أرقام مخيفة حول الوضع الاجتماعي في الجزائر ، ذلك ما كشف عنه تقرير صادر عن التحقيق الجزائري الوطني متعدد المؤشرات "ميكس3" مفاده أن 10.5% من سكان الجزائر 36) مليون نسمة) يعانون من أمراض غير معدية، وأن 95 % من هذه الحالات أكدها بالفعل أطباءٌ متخصصون. وكشف التحقيق المنجز سنة 2009 م أن الأمراض المزمنة تسجل ارتفاعا لدى العائلات الميسورة بنسبة 12.8%، مقابل 8.4% لدى العائلات ضعيفة الدخل. و لسنا ندري ما هو جديد المؤشرات الإحصائية بعد تفاقم مشكلات المجتمع السوسيونفسية و ازدياد أزماته الصحية ، و الاجتماعية مفرزة بذلك ظواهر غير سوّية . المتتبع لواقع المجتمع الجزائري يلاحظ تطور اقتصاد استهلاكي يزداد معه التغيّر الاجتماعي ،في حين يرصد مطالب اجتماعية وسياسية متزايدة ، ذات تعابير بسيطة و لكنها عميقة في معناها .( السكن ،الوظيفة ، الصحة .. و"العافية و السلم" و العدالة الاجتماعية ) . ليزيدها انحصار المجلى السياسي في مشاهد وطنية مكرورة و مجرورة . لقد ابتلينا بتدني الأخلاق و تفشي الفساد و الرشوة .. و رُوضنا على قبول الأمر الواقع بإشراط لا نظير له ، إلى درجة أن حالة الإسبات الفريدة التي نعيشها الآن ..لم تؤثر فيها هبوب الربيع العربي المأزوم . لكل مجتمع تاريخ حافل بالأمجاد و البطولات ،و المحن ، بها ينهض و يستلهم نجاحاته، و بها يتجاوز آلامه و خيباته . وقد ابتلي المجتمع الجزائري طيلة تاريخه بالكثير من البلاءات التي أنهكته . بدء من تراكمات أنواع الاستعمار و الاستدمار وصولا إلى وحشية الإرهاب..و البؤس السياسي ، فالأنفلونزا..و قائمة طويلة من الأمراض المزمنة ، إلى حالات متنامية من " الفوبيا " واللامبالاة ، و الخوف من المستقبل . مجتمعنا مريض و يجب أن نفكر جدّيا فيما يحدث ...فهل نتباكى بردود الأفعال السلبية ..ثم ينتهي كل شيئ عند بدايات مكرورة و سيئة ، أم يجب أن ينضج حراكنا اتجاه المتغيرات المتسارعة ، و من ثمّ نتجاوب مع الحالات و الأحوال بقدر ما يتطلبه التدبير و التغيير ؟!. لقد سُلط على هذا الشعب العظيم - خاصة في خطابات المناسبات - كل أنواع الدجل و الكذب ...و اشتدت عليه أنواع الرزايا كالفقر و الهمّ ...و الرعب، و القلق ، لِيُغرق حتى الآذان في دوامات من المشاكل الخانقة . و ها نحن أولاء مصابون بالأمراض المزمنة .. الضغط الدموي والسكري ...والربو و غيرها .. و لا نقوى على الممارسات الواعية و الفاعلة . عندما تمرض السياسة تتداعى لها مفاصل الدولة بالحمى ، و يمرض معها الواقع التعيس ، و ينأى عنها المواطن البسيط باللا- اهتمام و في الحالة "الجزائرية " التي أنتجت الفساد ..و أهملت العباد و أهلكت... رعاية الحرث و النسل أفرز التطوّر الهجين و المعتوه على ما يبدو ظواهر غريبة و قيماً جديدة - كانت في مخيالنا خبرا بعيدا- ليتفاقم معها الفساد... و الجريمة بشكل غير معهود . لماذا تقتّل الطفولة إذن بهذه الجرائم الغريبة؟! ، و هل صحيح أننا أمام حالة شاذة ؟ ، أم أنّها حالات متكررة لا تأبه تتعدد كلّما وَجدت إلى ذلك سبيلا؟ . إنّ مقتل الطفلة شيماء جريمة بشعة و لا تطاق ، و لكنها تؤشر على حالة موت للضمير و الأخلاق ... وغياب الرقابة الجمعية في المجتمع ...غياب الوعي بمكافحة الجريمة والاعتداء على الطفولة .إنها حالة انفلات لا يُعنى بها القانون وحده – القانون موجود أصلا – بقدر ما يجب أن يتحرك لها الأفراد كل الأفراد . قُتلت الطفلة شيماء ... وتعالت ردود الأفعال مخبوءة سرعان ما امتُص معها غضب الغاضبين ، و انفعال المنفعلين إلى انطفاء ...و لا حدث. أ هكذا نستجدي الوقاية والخلاص ؟.! قُتلت سندس أيضا !!.../ براءة أخرى سقطت من شجرة الحياة ،و رقم آخر يضاف خلال أسبوع إلى أرقام الجريمة المبجلة في وطني . هو ملف جريمة يُرتب إذن تَبَع سابقه ، و حديث جاف ، ورجع صدى عن إجراءات قضائية روتينية تنتهي ربما بسجن المجرم و كفى . و ماذا بعد ؟! هل نكتفي بتوصيف الجريمة بأشع الأوصاف ، ثم ننخرط في زحمة الأحداث دون حارس لليقظة ..ليزداد الأمر بؤساً و هولا ...و فضاعة ؟!!. سيمضي الزمن على عجل فمن ذا الذي يحاكم الضمير ؟! ، من الذي ينصر البراءة ويعيد لها بهجتها ؟! وها قد وئدت !. فبأي ذنب وُئِدتْ ؟! ،و بأي ذنب قتلتْ ؟!... وبأي ذنب شُوهتْ براءتها ؟!. هل سيُكتب على الأطفال أن يُحرَموا من اللعب... و من التمتع ببراءتهم ؟! ألم يكفينا انتشار إدمان المخدرات...ليزيدنا الواقع المُرّ إدمان الخوف من قتلهم ..من اختطافهم .، و تحرم الشوارع من تغاريدهم؟!. -إنّ التربية في خطر ؟! ..إنّ الأخلاق في خطر؟!،..و المجتمع في خطر؟! (( الداب راكب مولاه في وطني؟ !، فهنيئا لنا إذن جريمة قتل الأطفال؟! )) . ظهر الفساد في البرّ و البحر و تلوّث حياء الأفراد ، فتواءم المجتمع مع الرذيلة ،و النقيصة...و فساد السريرة والنهب و... اللاأخلاق .. و أشياء هجينة تزاحمت على الواقع .، نعم! ، وقد تفاقمت اختلالات المجتمع إلى حدٍّ لم يعد تطاق فيه السلوكيات اليومية (انظروا - يرحمكم الله - إلى عرض الأزياء و العورات في الشوارع ). و كم نحن مذنبون ؟!، ... كم نحن مهملون ؟!. غير معقول ما يحدث...و غير مقبول تواطؤنا بالصمت ../ ما ذا حدث؟ ...و ما الذي يحدث؟ .. و ماذا بعد يا وطن البحر والصحراء الشاسعة ...والريح و الثلج و المطر؟! . - هل عقمت تربيتنا عن تقويم الأنفس ؟! أم عجزت مدارسنا أن تُحصِّن قِيمَنا ؟! . - هل انخرطنا في سبات الرذيلة حتى النخاع و غفونا في سكرة الذين يعمهون و غفلنا غفلة لا تحمل على اليقظة ؟. - هل استقال الضمير، و خبا بريق النخوة فينا؟!. قد دبّ المرض في المجتمع إذن . و هناك تلوث جيني و خلل اجتماعي .. ، هناك أزمة أخلاق ؟!،. ليس الموت غريبا عن الأطفال / أبدا !!... و لكن الغريب استشراء الجريمة في عالم الصغار بهذه الفظاعة الهجينة و العجيبة. وقد أخذ منّا الإهمال أجمل ما نملك في هذه الدنيا - وحده الإهمال كفيل بصناعة الجريمة - فتكالبت وحوش بشرية على قصعتها .. واستشرى الفساد في البرّ و البحر . فيأيها الناس انتبهوا إلى أنفسكم و احموا أطفالكم ...إنّهم أبناء و بنات نداء الحياة و هم مدلّلوا المجتمع لأنهم بذرة الحاضر و ذخر المستقبل . بقلم السيد: قدور غالب مفتش التعليم الابتدائي - تيسمسيلت في 28/12/2012 م