كالعادة و فى صباح كل يوم و بعد مرور سريع على أغلب مانشيتات الصحف العالمية، ثم قراءة أبرز المقالات بالجرائد و الصحف الدولية بمختلف توجهاتها، و ما طرحته الاذاعات صاحبة الانتشار الواسع فى أغلب بقاع الارض، لافت أنتباهى بشدة أسلوب تناول وسائل الاعلام الفرنسية سواء أن كانت المقروءة أو المسموعة أو المرئية للذكرى الستون للثورة الجزائرية، و كيفية صياغة أحداث الثورة الجزائرية المجيدة و أهم مراحلها، و المادة الاعلامية التى قدمت للمواطن الفرنسى الذى بتأكيد يسمع عن تلك الثورة الان و هو غالبا لم يحضر أحداثها أثناء أندلاعها منذ ستون عاما، و ما أثار غضب مشاعرى و عقلى تلك المادة الاعلامية التى طرحت فى ذكرى الثورة و التى وصفتها الصحافة و الاذاعات الفرنسية بالثورة الوحشية و الدموية من قبل الثوار الجزائريون و ما القت به وسائل الاعلام من أكاذيب و أفتراءات على الشعب الجزائرى مقابل تلميع وجه المستعمر الفرنسى، حتى بدئت و أنا أقراء تلك الصحف أستشعر أن الجزائر هى التى كانت تحتل فرنسا و ليس العكس، فعلى سبيل المثال و ليس الحصر من يقراء ما كتب فى صحيفة لاكروا، أو صحيفة لوموند ذائعة الانتشار، أو صحيفة الفيغارو، و يسمع وكالة الانباء الفرنسية، او أذاعة RFI ، و جون أفريك و غيرها من الجرائد و المجلات كمجلة لوبوان أثناء الذكرى الستون للثورة الجزائرية، و ما قامت به وسائل الاعلام الفرنسية من عملية تنويم مغناطيسى للتاريخ، حتى بدئت تمسح جرائمها البشعة الماضية لكى تنطفئ نيران بطشها شيئ فشئ ثم تزول وسط غبار معلوماتى كثيف ضختها الالة الاعلامية الفرنسية، حتى عادت صحيفة لوموند تكرر شعارات اليمين المتطرف القديمة كالجزائر ولاية فرنسية، و أنا لا اتعجب من عودة مثل تلك الكلمات بعد نتائج البرلمان الاوربى الاخيرة، و ما جد على الصحافة الاوربية و بالاخص الفرنسية و الهولندية و الالمانية من وجوه و أقلام صحفية جديدة تتغلب أيدولوجيتها على حرية و واقعية الرأى و تحليلها للاحداث السياسية . حقيقة الامر بعد ما فعلته وسائل الاعلام الغربية من تخدير هائل لشعوبها، و كيف تقوم ببث السم فى العسل أصبحت غير مصدوم من عدم أنحياز الرأى العام أو مؤسسات المجتمع المدنى الغربى معنا و فى مختلف قضايانا و على رأسها القضية الفلسطينية، فاذا كان ذلك هو حال فرنسا بلد الحريات و أولى الديمقراطيات، فما بالكم بالكيان الشيطاني و ما يملكه من وسائل أعلام ضخمة و أذرع اقتصادية جبارة بجميع أنحاء العالم بجانب أعلاميين و صحفيين و سياسيين يتكلمون بلغة بلادهم و لكن فى الحقيقة من يحرك لسانهم يجلس فى تل أبيب، و هو الامر الذى صرح به شمعون بيريز عندما قال " يجب ان ننشئ محطات تليفزونية عربية تعمل على اقامة التطبيع كمان نريده نحن، محطات عربية و لكن تتكلم بلسان تل ابيب "و قد كان بعدها مولد قناة الجزيرة القطرية . و الان تلك الالة الاعلامية الفرنسية الضخمة قامت بتزوير العديد من الحقائق التاريخية، و توجيه الرأى العام سواء بفرنسا أو خارج حدودها لما يحلو لادارتها الحالية، كما كان الحال سابقا عندما رسمت و مهدت لسياسات حكوماتها منذ الحرب العالمية الاولى و الثانية و حتى يومنا هذا، و هذا ينطبق على جميع القوى العظمى و ليس على فرنسا فقط، فدائما و ابدا كان الاعلام بأشكاله المختلفة الاذرع الطويلة لتنفيذ سياسة تلك الدول و لاى دولة تريد أن يكون لها وجود على خريطة العالم، فلاعلام كان و سيظل سلاح هام فى مختلف فترات جميع الحكومات و قادتها، فكثيرا ما كان الاعلام يقوم بنفخ بالون أختبار أمام الطرف الاخر أو الرأى العام ليجس النبض، و كثيرا ما كان ترمومتر لقياس توجهات و أطماع الدول المستقبلية، و كثيرا ما أقحمتنا شاشة التلفزيون فى عالم افتراضى بعيدا عن الواقع و عن حقيقة ما يحاك ضدنا، و تجلى ذلك بالغزو الامريكي على العراق بعام 2003م، و كثيرا ما غير الاعلام أراء و افكار أجيال، فهى نفس الالة و من نفس الدول التى اقنعت العالم بأن تنظيم داعش و جبهة النصرة هم ثوار يحاربون من أجل الديمقراطية و الحرية، و هى نفس الالة و بنفس الكتاب و الصحفيين و الاعلاميين الذين عادو الينا مرة أخرى منذ شهر و نصف لكى يقنعونا بخطورة داعش، و أنه يجب انشاء تحالف عسكرى دولى لمواجهتها . نعم لم و لن تتغير السياسة الاعلامية لتلك الدول و هذا حقها فى الدفاع عن مصالحها الاقتصادية و السياسية و العسكرية و لكن هل تطورت عقولنا لكى تقراء حقيقة ما يصرح به ذلك الاعلام،و هل حكوماتنا و أنظمتنا تنظر للاعلام على أنه سلاح استراتيجى هام فى تلك المعارك، خاصة ما تخوضه المنطقة من حروب الجيل الرابع، و ما يسمى بحرب الافكار و حرب الصورة، أم الصورة لم تكتمل حتى الان لاذهان البعض . فادى عيد الكاتب و المحلل السياسى بمركز التيار الحر للدراسات الاستراتيجية و السياسية [email protected]