تعتبر البطاطا من المواد الأساسية التي تعتمد عليها الكثير من العائلات المحدودة الدخل بشكل كبير لسد حاجيات أفرادها من الغذاء، ولكن مع ارتفاع أسعارها التي وصلت إلى 95 دينارا للكيلوغرام الواحد أصبحت هذه المادة من نصيب العائلات الميسورة فقط. لازالت العديد من أسواق العاصمة تعرف لهيبا في أسعار البطاطا بالرغم من تحسن الأحوال الجوية بعد أن برر العديد من التجار سبب ارتفاعها بالتقلبات الجوية وسقوط الثلوج في الأيام السابقة، إلا أن سعر البطاطا مازال مرتفعا مما جعل العائلات المحدودة الدخل تتذمر من هذا الارتفاع وتستغرب سببه المفاجئ، خاصة وأنها تعتمد بشكل كبير عليها مما جعل البعض يمتنعون عن شرائها، كون أسعارها لا تتناسب مع قدرتهم الشرائية، وبعد أن كانت البطاطا المادة الاستهلاكية الأولى لدى أغلب العائلات وكانت ضمن قائمة المواد واسعة الاستهلاك وسيدة موائد الأسر الفقيرة صارت من الخضار الصعب استهلاكها بكثرة عند العديد من العائلات المحدودة الدخل، وبعد أن كانت تقتنى من قبل أغلب الأسر بكيلوغرامات معتبرة باتت تجلب بكميات قليلة لأجل إضفاء النكهة على أطباق العائلات المحدودة الدخل. ندرة المحاصيل مبرر بعض تجار التجزئة حول ارتفاع أسعار البطاطا اقتربنا من أحد الأسواق لمعرفة أسباب ارتفاع هذه المادة من تجار التجزئة، حيث أكد أحد التجار «أن سبب ارتفاعها هو ندرتها بسبب خسارة الفلاحين لمحاصيلهم الزراعية من البطاطا مما جعل أسواق الجملة لا يمونون تجار التجزئة بالشكل الكافي بها». في حين يقول آخر: «إن ارتفاع سعر البطاطا سببه ندرة هذا النوع من الخضار في سوق الجملة وبالتالي قلة العرض مقابل كثرة الطلب، بالإضافة إلى أن السبب الرئيسي هو المضاربة في الأسعار في سوق الجملة». وتختلف تبريرات ارتفاع الأسعار من تاجر إلى آخر، وقد أكد لنا أحد تجار التجزئة السبب قائلا «إن السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار البطاطا هو أن هناك من تجار الجملة من استغل الموقف وقام بتخزين كميات كبيرة من البطاطا في الثلاجات ليعتقد تجار التجزئة أنها نادرة، ثم يرفعوا من سعرها مما جعل الكثير من تجار التجزئة يبحثون عن مصدر آخر للتموين ولكنهم لم يجدوا أي خيار سوى سوق الجملة باعتباره الممون القريب والرئيسي لهم». بعض باعة الجملة يرجعون الغلاء لتلف المحاصيل بسبب سوء الأحوال الجوية غيرنا وجهتنا إلى سوق الجملة لمعرفة السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار البطاطا، حيث يقول السيد «جمال» وهو تاجر جملة: «إن سبب ارتفاع أسعار البطاطا هذه الأيام هو التقلبات المناخية السيئة التي أتلفت المحصول الزراعي للفلاحين من البطاطا وتسبب لهم في خسارة كبيرة مما جعل هذا النوع من الخضار نادرا ولم نجد مصدرا للتموين في مناطق قريبة من هنا، بل نضطر إلى البحث عنها في مناطق بعيدة بكميات قليلة مما جعلنا نخسر مصاريف كبيرة في النقل». التقينا بتاجر جملة آخر، حيث أكد لنا أنه بعد خسارة العديد من الفلاحين لمنتوجهم من البطاطا أصبحت كميتها قليلة مما جعل العرض منخفض، وبالمقابل ارتفع الطلب وهو ما جعلنا نضطر إلى استبدال مصدر تمويننا بالبطاطا في مناطق بعيدة ما جعلنا ننفق مصاريف كبيرة لنقل البضاعة». مواطنون يبدون استياءهم من هذا الارتفاع لقد أبدت العديد من العائلات المحدودة الدخل وحتى الميسورة استياءها من ارتفاع أسعار البطاطا وأصبحت محور الحديث في كل الأماكن العمومية، كون هذه الأسعار لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن البسيط الذي يبقى الضحية أمام هذه الأسعار مما جعلهم يستغربون لهذا الارتفاع المفاجئ، حيث وجدنا إحدى الزبونات تطلب من البائع إعطاءها رطلا من البطاطا، حيث تقول: «اشتريت كمية قليلة من البطاطا وأنا مضطرة لذلك، لأن ابني لا يحب تناول أي نوع من الخضار إلا البطاطا وإلا فإني سأمتنع عن شرائها، لأن أسعارها مرتفعة ولا تتناسب مع ميزانية المواطن البسيط». أما السيد «عمار» فهو الآخر عبر عن استيائه من الارتفاع الكبير لأسعار البطاطا، حيث يقول: «كان المواطن البسيط يعتمد بشكل كبير على البطاطا لسد احتياجات عائلته، ولكن الآن أصبحت غذاء الأغنياء وأنا استبدلت البطاطا بخضار أخرى، لأن سعرها جنوني ويعادل سعر الأناناس». مشهد أثار الكثير من التعاطف داخل السوق وهو لمواطن، وجدناه يلتقط بقايا البطاطا الفاسدة من الأرض بعد أن حرمته الأسعار المرتفعة لهذا النوع من الخضار عن شرائها، حيث يقول: «أنا من عائلة فقيرة ولم يعد راتبي يكفي لسد حاجيات عائلتي الكبيرة واضطررت لالتقاط بعض الحبات من البطاطا، لأنها لم تدخل إلى بيتي منذ أن ارتفعت أسعارها، وسآخذ هذه الحبات لزوجتي حتى تمزجها مع خضار أخرى لإعداد طبق الكسكسى». وقد عبرت لنا السيدة «سلمى»و هي ربة بيت عن استيائها من الارتفاع الكبير للبطاطا، حيث تقول: «كنت أعتمد بشكل كبير على البطاطا في تحضير الكثير من الأطباق، ولم أكن أظن يوما أنها سترتفع إلى هذا السعر المبالغ فيه، لذلك امتنعت عن شرائها، كوني من العائلات المحدودة الدخل واستبدلتها بخضار أخرى». وقد أصبح الحديث عن ارتفاع الأسعار حتى في الحافلات، حيث يقول أحد المواطنين: «أنا لا أصدق أن أسعار البطاطا التي وصلت إليها اليوم رغم أن بلدنا تتمتع بمساحات زراعية كبيرة». وقد تسبب ارتفاع أسعار البطاطا في منع العديد من الأطفال من تناول طبقهم المفضل وهو البطاطا المقلية التي تعتبر الوجبة الرئيسية لهم مما جعلهم يشعرون بالغضب بعد ما أصبحت أسرهم غير قادرة على شراء البطاطا مع ارتفاع الأسعار، حيث تقول «منال»: «امتنعت عن شراء البطاطا، كوني من العائلات المحدودة الدخل، وهذا ما أثار غضب طفلي الصغير الذي كانت البطاطا المقلية وجبته الرئيسية، ولكن ليس بيدي حيلة وهذا ما جعلني أستبدلها بطبق المعكرونة علني أقدم له البديل الذي يغنيه عنها». ومن جهة أخرى تسبب ارتفاع البطاطا في ارتفاع ثمن «سندويتشات» البطاطا في محلات «الفاست فود» وهو ما أكده لنا «عمر» وهو طالب جامعي والذي امتنع عن شراء هذه «السندويتشات» بعد ارتفاع ثمنها. كثرة الوسطاء له دور في ارتفاع أسعار البطاطا وقد أكد لنا السيد «جمال.خ» وهو إطار بمديرية التجارة أنه من بين أسباب ارتفاع أسعار البطاطا هو تقلبات الجو وسقوط الثلوج في الأشهر الماضية، والذي أثر بشكل كبير على منتوج الفلاحين من البطاطا وتسبب لهم في خسارة كبيرة مما جعلها نادرة بالإضافة إلى غياب المخزون، وكذا المنتوج الكافي، ويضيف «في الوقت الحالي يتم الاعتماد على البطاطا غير الموسمية التي يتم جلبها من ولاية الوادي، لذلك فإن بعض التجار يضطرون إلى إضافة تكاليف النقل، كما أن سوق الخضار يعاني من عجز ويرجع ذلك إلى تراجع الإنتاج بسبب نقص الإمكانيات وتعتبر منطقتي بسكرةوالوادي المصدر الوحيد الذي يمون حاليا سوق الجملة، في حين أن منتوج البطاطا في الولايات الداخلية والساحلية لم ينضج بعد، كما أن نقص غرف التبريد لا يشجع الفلاحين على الإنتاج، فضلا عن غياب شبكة وطنية للتوزيع، كما أن بعض التجار يستغلون غياب الرقابة ويقومون بالمضاربة في الأسعار أو استغلال الموقف واحتكار سلع البطاطا أو تخزينها والتحجج بأنها نادرة ليرفعوا أسعارها بعد ذلك ويستغلوا المواطن البسيط، حيث وصل سعر البطاطا بسوق الجملة إلى 85 دينارا بالرغم من أنه من المفروض أن تكون أسعارها منخفضة في هذه الأسواق. وبخصوص التحكم في هذه المضاربة. فإنه لا يمكن التحكم في الأسعار، كون القضية مرتبطة بقانون العرض والطلب، كما أن هناك صعوبة في الحفاظ على توازن الأسعار نتيجة كثرة الوسطاء والعجز عن كسر احتكار المضاربين بالسوق، حيث يقوم الفلاح بزرع وإنتاج البطاطا ليبيع الكيلوغرام ب30 دينارا، وأمام كثرة الوسطاء تصل إلى المستهلك بمبلغ 100 دينار، مستغلين غياب الرقابة عليهم، وهذا ما فتح المجال للعديد من التجار بالمضاربة في الأسعار». وبعد أن كانت البطاطا غذاء العائلات البسيطة صار تناولها مقتصرا على العائلات الميسورة، وقد حرمت الأسعار الملتهبة للبطاطا العديد من العائلات المحدودة الدخل التي كانت تشبع حاجات أفراد عائلتها من الغذاء بها، ليبقى المواطن الضحية الوحيدة لمضاربة التجار بالأسعار.