انتهجت الجزائر منذ الاستقلال برنامجا وطنيا لمكافحة مرض السل وقد تمكنت من التقليل من انتشاره، إلا أن العديد من العراقيل المتعلقة بنقص المصالح الخاصة بعلاج المرض لاتزال تقف حجر عثرة في سبيل استئصال هذا المرض نهائيا، خاصة وأن مرض السل يتسبب في وفاة ما معدله 200 فرد سنويا، فيما لايزال السل غير الرئوي ينتشر بصورة ملفتة للانتباه حسب ما يؤكده الأطباء. في تقييمه للبرنامج الوطني لمكافحة مرض السل، أكد الدكتور بلعربي، طبيب عام، أن المرض عرف انخفاضا محسوسا، إلا أن هناك جملة من العراقيل لاتزال تقف حجر عثرة في الوصول إلى الأهداف المسطرة في البرنامج المذكور آنفا وأهمها نقص الأدوية الخاصة بعدة أمراض بما فيها مرض السل إضافة إلى مختلف اللقاحات، ليزيد غياب ثقافة الكشف المبكر لدى الفرد من عرقلة عملية القضاء على المرض، يقول في هذا السياق: «إن المنظمة العالمية للصحة تطلب من كل البلدان التي لها مخطط صحي أن تشخص ما معدله 85 بالمئة من الأشخاص المصابين بمرض السل وشفاء كل الحالات التي تم الكشف عنها مما يتطلب تكوينا طبيا من أجل التشخيص الجيّد إضافة إلى انتشار المصالح الطبية الخاصة وتوفير إمكانيات التشخيص ووسائلها المختلفة». إن مرض «التيبركيلوز» من الأمراض الخطيرة، كونه ينتشر بسرعة، وترجع الإصابة بهذا المرض إلى الجراثيم المعروفة ب»عصيات كوخ»، إذ يعتبر هذا الجرثوم السبب الأول في الإصابة بمرض السل الذي يمكن أن يكون داخل الرئة أو حتى خارجها.وعن انتشار هذا المرض، يقول الدكتور بلعربي أن من خصوصيات مرض السل التكاثر في مدة 24 ساعة، وهو ينتقل من فرد إلى آخر عن طريق الهواء، حيث يخرج من فم المريض وينتقل إلى آخر عن طريق التنفس. بصق الدم أهم مؤشر عن الإصابة بمرض السل ومن أخطار مرض السل، أن أعراضه الأولية تظهر وكأنها بسيطة وتتراوح بين السعال، التعرق الشديد، وبصاق يحتوي على الدم، ويعتبر هذا الأخير مؤشرا خطيرا يحتاج إلى استشارة طبية سريعة، إلا أنه لا يمكن الجزم دوما أن بصق الدم ينم بالضرورة عن مرض السل، إذ يمكن أن يكون عرضا لمرض آخر على حد قول الطبيب، وعادة ما تتراوح مدة تلك الأعراض بين شهر إلى شهرين قبل أن يدخل المريض في مرحلة ثانية أين يمكن أن يعاني من أعراض أخرى مثل فقر الدم، وأحيانا يشتكي المريض من أعراض السل دون أن يدرك ذلك ما يزيد من احتمال حدوث مضاعفات أخرى، ومن أهم تلك المضاعفات التي يمكن أن تحدث أن ينتقل مرض السل من الرئة باعتبارها الموضع الأول للإصابة إلى أعضاء أخرى من الجسم من خلال ما يعرف بالسل خارج الرئة، يفصّل الطبيب قائلا: «يعتبر السل الرئوي من أهم الالتهابات الرئوية التي قد تصيب عدة أعضاء من الجهاز التنفسي الذي يشكل حالة كبيرة من الخطورة لاسيما في حال تأخر العلاج، أين تبدأ الأعراض في الظهور على صحة الإنسان وأهمها بصق الدم، وعند تحليل ذلك البصاق، يظهر وجود نوع من الجراثيم المسؤولة عن المرض، وفي حال استمرت الأعراض تحدث هناك صعوبة كبيرة في التنفس، ومنه موت الفرد، ولكن لو تم أخذ العلاج في الوقت المناسب فإن صحة الفرد تتماثل للشفاء». وعن هذا الانتقال، يوضح مضيفا بالقول: «إن مرض «التيبركيلوز» ينتقل عن طريق التنفس ومنه فإن العضو الأول الذي يصاب هو الرئة، وعلى مستوى هذه الأخيرة تتوفر كل الشروط التي تساعد في نمو وتكاثر الجراثيم المسببة للمرض وهي توفر الظلام، البروتينات والأوكسجين، كما أن هناك ناقلا خاصا يقوم بنقل ذلك الجرثوم إلى باقي أنحاء الجسم»، وعن خطورة ذلك الانتقال، يؤكد الطبيب أنه في حال انتقلت الجراثيم إلى المخ أو في الكبد من خلال ما يعرف بالسل خارج الرئة فإنه لا يشكل خطورة كبيرة إذا كان الكشف مبكرا، لأن تلك الأعضاء لا تتوفر على كمية كبيرة من الأوكسجين، وبالتالي لا يتوفر أهم عامل في تكاثر الجرثوم المسبب لمرض السل، والأمر نفسه إذا وصل المرض إلى الأمعاء أو إلى الجلد فإنه يبقى أقل خطورة. السل غير الرئوي ينتشر في صمت يعرف السل الرئوي انخفاضا كبيرا منذ عدة سنوات وذلك منذ أن شرعت الجزائر في تطبيق البرنامج الوطني لمكافحة مرض السل على حد تأكيد الطبيب، إلا أن ما يلاحظ هو انتشار أمراض تتعلق بالسل غير الرئوي، وعن هذا الأخير يفسّر من الناحية البيولوجية: «إن الفرد يولد غير حامل لعصيات كوخ في الدم ولما يصاب بالعدوى يدخل الجرثوم لأول مرة إلى الرئة ولكن الخلايا لا تتعرف عليه وبالتالي ينتقل عن طريق الدم واللمف إلى كل أعضاء الجسم».ومن أهم الأعضاء إصابة بالسل غير الرئوي، البشرة، إذ يكون عادة في شكل بقعة حمراء اللون في مختلف الأعضاء، تجف وتتقشر أحيانا ما يسبب تشوهات وأحيانا يتطور الأمر إلى الإصابة بسرطان الجلد في حال لم يلتزم المريض بالأدوية، كما يمكن أن يصيب مرض السل الجهاز البولي والتناسلي عند كل من المرأة والرجل، حيث تكون قناة فالوب والرحم أكثر المناطق عرضة للإصابة بمرض السل عند المرأة، ومن أهم أعراض الإصابة، انقطاع الحيض، أما عند الرجل فيحتمل أن تحدث إصابة على مستوى كل من البروستات والقناة المسؤولة عن نقل المني عند الرجل أو حتى على مستوى الجهاز البولي، خاصة المثانة كما يمكن أن يؤثر على الخصية وبالتالي يكون المريض عرضة للإصابة بالعقم. تلقيح «بي سي جي» ضروري لحديثي الولادة عادة ما يقوم الطبيب بتشخيص مرض السل عند الأطفال حديثي الولادة، لكون الرضيع يحمل جهازا مناعيا ضعيفا وبالتالي يزداد احتمال إصابته بالمرض لاسيما إذا كان أحد الأفراد من عائلته مصابا به، هذا ويوجد الكثير من الأفراد الذين لم يلقحوا من مرض السل. وعن عملية التلقيح ضد «التيبركيلوز» ومدى فعاليتها، يقول الدكتور أن عملية التطعيم بلقاح «البي سي جي» تملك فعالية عند فئة الأطفال الأقل من اثنتا عشرة سنة، أما إذا تعدى هذا السن فلا جدوى من عملية التلقيح من مرض السل، لأن الفرد بعد هذا السن يكتسب مناعة ذاتية طبيعية. المدخنون ومتعاطو المخدرات أكثر عرضة للإصابة بالسل تعد فئة الشباب أكثر عرضة لمرض السل لاسيما المدمنين على التدخين والمخدرات أو حتى الكحول ليزداد الأمر سوءا إذا كان الفرد يعاني من مشاكل في المناعة، يوضح الطبيب قائلا: «إن عملية التدخين تجعل الخلايا الرئوية تموت وبالتالي تضعف المناعة داخل الرئة فتسهل الإصابة بالمرض، ما يفسر أن المدخن هو أكثر عرضة للإصابة بمرض التيبركيلوز». إن عملية تشخيص مرض السل تعتمد في الأساس على تحليل البصاق عن طريق الملونات إضافة إلى الأشعة. إلا أن هناك حالات أشار إليها الطبيب وهي وجود حالات من مرض السل لا تشفى، والسبب هو احتمال إصابة الفرد بمرض السل المقاوم الذي يحتاج في الأصل إلى أكثر من دواءين، يقول المتحدث في هذا الخصوص: «يوجد في كل 100 شخص معالج من السل 05 إلى 10 حالات منها، لا ينفع العلاج معهم، لأنهم يحتاجون من ثلاثة إلى أربعة أدوية مجتمعة، كما أن العلاج الفعال للسل يتطلب أن يخضع الفرد للعلاج المستمر بدون انقطاع». الكشف المبكر وعزل المريض أهم طرق الوقاية وينصح الطبيب خلال تقديمه لأهم طرق الوقاية أن يتفادى مريض السل الاجتماع والجلوس مع أفراد العائلة إضافة إلى ضرورة تهوية البيت بصورة مستمرة وتفادي لبس ملابس الآخرين، ومن أهم عوامل الوقاية من مرض السل تلقيح المولود الجديد علاوة عن القيام بفحوصات طبية وتحاليل مرة كل سنة على الأقل والحرص على معالجة المرض باكرا وعزل المصاب طول المدة التي يكون فيها المرض قابلا للانتقال. هذا ويعتبر مرض السل معيار تقدم أو تخلف الدول، إذ يؤثر على الحالة الصحية للمواطنين ومنه انخفاض المستوى التعليمي والثفافي عند جل الشعوب التي تعرف انتشارا كبيرا عند مرض «التيبركيلوز»، يضيف في نفس الجانب: «من الأسباب التي تحول دون القضاء نهائيا على هذا المرض هو نقص الأدوية الخاصة بعلاج السل، خاصة وأن المريض بالسل يحتاج لمعالجة طبية ومرافقة صحية مستمرة لشهور مما يتطلب نشاطا وديناميكية أكثر في تفعيل برنامج مكافحة مرض السل».