خبر سار للجزائريين، أن يعقد الرئيس بوتفليقة العزم على إجراء إصلاحات سياسية جوهرية، يختم بها عهدته وحياته الجهادية، لكنه خبر مزعج أن يعهد الرئيس إلى الرباعي؛ بسايح وأويحيى وزياري وبلخادم، مهمة التحضير لمسودة هذه الإصلاحات، التي ينتظرها الجزائريون منذ سنوات، لأن هذه الشخصيات على احترامها تشكل رموزا للفشل السياسي، وصور هؤلاء بالذات عالقة في أذهان الشباب، على أنها حلقات مترابطة من الإخفاق والبؤس والإحباط الذي منيت به البلاد خلال العقدين الماضيين، خاصة أن هؤلاء كانوا مسؤولين إلى جانب أطراف أخرى على الأزمة، ولا يمكن أن يكونوا مؤهلين للإشراف على تقديم حلول لذات الأزمة.. تقول قواعد كرة القدم، إن الفريق الذي يصنع الفشل وتلبسه عقدة الخسارة في كل مقابلة يلعبها، لا يمكن أن يكون مؤهلا لخوض مقابلة مصيرية، وأن اللاعب المنهك أو الفاقد للتركيز أو الذي تنقصه المنافسة، لا يجب أن تعهد له قيادة زملائه في المعارك والاستحقاقات الحاسمة.. وكذلك الحال عندما يتعلق الأمر بالانتقال من مرحلة إلى أخرى، لا يمكن لأويحيى وبلخادم وزياري وبسايح أن يكونوا جزءا من المشكلة وجزءا من الحل أيضا، إلا إذا كانوا يملكون خاتم سليمان أو يتنزل عليم الوحي، اللهم إلا إذا كان المقصود من المشاورات والمبادرات هو ذر الرماد في الأعين وربح المزيد من الوقت إلى غاية مرور سحابة الثورات الشعبية! في تونس ومصر، اضطرت الأنظمة المتهاوية تحت أقدام المتظاهرين إلى أن تتحاور مع أعتى المعارضين وأشدهم تطرّفا، ولم يُجد ذلك الحوار نفعا، لأنه جاء بعد فوات الأوان، وهو الدرس الذي كان ينبغي للنظام الجزائري أن يتعلمه، قبل أن تضطره الظروف إلى الخضوع له أمام إملاءات الشارع التي أثبتت التجارب المجاورة، أنها أشد وقعا وقوة من أية إملاءات أخرى. ماذا يضر الرئيس بوتفليقة أن يبحث عن المعارضين لنظام حكمه، ويحاول الاستماع إليهم بوصفهم جزائريين لهم وجهة نظر أخرى للأوضاع والمشاكل والحلول، عوض الاعتماد على شخصيات مفلسة سياسيا في مشاورات "الإصلاحات القادمة"؟ أليس من الحكمة التواصل مع شخصيات بوزن وعقل ووطنية، عبد الحميد مهري وحسين آيت أحمد ومولود حمروش وعبد الله جاب الله وعلي بن فليس وأحمد بن بيتور.. أفضل من الرجوع إلى الأرشيف البائد ومن نفس الخزانة المهترئة، التي تنتج نفس الأشخاص القادرين على التحوّل والتلون مع كل ظرف سياسي، فهم رموز الحزب الواحد، وهم أيضا رجالات التعددية، وهم من حارب الإرهاب، وهم من يقود المصالحة، وللأسف الشديد هم أيضا من يشرف على الإصلاحات السياسية لهذا الوضع المترهل! من المبكيات في بلد الإطارات والطاقات والشباب أن الجزائريين لا يعرفون رئيس حكومة خلال العشرية الماضية، سوى أحمد أويحيى أو عبد العزيز بلخادم، وأجزم بأن نصف الجزائريين لا يعرفون وزير الشؤون الدينية السابق ولا وزير التربية الأسبق، ولا الأمين العام للحكومة السابق في بلد يتدافع فيه الشباب نحو الهجرة وقوارب الموت، ويمكن للوزير فيه أن يعمّر أكثر من 20 سنة هي عمر جيل كامل من الجامعيين التوّاقين إلى فرصة عمل.. بالإمكان للرئيس بوتفليقة أن يلمّ شعث هذا الوطن من خلال الاستماع إلى إطاراته وكفاءاته ورجالاته حتى ولو كانت معارضة، وعدم الاتكال على رموز الفشل لإحداث إصلاحات شاملة، ومحاولة حلحلة الحاشية المحيطة بالرئيس والتي لا تسمعه إلا ما يسره من الأخبار، وأتمنى أن يصرف الرئيس مكافأة لكل مستشار يطلعه على مشكلة حقيقية ويقدم لها اقتراحا ناجعا، عوض التقارير البالية التي تُسبّح بحمد الرئيس وتمجد له، تقارير عمياء تنقل للرئيس بيان مساندة من جمعية مفلسة، ولا تنقل إليه الأسباب التي تجعل شابا جامعيا يقدم على حرق نفسه في مكان عام، تقارير منافقة تحصي عدد السكنات الموزعة على الناس ولا تحصي ملايين الملفات المركونة في الأدراج، تقارير مغرضة تهون من الاحتقان الاجتماعي المتزايد وتهول من الإنجازات الحكومية الهزيلة أحيانا والوهمية أحيانا أخرى! إنها الفرصة التاريخية أن ينجح النظام الجزائري في إصلاح نفسه وفتح المجال أمام كل الجزائريين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ليقولوا كلمته في وطن هم شركاء فيه تماما مثل أويحيى وبلخادم! مقال منقول عن جريدة الشروق للكاتب الصحفي محمد يعقوبي