مشروع بناء 100 محل بكل بلدية ببني بوسعيد، نظرا لانعدام الوعاء العقاري، في حين شهدت جل المشاريع التي استفادت منها المنطقة تأخرا كبيرا منها على امتداد السنوات الأخيرة قبل أن تباشَر الأشغال بها مؤخرا، حيث لايزال متمدرسو بني بوسعيد يزاولون دراستهم بدائرة مغنية، التي تبعد ب 30 كلم عنهم، وهو العامل الذي حرم عددا كبيرا من الفتيات خاصة، من مواصلة دراستهم. وكانت بني بوسعيد في السنوات الأخيرة شهدت قفزة تنموية حقيقية بعد استفادتها من جملة من المشاريع في شتى القطاعات كالري، الذي نال حصة الأسد والأشغال العمومية مع استفادتها من عدد من المقرات الإدارية كمقر البلدية والدائرة والضمان الاجتماعي في إطار مشاريع الهضاب العليا، التي استفادت منها عدة مناطق بالولاية، وظهرت نتائجها الإيجابية بشكل رئيس بدائرة بني سنوس المجاورة، ليبقى المواطن يعيش على أمل مستقبل أفضل. وفي مجال الطاقة استفادت أكثر من 100 عائلة بكل من سيدي مبارك والرافيل ببني بوسعيد، من مشاريع لإيصال الغاز الطبيعي إلى مساكنهم وإنهاء معاناتهم التي امتدت لعدة عشريات، من الجري خلف قارورات غاز البوتان والحطب في منطقة جبلية معروفة بقساوة طبيعتها، كما كانت مسرحا لعدة حوادث مميتة ناتجة عن لجوء المواطنين إلى التدفئة بالطرق التقليدية، كاستعمال المواقد، مما جعل المطالبة بالغاز الطبيعي تتحول إلى مطلب شعبي وضرورة ملحة. وتأتي استفادة كل من سيدي مبارك والزوية والرافيل من هذه المادة الحيوية، كخطوة أولى قبل أن تعمَّم على باقي التجمعات السكانية المعزولة كروبان وسيدي موسى وأولاد بن السبع وغيرها. وقد تم إسناد مهمة ربط المنازل إلى مقاولتين، واحدة جزائرية والثانية باكستانية، حيث يتم خلال الشطر الأول من المشروع ربط المنطقة انطلاقا من محطة التوزيع، الواقعة بالعقيد لطفي قبل مباشرة ربط المساكن مباشرة من الأنبوب الرئيس. ويبقى مشروع ربط المواطنين بالغاز الطبيعي السبب الرئيس الذي أخّر عملية إعادة تهيئة الطرقات وإعادة الاعتبار لها، بناء على تعليمات الوالي، الذي شدد خلال كل زياراته وخرجاته الميدانية على ضرورة الانتهاء من أشغال مد قنوات الصرف الصحي والغاز الطبيعي وشبكة الماء الصالح للشرب قبل تعبيد الطرقات، حتى لا يتم حفرها بعد أشهر قليلة عن تعبيدها، وهي القرارات التي مسّت جميع البلديات كما هو الشأن بالنسبة لمغنية وباب العسة والسواني وغيرها. وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن ولاية تلمسان أضحت رائدة في مجال تغطية بالغاز الطبيعي، خاصة بعد أن وصلت هذه المادة الحيوية إلى قرى ومداشر نائية، في حين لازالت أخرى على قائمة الانتظار، حيث يُنتظر أن تتجاوز نسبة التغطية 95 % في حدود 2013. وللقضاء على هذه الأزمة الخانقة تترقب بلدية بني بوسعيد انتهاء مكتب الدراسات من تجهيز المخطط التوجيهي للتعمير، الذي تم توسيعه لإنجاز مشاريع مستقبلية أخرى، بعد الاستفادة من البرامج عبر البلدية، ومن بينها المشروع الذي يخص ربط الغزوات بالعابد عبر مغنية حتى الحدود المغربية عبر الطريق الوطني رقم 99، هذه الدراسة التي تمت منذ سنة 1990 لم يظهر عليها أي شيء لحد الآن. كما تمتاز المنطقة بطابع اقتصادي، غير أن هذا الجانب غير مستغَل، إذ يوجد بهذه الأخيرة معدن برج غار ربان، الذي كان مستغَلا من عهد الرومان وحتى أثناء الثورة التحريرية، إذ توقف سنة 1955، حيث قررت السلطات الاستعمارية غلقه بعد أن اشتدت حدة الحرب التحريرية، ورغم أن السلطات الجزائرية خصصت له دراسات جديدة يبقى هذا الأخير غير مستغَل ومهملا إلى يومنا هذا. هذا المعدن المختص في الحديد والزنك يمكن أن يزوّد مصنع الزنك بالغزوات بالمواد الخامة، والذي من المؤكد أن يُنقص التكاليف عن هذا الأخير ويساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني، بخلق مناصب شغل لقاطني المنطقة، التي تشتكي من مشكلة عويصة. وحسبما أطلعتنا عليه بعض المصادر فإن منجم الحديد والرصاص بغار ربان مازال مغلَقا رغم محاولات البلدية إعادة تشغيله، وهو الذي بإمكانه تشغيل ما يفوق 300 عامل من شباب المنطقة، ناهيك عن الأموال الكبيرة التي قد يوفرها للمستثمرين. وحسب أحد المتحدثين فإن البلدية أجرت سنة 2002 خبرة تقنية على هذا المنجم، أثبتت أن المكان مازال صالحا للاستثمار. ومن جهة أخرى، تطالب السلطات المحلية بإعادة النظر في إنشاء محجرة بأحد جبال المنطقة، وذلك بالنظر إلى كون طبيعتها الجغرافية تسمح لها باستقطاب أكثر من محجرة، بهدف تنشيط الحياة الاقتصادية بهذه البلدية المعزولة، وكذا ضمان خلق مناصب شغل إضافية لامتصاص البطالة الخانقة التي يعاني منها الشباب.