قفز سعر الكيلوغرام الواحد من مادة البطاطا، منذ نهاية أيام عيد الأضحى المبارك، من 55 دينارا للكيلوغرام الواحد إلى حدود 70 دينارا في أسواق التجزئة وهو مرشح لارتفاع أكثر خلال الأيام القليلة المقبلة بالنظر إلى المؤشرات المرصودة في أسواق الجملة، حيث يحكم المضارون قبضتهم في غياب المراقبة مما يبين ان خطاب السلطات الوصية لا يعدوأن يكون سوى وعيد دون متابعة في الميدان الضحية الأولى والأخيرة لمثل هذه السلوكيات هوالمواطن البسيط الذي قد يحرم هذا الشتاء من مادة أساسية لتضاف إلى العديد من المواد الأساسية التي لم تعد في متناول قدرته الشرائية. بداية جولتنا الاستطلاعية كانت من السوق المغطى للخضر والفواكه بالحراش في العاصمة، الأسعار كلها فاقت معدلها الفصلي بنسب تتراوح ما بين 30 إلى 60 بالمائة الجزر الذي مكان سعره قبل أيام قليلة فقط في حدود 40 دينار قفز إلى 60 دينارا والكوسة والخس، انتقل سعرهما على التوالي إلى 80 و100 دينار والطماطم من 35 دينارا إلى 65 دينار. أما سيدة أطباق الجزائريين "البطاطا"، وهي موضوع استطلاعنا، ما فتئت تتدلل يوما بعد يوم، ليقفز سعرها من 55 دينارا قبيل عيد الأضحى إلى حدود 70 دينارا وهي مرشحة للارتفاع أكثر خلال الأيام المقبلة، ربما قد يصل سعرها إلى 90 دينارا على نحو سيناريو خريف وشتاء عامي 2008 و2009. اتهامات متبادلة.. والضحية المواطن البسيط دخلنا السوق وقد حملنا التساؤل التالي إلى تجّار التجزئة "لماذا هذا الارتفاع المفاجئ لأسعار البطاطا؟".. والإجابة التي قد اجمع عليها التجار هي "نحن لم نرفع الأسعار بتاتا، نقتني المادة من أسواق الجملة بسعر 60 دينارا للكيلوغرام ولنا بالطبع هامش في الربح الذي لا يزيد في أحسن الأحوال عن 10 دنانير في الكيلوغرام الواحد " ولأن هذا الجواب لا يقنع بقدر ما يثير الفضول ويدفع نحو تقصي الوضع في أسواق الجملة لاستبيان حقيقة ما يجري في هذه الأماكن التي يطلق عليها البعض تسمية "مغارات علي بابا". انتقلنا إلى سوق الكاليتوس غير بعيد عن بلدية الحراش، فمعظم تجار التجزئة في بلديات شرق العاصمة يتمونون من هذا السوق ذائع الصيت، على غرار سوق الأربعاء بولاية البليدة وسوق بودواو بولاية بومرداس، انتحلنا صفة تجار، لأن الإفصاح عن هوية الصحفي قد يسبب لنا متاعب كبيرة وندخل في متاهات إدارية لا نهاية لها مع إدارة السوق التي لا تعترف بالصحفيين وتحاول في كل مرة تنميق صورة السوق وتنفي وقوع أي تجاوزات. المضاربة والاحتكار يعودان بقوة على مستوى الحقول وأسواق الجملة تحدثنا إلى العديد من رؤساء الأجنحة في السوق، وقد فوجئنا لقولهم إن الصعوبة التي واجهها الفلاحون في دخول الحقول خلال الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر الماضي والأسبوع الأول من شهر نوفمبر الجاري بسبب رداءة الأحوال الجوية، حالت دون جني مئات الاطنان من البطاطا، خصوصا في حقول تيارت وعين الدفلى المصدرين الرئيسيين اللذان يتمون منهما السوق، لكن مصادر أخرى تجار تجزئة في عين المكان قالت إن هذا السبب وإن كان فعلا حقيقة إلا أنه محدود التأثير، مؤكدين أن السبب الرئيسي الذي أحدث هذه القفزة المفاجئة ليس لأسعار البطاطا فحسب، بل في كل أنواع الخضر والفواكه، إنما مردها الى استمرار سلوكيات المضاربة الحاصلة على مستوى الحقول، حيث يقدم أصحاب المليارات ومعاونيهم من السماسرة على شراء المعروض برمته وإعادة بيعه لتجار الجملة بأسعار متفق عليها وآخر ضحايا هذه الحلقة التجارية "اللعينة" بحسب وصف العديد من التجار النزهاء هو المواطن البسيط الذي يكره على شراء الكيلوغرام الواحد من البطاطا بسعر 70 أو 80 دينار. المواطن لم يستوعب بعد المفارقة وفي الوقت اللذي تتحدث وزارة الفلاحة عن وفرة كبيرة في محصول البطاطا هذا العام، خصوصا الكميات القياسية المسجلة في حقول الولايات الداخلية الشرقية والغربية، وبدرجة أقل الوسطى، إلى درجة أن شرعت الجزائر فعلا في عمليات تصدير أولى شحنات البطاطا إلى الخارج شهر جوان الماضي، والعمليات ما تزال متواصلة، لم يستوعب المواطن هذه المفارقة، ولسان حاله يقول: "كيف لبلد يصدر مادة وأسعارها ناهزت الأضعاف في أسواقه الداخلية؟". ولم يكن الوضع أحسن حالا في سوق الأربعاء بولاية البليدة "رافيڤو" سابقا فسعر البطاطا لدى تجار الجملة يتراوح ما بين 55 و61 دينارا للكيلوغرام ويصل المستهلك في أسواق التجزئة بسعر 65 إلى 70 دينارا، والسبب دوما المضاربة والاحتكار الحاصل على مستوى حقول الإنتاج وأسواق الجملة، وقد ساهم غياب الرقابة والردع في استفحال الظاهرة أكثر. سيناريو شتاء 2009 قد يتكرر هذا العام ولم ستبعد العديد من العارفين بخبايا أسواق الجملة في العاصمة، أن يتكرر سيناريو شتاء 2008 و2009 جينا بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من البطاطا حدود 90 إلى 95 دينارا، لأن حسبهم كل المؤشرات متوافرة. فمن جهة السلطات التي كان الأجدر بها التدخل لتنظيم السوق، غائبة، ومن جهة أخرى اتساع دائرة المضاربة والاحتكار إلى مستويات يصعب بعدها التحكم في شبكاتها التي أصبحت تعتمد على حيل كثيرة، منها حيلة التمويه من خلال الإكثار من الوسطاء والسماسرة.